تدخل الأزمة اليمنية مرحلة حساسة مع تحول حضرموت والمهرة إلى بؤرة صراع سياسي وعسكري مفتوح، مما يعكس عمق التصدعات بين القوى المناهضة للحوثيين. يضع إصرار 'المجلس الانتقالي الجنوبي' على الإبقاء على قواته شرق البلاد، وتصعيده السياسي وصولاً إلى التلويح بالانفصال، مستقبل الترتيبات الداخلية أمام خطر التفكك والانقسام. وتتزايد المواجهة السياسية مع الحكومة الشرعية التي ترى في تحركات 'الانتقالي' تهديداً لسيادة الدولة، بينما يلوّح التحالف العربي بخيارات أكثر صرامة، وفي هذا السياق، تحاول المواقف الخليجية، خاصة السعودية، الموازنة بين احتواء الانفجار الداخلي والحفاظ على وحدة اليمن، في ظل تقاطع الحسابات الإقليمية مع تعقيدات الداخل، ما ينذر بمرحلة أكثر اضطراباً. في هذا التقرير، نرصد تطورات الأزمة بالكامل في اليمن، ونشرح حجم كل طرف عسكري ودوره، وكذلك موقف الأطراف الدولية منه. إلغاء اتفاق مشترك في تصعيد غير مسبوق بمعسكر 'الشرعية' في اليمن، ألغت السلطات اليمنية، الثلاثاء الماضي، اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، وطالبت بخروج جميع قواتها خلال 24 ساعة، عكس هذا القرار، الصادر عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، التوتر المتصاعد بسبب تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة. كما أمر القرار قوات 'درع الوطن' بالتحرك الفوري لتسلم المعسكرات والمواقع العسكرية في حضرموت والمهرة. وتزامن القرار مع لهجة تصعيدية من العليمي، الذي أكد أن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام 'أي تمرد' أو محاولات تقويض سلطتها، متهماً 'الانتقالي الجنوبي' بالتصعيد العسكري المباشر، والاعتداء على القوات الحكومية والمدنيين، ورفض إنهاء التصعيد رغم الوساطة السعودية، لم يصدر تعليق إماراتي رسمي حتى لحظة صدور القرار. وتري صحيفة نيوزويك الأمريكية، أن الأزمة في اليمن لم تعد أزمة سياسية أو عسكرية تقليدية، بل تحولت إلى أزمة مركبة شديدة التعقيد، تتداخل فيها العوامل الداخلية بالصراعات الإقليمية والحسابات الدولية. وتشير إلى أن جذور هذا التعقيد تعود إلى ما بعد عام 2012، حين انعقد مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة واسعة من مختلف القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية في اليمن، وخرج بمخرجات وُصفت في حينها بأنها من أفضل ما يمكن أن يُطرح لإنقاذ البلاد وبناء دولة جامعة، غير أن هذه المخرجات، بحسب القاضي، لم تُمنح الفرصة للتنفيذ، إذ سرعان ما انقلبت عليها القوى نفسها التي شاركت في صياغتها، كلٌ وفق حساباته الضيقة، ما فتح الباب أمام مسار طويل من الصراع والانهيار المؤسسي. عملية عسكرية في ميناء المكلا أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية، فجر الثلاثاء، تنفيذه 'عملية عسكرية محدودة'، قصف خلالها شحنات أسلحة وعربات قتالية وصلت إلى ميناء المكلا بمحافظة حضرموت، الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي. ونقلت 'واس' عن متحدث التحالف، اللواء تركي المالكي، أن القصف تم بعد وصول سفينتين محمّلتين بالأسلحة والمعدات العسكرية إلى الميناء دون تصريح، مشيرًا إلى أن العملية جاءت بطلب من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لحماية المدنيين. وأوضح المالكي أن السفينتين، القادمتين من الفجيرة الإماراتية، عطّلتا أنظمة التتبع وأنزلتا الأسلحة لدعم قوات المجلس الانتقالي، ما اعتبره التحالف مخالفة لجهود التهدئة وتهديدًا للأمن