على الرّغم من كثرة الأصوام في المسيحيّة ، إلاّ أنّ الصّوم الذي يسبق عيد قيامة السيّد المسيح عليه السلام هو الأهم على الإطلاق ، طقسياً وكنسياً حيث يدعى أيضاً ب ( الصوم السيّدي أو الأربعيني ) ، وهو الأطول زمنياً بحيث يبلغ 55 يوماً غير متقطّعة ، إذ يمتنع فيه الصائم عن تناول الأطعمة ذات المنشأ الحيواني ، كاللحوم والبيض والألبان والأجبان ، ليعمد إلى أكل الخضراوات والفاكهة ، أو ما يعرف بالأكلات المطهوة بالزيت في مواقيت محدّدة يعرف بالقطاعة . ويكون هذا الصيام متضمناً ثلاثة أصوامٍ مجتمعة ، وهي : 1- أسبوع الاستعداد ، ويدعى أيضاً بدل السبوت . 2- صوم السيّد المسيح والذي تكون مدّته أربعين يوماً ، تشبّهاً بصيام السيّد المسيح . 3- أسبوع الآلام ، و يدعى أيضاً جمعة الآلام أو الجمعة العظيمة، و قد قامت الكنيسة بتقسيم أيّام الصّوم الكبير إلى أسابيع سبعة ، وحدّدت لكلّ أسبوع إسماً خاصّاً أو عنواناً يعرف فيه و يشير لخصوصيّته ، مع التآلف و الارتباط ببعضها . و حدّدت كلّ أسبوع يبدأ اعتباراً من يوم الإثنين ، وينتهي مع نهاية يوم الأحد ، وكون أيّام و أسابيع الصيام و حدة متكاملة ، هدفها تقريب الصّائم من التوبة التي يقبلها المخلّص، مشاركته الفقير والمحتاج في طعامه المتقشّف، فقد أقرّت الكنيسة أنّ : الأسبوع الأوّل عنوانه الكنوز ، أو ما يعرف بهداية المؤمن إلى ملكوت الله . حيث تسعى الكنيسة لتوجيه أبنائها لعبادة الله بدلاً من عبادة المال ، من خلال قول السيّد المسيح (( لا تعبدوا إلهين... الله و المال )) ، ليتحقّق قول المسيح بأن كنوزهم في السماء لا على الأرض . الأسبوع الثّاني : عنوانه التجربة . و تعرف فيه الكنيسة المؤمن كيف يتجاوز تجارب إبليس ، و يحاربه ، و لا ينصاع لإغراءاته و إملاءاته و شهواته ، فينتصر عليه متخذاً السيّد المسيح قدوةً له حينما تعرّض لتجربة لثلاث مرّات من قبل الشرّير ، عندما أغواه في المآكل و كان صائماً ، وأغواه بامتلاكه المعمورة كلّها في حال قبوله بالسجود له ، كما طالبه بأن يطرح نفسه من أعلى الجبل طالما أنّ الله ينجيه . الأسبوع الثّالث عنوانه الابن الضّال، فتعلّم الكنيسة المؤمنين أن مثال الابن الضّال الذي خاطبهم به السيّد المسيح خير دليل على مسامحة الله للخطأة التائبين و قبوله لهم من جديد. الأسبوع الرّابع عنوانه السّامريّة، فتعلّم الكنيسة أبناءها على أن أفضل سلاحٍ للخاطئ هو كلمة الله المحيية . الأسبوع الخامس عنوانه المخلّع ، انطلاقاً من أعجوبة شفاء السيّد المسيح للمخلّع ، الذي أقعدته الخطيئة ، كونها هي السّبب الرئيسي في الأمراض الرّوحيّة منها والجسديّة الأسبوع السّادس عنوانه التجديدات . و هذا الأسبوع هو تأكيد على أنّ المعموديّة لا بدّ منها لأنها الاستنارة الحقيقيّة ، والولادة الثّانية بالرّوح للمؤمن ، انطلاقاً من المعجزة التي قام بها السيّد المسيح بشفاء أعمى أريحا حيث أعاد له البصر. الأسبوع السّابع عنوانه الشعانين وهي تذكير للمؤمنين بيوم دخول السيّد المسيح إلى أورشليم - باحتفال شعبي - على ظهر أتان ، قبل أن يعاين الآلام و الصّلب و الموت ، ليقوم ممجداً فجر يوم الأحد الجديد الذي يعرف بأحد الفصح المجيد ولأنّ فترة الصيام هي فترة مقدّسة ، هدفها النموّ الرّوحي للفرد بعيداً عن الشعور الجسديّ ، فمن لا يستفيد من هذه الفترة في تعزيز إيمانه و روحه لن يستطيع الاستفادة من حياته في أيّامٍ ربما تكون بعيدة عن الرّوحانيّة ، أو قليلة ، كونه من أولى درجات الصيام . وقد ارتأت الكنيسة بأنّ الصيام فرض و واجب على المؤمن المسيحي ، من خلال معجزة شفاء لم يستطع تاديتها تلامذة السيّد المسيح لرجل مسّه الجنّ ، ليقول لهم المسيح " إنّ هذا الجنس لا يخرج إلاّ بالصوم و الصلاة " . ولأنّ الصّوم يعني الامتناع عن الطعام و الانقطاع عنه ، فإن فترات الانقطاع في الصّوم الكبير تختلف باختلاف الصّائم من حيث السنّ ونوع العمل وأيضاً نوع المرض ، فيكون للكاهن الدّور في الإرشاد والتوجيه بحسب التجاوزات المسموح فيها في الكنيسة ، و لو أنّ الكنيسة قد وضعت نظاماً زمنياً موحّداً حيث تبدأ فترة الانقطاع عن الطعام و الشّراب من الرّابعة صباحاً وتنتهي في الرّابعة مساءً . ولأنّ الصيام يعني التقشّف والزهد تشبّهاً بصيام السيّد المسيح ، فإنّ الصّائم لا يسمح له بأكل اللحوم وجميع المنتجات الحيوانيّة ، ورغم أنّ أكل السّمك يسمح فيه في الصيام الصغير الذي يدعى صيام الميلاد ، إلاّ أنه محرّم في الصوم الكبير ، إلاّ في يوم عيد البشارة الذي يوافق 25 آذار من كل عام فهو مسموح به . عادة ما يختلف يوم بدء الصّوم الكبير حسب السّنة الميلاديّة، نظراً لأنّ الكنيسة تعتمد التقويم الغريغوري الذي يختلف فيه عدد أيّام السنة ، وعادةً ما يوافق عيد قيامة السيّد المسيح في أوّل أحد مباشرة بعد عيد الفصح في الديانة اليهوديّة ، فيكون يوم الجمعة هو ذكرى موت السيّد المسيح بعد صلبه ، ويكون يوم الأحد هو يوم قيامته.