علي الرغم من أن ما تم إنجازه في ثورة25 يناير كان حلما كبيرا لم نكن نتوقعه, حيث أظهرت هذه الثورة المعدن الأصيل للشعب المصري وخاصة الشباب من الجنسين, فرأينا التكافل الاجتماعي, والعمل بروح الفريق, والوحدة الوطنية, والانتماء الحقيقي إلي الوطن. وغيرها من القيم النبيلة التي عادت لتظهر علي سطح الحياة اليومية في مصر من جديد, لكن سرعان ما تبدلت تلك المشاعر بعد سقوط رأس النظام إلي نوع من العصيان المدني واحتجاجات مبررة وغير مبررة بالإضافة إلي الاجتراء علي ممتلكات الدولة ومحاولة اغتصابها وسلبها وكأنها ملك للعدو وليس لمصر, وتزامن ذلك مع الاحتجاجات والاعتصامات التي أصابت عجلة الإنتاج في مقتل وتراجع الاقتصاد والدخل القومي بشكل ملحوظ. هذه السلبيات يؤكد الدكتور ناصر محمود وهدان أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة قناة السويس تهدد مكاسب هذه الثورة البيضاء وتذهب بجمالياتها, حيث إنه مطلوب منا جميعا أن نعرف أن هناك حدودا فاصلة بين السلوك الديمقراطي والسلوك الفوضوي; لذا فالمرحلة الحالية والمرحلة المستقبلية تستوجبان علينا أن ننفض أيدينا بالكلية من الوقفات التكريمية والوقفات الاحتجاجية والوقفات الفئوية وغيرها حتي لا تتحول المرحلة الانتقالية التي نحياها الآن إلي مرحلة انتقامية علي غير رغبة منا جميعا, فقد سقط نظام حكم الفرد, وبقي علينا أن ينشغل كل واحد منا علي الفور بالحفاظ علي وطنه وإتقان عمله تجويده, فلا وقت الآن للحديث عن ماضي الثورة, وكيف نجحت؟ والتنظير لها, ولكن ينبغي أن يكون عملنا اليوم وغدا عن كيفية إنجاح هذه الثورة وجني مكتسباتها, ولا أري طريقا لذلك غير طريق عودة كل واحد منا إلي عمله بكامل طاقته وقوته: القاضي في محكمته, والعامل في مصنعه, والزارع في مزرعته, والطالب في مدرسته.. وهكذا. ويري د.وهدان أنه ليس كافيا أن تكون أهداف القائمين علي ثورة يناير نبيلة في بدايتها; لأنه لا سبيل إلي بيان نبلها إلا بالعمل الجاد والمستمر. فهذا هو نبي الله داود- عليه السلام- يحث قومه علي العمل الجاد, ومبينا لهم أن الشكر الحقيقي لنعم الله تعالي لا يكون بالقول المجرد عن العمل النافع, إذ النجاح الحقيقي في الكفاح في الحياة, قال تعالي: اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور, وعن فضل إتقان العمل وثوابه العظيم عند الله وحده دون غيره, قال تعالي: إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا وهذه بشارة خاتم النبيين محمد بن عبد الله, بمغفرة الله ورضوانه لمن بات مرهقا من عمله- لتفانيه فيه- حيث قال: من بات كالا( مرهقا) من عمله بات مغفورا له, ولهذا ينبغي أن نتنافس جميعا في دفع عجلة الإنتاج بكل قوة, كل في مجال تخصصه لنعوض ما فقدناه أثناء فترة المظاهرات السلمية, وإذا كنا قد أسقطنا نظام حكم الفرد فهذا ليس معناه إسقاط جميع مؤسسات الدولة العصرية, ومعها إسقاط أحلام شباب هذه, لذا فإنه لا سبيل لنا الآن إلا أن ينخرط كل واحد منا في عمله, علي أن يكون هدفه الأسمي إتقان العمل والإبداع فيه ليس غير, وهذا لا يتحقق إلا إذا كان هدفنا الأوحد الولاء للمهنة فقط, نعم الولاء للمهنة فقط; ذلك لأننا رأينا جميعا أصحاب الولاء للأشخاص ذهبوا مع الأشخاص إلي غير رجعة, وكشفوا عن عوار( فساد) في فكرهم, وفي عملهم, وما زلنا ندفع كشف( فاتورة) حسابهم الباهظ حتي الآن, وربما لأجيال متلاحقة مستقبلا. كما إننا في حاجة ملحة إلي إصلاح جميع مؤسسات الدولة, وهذا الإصلاح لا يتم إلا من خلال سواعد أهل مصر الفتية رجالا ونساء علي سواء.. فقد لاح في الأفق ثورة جياع الشعب من أصحاب المهن الحكومية والمهن الحرة التي يخشي منها أن تصيب مكاسب الثورة الطاهرة في مقتل, فتقضي علي الأخضر واليابس; لذا نريد أن تزاحم سواعد شعب مصر الشرفاء بتجربتهم الجديدة التجارب: لتركية والصينية والماليزية والكورية واليابانية وغيرها.