والاستقرار، وأكد أن الاستهداف تم بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني، دون وقوع إصابات بشرية أو أضرار في البنية التحتية. وكان التحالف قد قرر، السبت الماضي، التحرك عسكريًا ضد انتهاكات المجلس الانتقالي في حضرموت، استجابة لطلب المجلس الرئاسي، بعد سيطرة قوات الانتقالي المفاجئة على حضرموت والمهرة مطلع ديسمبر، واعتبر المجلس الرئاسي والسعودية هذه التحركات 'إجراءً أحاديًا' تم دون موافقة المجلس الرئاسي وتنسيق التحالف، وأضرّ بمصالح اليمن وجهود التحالف. السعودية تتدخل أعربت الخارجية السعودية عن أسفها للخطوات 'البالغة الخطورة' التي قامت بها الإمارات، متهمة إياها بالضغط على قوات 'الانتقالي الجنوبي' لشن عمليات على حدود المملكة في حضرموت والمهرة، معتبرةً ذلك تهديدًا مباشرًا لأمنها وأمن المنطقة، وأكدت الرياض أن هذه التحركات لا تخدم تحالف دعم الشرعية. وشددت السعودية على أن أمنها الوطني 'خط أحمر'، مجددة التزامها بوحدة اليمن ودعمها للحكومة الشرعية، وأكدت أن 'القضية الجنوبية' عادلة، لكن حلها يكمن في الحوار الشامل. كما طالبت السعودية الإمارات بالاستجابة لطلب الحكومة اليمنية بسحب قواتها من اليمن خلال 24 ساعة، ووقف أي دعم عسكري أو مالي لأي طرف، معربةً عن أملها في سيادة الحكمة للحفاظ على العلاقات الثنائية واستقرار المنطقة. خريطة السيطرة المسلحة في اليمن أفرزت الحرب اليمنية الممتدة منذ قرابة عقد واقعًا جغرافيًا شديد الاختلال، لم تعد فيه السيطرة على الأرض تعني بالضرورة السيطرة على السكان أو القرار السياسي. فاليمن اليوم مقسّم فعليًا بين قوى مسلحة متعددة، تتوزع سيطرتها بين الشمال والجنوب والشرق والساحل، بنِسب متفاوتة تعكس تعقيدات الصراع أكثر مما تعكس حسمه. وتُظهر خريطة النفوذ الحالية أن الحوثيين تسيطر على ما يقارب 35% من المساحة الجغرافية لليمن، إلا أن هذه النسبة المحدودة نسبيًا تشمل القلب السكاني للدولة اليمنية، فالجماعة تفرض نفوذها على العاصمة صنعاء، ومعظم محافظات الشمال الغربي والوسط، بما فيها صعدة وعمران وحجة وذمار وإب، وأجزاء واسعة من البيضاء والحديدة، هذا الانتشار يمنح الحوثيين أفضلية استراتيجية لا تُقاس بالمساحة، بل بعدد السكان والمؤسسات والبنية الإدارية، ما يجعلهم الطرف الأكثر رسوخًا من حيث الحكم الفعلي. في المقابل، يمتلك المجلس الانتقالي الجنوبي أكبر حصة من الجغرافيا اليمنية، بنسبة تتراوح بين 50 و52 % من إجمالي مساحة البلاد، وتعود هذه النسبة المرتفعة إلى سيطرته على محافظاتجنوبية وشرقية شاسعة المساحة، مثل حضرموت والمهرة وشبوة، إضافة إلى عدن ولحج والضالع وأبين. ورغم أن هذه المناطق أقل كثافة سكانية مقارنة بالشمال، فإنها تتمتع بأهمية استراتيجية كبرى، نظرًا لموقعها على بحر العرب، وحدودها البرية مع السعودية وسلطنة عُمان، واحتضانها لموانئ وموارد طبيعية، ومع تصاعد خطاب المجلس حول 'إعلان الدولة'، أصبح هذا النفوذ الجغرافي يمثل أساس مشروع سياسي انفصالي مكتمل الأركان من حيث الأرض، وإن لم يكتمل بعد من حيث الاعتراف الدولي. أما الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، فتبدو الخاسر الأكبر على مستوى الجغرافيا، إذ لا تتجاوز سيطرتها الفعلية ما بين 10 و12% من مساحة البلاد، موزعة على مناطق غير متصلة جغرافيًا في مأرب وتعز وأجزاء من شبوة ووادي حضرموت والمهرة، ويعكس هذا التشتت الجغرافي ضعف السلطة المركزية وتآكل قدرتها على فرض الأمن أو إدارة الموارد، فضلًا عن اعتمادها الكبير على التحالفات