وصلتني رسالة من السفيرة السيدة نهاد عسقلاني تتأسف فيها لما حدث في القاهرة يوم الجمعة 9/9/2001. وتدين بقوة ما حدث, وتعبر عن شديد استغرابها لوجود أقلام مصرية, تكتب تمجيدا لما جري, وتراه شيئا منافيا لكل معاني المنطق والعقل, بل والشعور الوطني والإنساني, أن يقوم كاتب بتمجيد البلطجة والتخريب, وذكرت السيدة السفيرة اسم كاتب من هؤلاء الذين ارتكبوا إثم التمجيد لعمل رأته لا يستحق ذلك وقالت بالحرف الواحد: ما هذا الهراء الذي سرده بعض الكتاب إزاء اقتحام بلطجية رعاع لسفارة إسرائيل.. صحيح أنها عدونا البغيض, ولكننا دولة محترمة, وعلينا أن نحترم التزاماتنا الدولية, وهذه مسألة لا علاقة لها بالثورة, فالدولة والحكومة ملتزمة طبقا للقانون بحماية أي بعثة سياسية علي أرضها, والقول بغير ذلك نوع من الجهل والتخلف. وكلام كثير يدخل في هذا السياق ويستنكر ما حدث من بلطجة وخروج علي القانون, رددت عليه قائلا: فلا غرابة, قلت لها أن تتحول أعمال البلطجة وحرق ممتلكات الوطن, كما حدث في أعمال الشغب ضد مديرية أمن الجيزة, وأعمال البلطجة وأصحاب السوابق, المتهم بتحريكهم عناصر من فلول النظام, عملا من أعمال الوطنية والشهامة والنشامة, في عرف هؤلاء الذين لا يقلون بلطجة وإجراما عليهم, بما يفعلونه من أعمال التحريض, أما اعتبار اقتحام السفارة الإسرائيلية بالقوة والعنف والبلطجة, عملا وطنيا, فهذا هو التدجيل والتزييف والكذب, وتحويل الباطل حقا والحق باطلا, وأهلا وسهلا بمن يريد التعبير عن إدانته لإسرائيل, وعسفها ضد الشعب الفلسطيني أو الاعتداء علي مخفر حدودي مصري, وليتفضل بتنظيم مظاهرة مليونية أو غير مليونية, يملأ بها ميدان التحرير, وليقم برفع اللافتات التي تدين إسرائيل, بمصاحبة الأصوات التي تهتف ضدها, وتدين سلوكها الإجرامي, بل أهلا به يذهب في أي ساعة من ساعات النهار أمام الرصيف المقابل للسفارة, ويرفع اليافطات ضد البعثة الإسرائيلية, وضد الدولة التي تمثلها, فهذا حق يكفله له الدستور, حتي لو كان فردا واحدا, خارجا عن إجماع الأمة, وليعلم أن إسرائيل لم تدخل عنوة إلي منطقة الجيزة ولم تقم عنوة بالسطو علي المبني, ورفع علمها فوقه, ووضع موظفيها في المكتب, وإنما فعلت ذلك بموافقة السلطات المصرية, وباتفاق مع دولة مصر, وتحت حماية شرطتها وقانونها, ووفق معاهدة بين الدولتين, تم بموجبها رفع الاحتلال عن سيناء دون مزيد من الحروب والضحايا, ورفع العلم المصري فوقها, ليصبح كل شبر تحت سلطة أهل البلاد, وتم تعمير الشواطئ وإنشاء المنتجعات واستخراج النفط والغاز, وصارت هذه السفارة محمية بقوانين وسنن وشرائع دولية والحفاظ علي سلامة السفارة التزام قومي, والتزام دولي, والتزام إنساني, وأي تفريط فيه تفريط في هيبة الدولة المصرية. وأهلا وسهلا بمن يريد إلغاء الاتفاقية, ومعها قطع العلاقات الدبلوماسية, وعودة إلي حالة الحرب, إذا أراد, وهو أمر يستطيع التعبير عنه كما يشاء, ويمكن أن يصل إلي فرضه علي الدولة, وجعله سياسة تتبناها السلطات الحاكمة التنفيذية والتشريعية إذا استطاع أن يقنع بهذا المنطق نواب الأمة, أو يقنع جماهير الشعب المصري, لكي تنتخب نوابا يشكلون الأغلبية في البرلمان, وتقوم بتنصيب حكومة تفعل هذا الإجراء, كجزء من صيرورة سياسية تتصل بسيادة الشعب, وقدرته علي فرض إرادته, ورسم أجندته كما يريدها هو, لا كما تريدها أي قوة أخري في الأرض. ولعل شيئا من هذا سمعناه يصدر من رئيس مجلس الوزراء الدكتور عصام شرف بكثير من الوطنية والعقلانية, وليس التهور أو العنتريات الكاذبة, عندما قال إن اتفاقية كامب ديفيد ليست قدرا لا فكاك منه, فهي يمكن مراجعتها ويمكن النظر في استبدالها باتفاقية أخري, ويمكن إذا سمحت الظروف القيام بإلغائها, وفق ما نراه من خلال توازن القوي, والمعطيات المحلية والإقليمية والدولية, وقرأنا تصريحا من موقع غير موقع المنصب الرسمي, يقوله الأمين السابق للجامعة العربية السيد عمرو موسي, عندما قال إن هناك استحقاقات عسكرية في سيناء يجب أن يفهمها الطرف الإسرائيلي تحتم ضرورة تعديل ملاحق اتفاقية كامب ديفيد, تسمح بإلغاء القيود المفروضة علي حجم القوة العسكرية وحرية حركتها وقوة عتادها, لكي تحمي سيناء من عصابات يمكن أن تسيء لأمن مصر, وتفرض عليها مواقف خارج اختيارها, كله كلام مشروع, ويستهدف المصلحة القومية, ويقع في إطار العمل الوطني, بعيدا عن التخريب والتدمير. المزيد من مقالات أحمد ابراهيم الفقى