أيا كان التيار الذي سيفوز بأغلبية الأصوات في الانتخابات المقبلة, ويكون الحكم من نصيبه, فقد يتمني المرء منا, ان يستقيم المشهد العام, في حالة ما اذا ظهر في صدارته رجال كانوا هم أصحاب اليد الطولي في صنع ثورة 25 يناير. وحيث يفترض ان المهمة الأولي للحكومة القادمة, هي استكمال أهداف الثورة التي لم تستكمل بعد, وحتي يتحقق أمل مصر الذي ولد في 25 يناير, ويسترد المصريون مستقبلهم, فكان ان أسوأ خطايا النظام السابق السعي لسرقة مستقبل مصر. ان الذين يفترض أن يظهروا في صدارة المشهد في مناصب وزارية, ورئاسة قطاعات في الدولة, هم من يتم اختيارهم من النابهين من الشباب الذين نظموا وأطلقوا هذه الثورة بالفعل, والتي أسقطت رأس النظام, ومازالت ذيوله باقية, والي جانب الشباب هناك شخصيات من النخبة كان لها دور التصدي لمبارك وحكمه وسياساته, ودخلت معه في مواجهات, شدت اليها أنظار رجل الشارع, وأبقت حسه الوطني يقظا متأهبا. لا أريد ان أعددهم, فهم قطاع معروف من النخبة, لكني سأذكر منهم نموذجا واحدا فقط, هم البعض من رجال القضاء الذين علا صوتهم طلبا للحرية, ورفضا للاستبداد والفساد والتزوير, وتعرضوا لحملات هجوم منظمة من المأجورين والمنافقين. أين هم من المناصب الحكومية, ومن مهام وضع فكر الثورة موضع التنفيذ, واعادة اصلاح ماخربه نظام هدم الدولة؟ ويخطيء من يتصور ان الثورة كانت هبة ثم خمدت. فمازال هناك البعض من النظام القديم يتسلط علي عقله نفس منطق تفكير النظام الساقط, غير مقتنع بأن ماجري كان ثورة, متجاهلا أن البلد لم يكن يدار كدولة, بل يدار بأسلوب المؤسسة التجارية, التي تدر الربح علي رئيسها, وأسرته, وتابعيه, تاركا الهموم تتفاقم والمشاكل تتراكم, دون ان يفسح مساحة من عقله لحلها, يشهد علي ذلك الحال المتردي للتعليم, والصحة, والبحث العلمي, والصناعة, والزراعة, والاعلام, والبطالة, والتفكك والعنف, والأمن القومي, وما ازدهر في عهده من ظواهر خطر كالعشوائيات وأطفال الشوارع, والتي كانت تتسع وتتكاثر أمام عينيه طوال 30 سنة. ان التركة التي خلفها الرئيس المخلوع وراءه, تحتاج تفكيكها, واعادة تأسيس للبلد, لتنتقل من حال الدولة الفاشلة FailedState الي وضع الدولة الفتية. وهذه مهمة لايمكن إتمامها, دون ان يعهد بمسئوليتها الي الذين كان قد استقر في ضميرهم أصلا هدف التغيير في مصر, وان ذلك لايتم دون رؤية استراتيجية حديثة, وفق المعايير العلمية التي أخذت بها دول كانت صغيرة ونهضت وتقدمت خلال سنوات محدودة. هؤلاء هم جناحا الثورة من البداية: جناح النخبة التي جاهدت بالكتابة, والندوات, والتحركات الاحتجاجية, ونجاح الشباب الذين خططوا ونسقوا وأطلقوا شرارة الثورة, لتستوعب ملايين المصريين الذين لبوا نداءها بالخروج الي الشوارع. ان الدول التي نجحت في الخروج من دائرة الفقر الفكري والمادي علي السواء ومن ضعف الأداء وتهافته, قد سلكت طريقا لابديل عنه وهو تنظيف البلد من أدران الماضي وسوءاته وألغامه, التي تركها النظام الدكتاتوري, موزعة علي كافة قطاعات الدولة, ومن زيادة طوابير الجهل والسطحية والنفاق التي كان يرعاها, بممارسته العداء للعلم والمعرفة والفهم والصدق الوطني. ان تحقيق التحول من قبضة الماضي, الي نظام ديمقراطي, صارت له قواعده التي استقر عليها الفكر السياسي في العالم, استنادا الي التجارب الناجحة لدول قفزت بشعوبها من تحت خطر الفقر, الي مراتب الثراء. ولأن النظام الساقط كانت بينه وبين العالم المحيط به قطيعة عقلية, فقد دخل كهف التخلف, بينما الآخرون يحققون تقدما مذهلا, فهو لم تكن لديه قدرة علي ان يفهم, ان العالم بعد التحول التاريخي في النظام الدولي عام 1989, أصبحت له قواعد عمل, ومفاهيم متغيرة في السياسة والاقتصاد, وطرق حكم الدول والشعوب. ان غياب النوعية التي أشرت اليها عن صدارة المشهد السياسي في مصر, في أعقاب الثورة, كانت ظاهرة لافتة للنظر, فإذا لم تكن تستعين بأصحاب فكر الثورة في تحقيق أهدافها, فبمن تستعين؟! ولعلي بدأت مقالي بالتمني, في ان يستقيم المشهد, في نظر وفكر الحكومة القادمة المنتخبة, وحتي يذكر لها ويكون شاهدا عليها, أنها جاءت فعلا لتكمل ما لم يكتمل من أهداف الثورة. والغريب ان المشهد في الشهور الماضية ظل قابعا في صدارته, وفي مواقع مسئولية بعض ممن كانوا مختارين من أمن الدول, ومن جمال مبارك ذاته, ومنهم من جاهر في تصريحات علنية برفضه للثورة في أيامها الأولي, رافضا اي تعاطف معها. قد يقال في تبرير مالم يتحقق في المرحلة الأخيرة, أن ما فات كان فترة انتقالية من عهد الي عهد, وان تشييد المستقبل بناء علي مفاهيم الثورة هو مسئولية ودور الحكومة القادمة المنتخبة واذا كان ذلك كذلك, فإن علي الحكومة القادمة ان تعيد للمشهد استقامته, وللوضع العام منطقه السليم, وللثورة معناها ومبتغاها فهل تفعل؟ أم أن الأفضل هو مبادرة المشاركين الحقيقيين في اطلاق الثورة في 25 يناير, بالاتفاق فيما بينهم علي قيادة لهم يتفقون عليها من الآن وقبل الانتخابات, تمثلهم وتعبر عنهم وتتحدث باسمهم, وهذا أفضل الحلول؟ لأن البرهان علي ان الثورة نجحت هو ان يأتي علي يد صناعها تغيير بنية النظام السياسي والاجتماعي. المزيد من مقالات عاطف الغمري