ليس أخطر على الثورة الآن من بعض الثوار أنفسهم، وما الجُمُعات الأخيرة المتتالية، وآخرها جمعة "الصمت الرهيب" أو "لا للطوارئ"، 16 سبتمبر الحاري؛ سوى دليل آخر على الفشل، إذ تأتي في سياق معالجة أخطاء أعقبت جمعة "تصحيح المسار" الأسبوع الماضي ! بسوء أفعالهم، يهدد بعض الثوار الثورة بالتآكل من الداخل، فمنهم من تخلى عن مبادئها، وصار يلهث خلف الغنائم، والشهرة، والظهور الإعلامي، منتهجا نهج تصفية الحسابات، وإقصاء المخالفين، وتقديس الذات.. فشقّ الصف، وأهدر الطاقات، وبث الفتن، وخلط الأولويات. هنا نتذكر نصيحة رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان للشباب المصرى، في خطابه بدار الأوبرا مساء الثلاثاء 13 سبتمبر الجاري :"ابتعدوا عن الصراع فيما بينكم لأنه سيضعف قوتكم، وفكروا بعقل مشترك، ثم ترجموا فكركم لإرادة مشتركة". نصيحة تأتي في وقت تعاني فيه القوى الثورية من تشظ وتشرذم وتفتت، وصل إلى حد اتهام المخالفين في الرأي من شركاء الثورة بالعمالة، وانعدام الوطنية، والانتهازية، لتمثل هذه الاتهامات خصما من رصيد الثورة، إذ كيف يرتفع بناؤها بينما يتناحر أبناؤها ؟ نجحت الثورة بالتحلي بروح التضحية والتفاني وإنكار الذات التي سيطرت على المصريين، وهم ينزلون بالملايين إلى الشوارع والميادين، ويعلنون التحدي لأحد أعتى النظم البوليسية الإجرامية في العالم. كانت روح ميدان التحرير تشع نور التسامح والوحدة والإخاء. كان الإخواني يستئذن من الشيوعي لكي يذهب لأداء الصلاة ثم يعود فيكمل الحوار معه..وكان الاشتراكي يأتي بما لديه من طعام ليضعه بين يدي أخيه الليبرالي..وكان المسيحي يصب الماء على يدي المسلم كي يتوضأ استعدادا للصلاة. هذه الروح كانت سبب نجاح الثورة، وهي ما تحتاجه الثورة الآن .. قال تعالى :"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". (الانفال: 46)، فالتنازع والاختلاف المذموم يؤدي إلى الفشل، وذهاب أي جهود، حتى لو كانت ثورة عظيمة، أدراج الرياح. لكن ماذا ننتظر بعد هذه الموجة العاتية من تنابز قطاع عريض من الثوار بالألقاب والأوصاف، والاستقطاب والاستنفار والتخندق، والتشرذم والتحاسد والفُرقة.. بين شركاء الثورة؟ أين هم من الأغلبية الصامتة، ومن الشعب بطبقاته الكادحة..ألم يعلموا بالوضع الاقتصادي المتردي.. إن الملايين فقدوا وظائفهم، ولدينا بطالة وغلاء وتضخم يتزايد..وبرغم مرور أكثر من سبعة أشهر على نجاح الثورة لا يجد البسطاء ممن تعاطفوا معها أي تحسن في معيشتهم. في مقاله بعنوان :"إعدام الثوار" يحذر الكاتب محمود عمارة من أنه "إذا انشغل الثوار بتقسيم التورتة، وانقسموا على أنفسهم، وتصارعواعلى الصفوف الأولى، ونسوا أن هناك آلاف المضارين من الثورة، وآلافاً من الحاقدين عليها، وملايين من الفقراء الذين لا يعنيهم سوى تأمين عشائهم، وقوت يومهم، فسوف تنتهي الثورة بإعدام الثوار فى ميدان التحرير، وهو درس الثورة الفرنسية الذي يجب أن يستوعبوه جيدا". والواقع أن الملايين المحرومة في مصر ما زالت محرومة بعد الثورة ..كما أن المنافقين ما زالوا محيطين بكل مسئول، والأدهى أنهم يتكاثرون، بعد أن تلونوا كالحرباء، في وقت انشغل فيه الثوار بتصعيد الزعامات، وجني المكاسب؛ بعيدا عن الشعب الذي يبحث عن الشعور بالأمان، والإحساس بالرخاء، والتمتع بالعدل، والتنعم بالرفاهة، فلا يجني شيئا. "الجنون هو أن تفعل الشيء مرةً بعد مرةٍ، وتتوقع نتيجةً مختلفةً". هكذا قال آينشتاين، وبالتالي علينا كمصريين ألا نتوقع نصر الله، ونحن فرقاء متشاكسون، بل مطلوب منا الاجتماع على القواسم المشتركة، وكما قال محمد رشيد رضا :"نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه". إن الشعور بالمسئولية الوطنية يوجب علينا لم الشمل، وتوحيد الصف، بهدف بناء دولة قوية وحديثة باتحادنا -على اختلاف مشاربنا- على بذل الجهد في سبيل التمكين لقيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص والمساواة، وتقاسم الرفاهية والثروات، والعيش المشترك. وقديما قال الشافعي :"نعيب زماننا والعيب فينا .. وما لزماننا عيب سوانا.. ونهجو ذا الزمان بغير ذنب..ولو نطق الزمان لنا هجانا". وصدق أردوغان حين قال :"إن مرحلة التغيير جالبة لفرص كبيرة، وبدلا من أن تكونوا ضد التغيير.. كونوا رواده وموجهيه". [email protected] المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد