ادركت مصر منذ القدم أهمية الاتصال مع سائر الشعوب والحضارات وسعت دائما إلي توطيد علاقاتها الثقافية مع جيرانها, وخير دليل علي ذلك مكتبة الإسكندرية القديمة التي كانت منارة للعلم تستقبل طلابه وتنشر نورها علي العالم القديم. ان الثقافة هي أقدر السبل علي ترسيخ دعائم التواصل بين الشعوب وان الأمم تستمد قوتها من موروثها الثقافي والحضاري ويقاس مستقبلها بقدر ماتمتلكه من قدرة علي الابداع والابتكار, فدور مصر الثقافي هو اكثر ادوارها بريقا واعمقها اثرا حتي لو تغيرت الاحوال والظروف وتعرض لتقلبات كثيرة في الخارج أو الداخل ويعتبر العنصر البشري هو اهم مقوم لهذا الدور, وهو لايتوافر في كل البلاد ومن الصعب تعويضه.. فالبشر هم عماد اي استثمار ثقافي وخير دليل علي ذلك الدور الثقافي الذي لعبته مصر عبر تاريخها الطويل من خلال مؤسساتها الثقافية والتعليمية التي امتدت الي اعماق التاريخ ابتداء بمكتبة الإسكندرية القديمة مرورا بالأزهر الشريف واستمر حتي انشاء الجامعة المصرية رائدة المعرفة في مواكب النخبة العربية فلايوجد مثقف كبير أو فنان مبدع.. أو شاعر في اي عاصمة عربية إلا وشق طريقه من خلال مصر الأزهر أو الجامعة المصرية أو المناخ الثقافي المصري بكل تفاعلاته وتأثيره.. فقد كانت جامعة الأزهر هي أقدم واكبر الجامعات الإسلامية والعربية في العالم, حيث تردد عليها الكثير من الساسة وتخرجوا فيها..كما لايوجد مبدع كبير أو ناقد مرموق في اي عاصمة عربية إلا وتتلمذ في الجامعة المصرية علي يد طه حسين. ومندور, وشوقي ضيف ورشاد رشدي ولويس عوض وغربال, ومحمد انيس, وزكي نجيب, محمود, وزكريا إبراهيم, والخشاب, والساعاتي, كما لاتوجد عاصمة عربية إلا وطافت في رحابها بكل الجلال اغنيات أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ.. أما المواهب العربية في عصرها الذهبي فقد انطلقت من مصر, فريد الاطرش وأسمهان, وفيروز, ووديع الصافي وصباح فخري, وطربت مع كلمات شوقي, وحافظ, ومحمود حسن إسماعيل وناجي. وعلي محمود طه. ان هذا التفاعل الحي بين مصر وثقافتنا العربية كان يمثل قوة الدفع الحقيقة والقوة الناعمة نحو مستقبل اكثر استنارة ووعيا وابداعا ولم يحاول اي طرف من الأطراف في يوم من الأيام ان يشكك في عمق هذه الروابط لانها كانت تمثل زادا حقيقيا للعقل والوجدان العربي, ولانها كانت حقائق ثابتة لاتقبل الظن أو التاويل.. وفي العصر الحديث استمر هذا الإدراك ونما سعي مصر إلي تنمية علاقاتها الثقافية مع مختلف دول العالم لاسيما الدول العربية الشقيقة التي تربطنا بها أواصر أخوة وجذور حضارية وثقافية مشتركة وذلك من خلال قنوات عديدة وأنشئت المراكز والمكاتب الثقافية التي مثلت نوافذ حضارية يتم فيها المزيد من التعارف وتبادل الثقافات. لقد كانت مصر كعادتها دائما هي قائدة الثقافة العربية, فشاركت بالفن التشكيلي, والفن الشعبي من خلال فرقة رضا, التي قدمت عددا كبيرا من العروض علي بعض المسارح في أوروبا وكان نزولها الي الشارع وتقديم رقصاتها المصرية الأصيلة مثار الاعجاب (د. مرسي سعد الدين الأهرام) السؤال المهم المطروح الآن وبعد ثورة 25 يناير العظيمة هو: كيف يمكن استثمار هذا الواقع بشكل جاد ومنظم بدون فلسفة أو تعقيد فأعظم ما في دور مصر الحضاري والثقافي ذلك التنوع الفريد بين كل مؤسساتها الدينية والثقافية والعلمية والفنية.. هذا الدور الي تعانقت فيه سماحة الاديان.. ورحابة الفكر.. وتنوع الفنون.. واختلاف الرؤي.. كما ان الثقافة سارت جزءا مهما من مكونات شعبها ونسيجه.. ولان هذا الشعب متحضر بالفطرة ويحمل زخما حضاريا وانسانيا عريضا اكتسبه عبر قرون طويلة.. فهنا يأتي دور الواجهة الثقافية لتقديم زاد ثقافي حقيقي يتناسب مع دور مصر وريادتها.. وقبل ذلك مسئوليتها تجاه عالمها.