العسكرية المتغيرة، ما يجعل نفوذها هشًا وقابلًا للاختراق في أي لحظة. ويبرز على هامش هذا المشهد طرف رابع يتمثل في قوات المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح، التي تسيطر على ما يقارب 3 إلى 5% من مساحة اليمن، متمثلة في شريط الساحل الغربي الممتد من المخا حتى أطراف الحديدة الجنوبية، ورغم محدودية المساحة، فإن هذه المنطقة تتمتع بأهمية استراتيجية استثنائية لارتباطها بخطوط الملاحة في البحر الأحمر، وتعمل هذه القوات ككيان شبه مستقل، لا يخضع فعليًا لا للحوثيين ولا للمجلس الانتقالي، ولا حتى لسلطة الحكومة المركزية بشكل كامل. وفي الفراغات بين هذه القوى الكبرى، تنشط تنظيمات جهادية مثل القاعدة وتنظيم داعش، إضافة إلى تشكيلات قبلية مسلحة، لا تسيطر على مساحات ثابتة، لكنها تستغل هشاشة الأمن وتعدد مراكز النفوذ لفرض حضورها في مناطق نائية أو متنازع عليها، خصوصًا في أبين والبيضاء وشبوة ومأرب. ويُضاف إلى ذلك بروز قوى قبلية ذات طابع سياسي، كما في حضرموت، حيث يطالب 'حلف قبائل حضرموت' بحكم ذاتي، ما يعكس تفكك السيطرة حتى داخل المحافظة الواحدة. تقرير مركز "ستراتفور" وفق تقرير صادر عن مركز 'ستراتفور'، تشهد الساحة اليمنية تطورات ميدانية وسياسية من شأنها تعميق الانقسام داخل المعسكر المناهض للحوثيين، على خلفية التقدم الذي يحققه المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، خصوصًا في جنوب وشرق البلاد، ويرى التقرير أن هذه الديناميكيات تُضعف فرص تثبيت وقف إطلاق النار المتعثر، وتفتح الباب أمام موجة جديدة من العنف الداخلي، بما قد يمنح الحوثيين فرصة لاستئناف هجماتهم. ويشير التقرير إلى أن رفض المجلس الانتقالي الجنوبي، في منتصف ديسمبر، الجهود السعودية الرامية إلى سحب قواته من حضرموت والمهرة مثّل تصعيدًا مباشرًا في الخلاف مع الرياض والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وجاء هذا الموقف عقب سيطرة المجلس على مساحات واسعة من الجنوب، بما في ذلك عدن، في هجوم خاطف كشف عمق الانقسامات داخل الكتلة المناهضة للحوثيين، ليس فقط بين الفصائل اليمنية، بل أيضًا بين داعميها الإقليميين، السعودية والإمارات. ويوضح التقرير أن الرياض ركزت على الحفاظ على وحدة اليمن، ودعم عملية سياسية انتقالية ووقف إطلاق النار مع الحوثيين، في حين تبنت أبوظبي، عبر دعمها للمجلس الانتقالي، نهجًا يقوم على اللامركزية أو الانفصال الجنوبي، وموقفًا أكثر تشددًا تجاه الحوثيين، وقد سمح التقدم العسكري الأخير للمجلس بتحويل مكاسبه الميدانية إلى نفوذ سياسي وإداري، ما أدى إلى تهميش القوى المتحالفة مع السعودية وزيادة التصدع داخل التحالف المناهض للحوثيين. ويرى 'ستراتفور' أن سيطرة المجلس الانتقالي على مناطق حساسة في حضرموت، بما في ذلك حقول نفط ومراكز حضرية ومواقع عسكرية، ستُقابل على الأرجح بمقاومة قبلية واشتباكات محلية، نظرًا لرفض قطاعات واسعة من السكان المحليين لنموذج حكم المجلس، واتهامه بالفساد وضعف تقديم الخدمات، كما أن هذه التطورات تُعقّد المفاوضات السياسية والأمنية، وتزيد من احتمالات وقوع مواجهات بين القوى المدعومة من الإمارات وتلك المدعومة من السعودية حول البنية التحتية الحيوية والمواقع الاستراتيجية. ويؤكد التقرير أن استمرار الاقتتال الداخلي داخل المعسكر المناهض للحوثيين سيُبقي محادثات وقف إطلاق النار مجمّدة، ويقوض مسار السلام الأوسع، وأن الحوثيين باتوا في وضع أفضل لاستغلال هذه الانقسامات، مستفيدين من قدراتهم العسكرية المتنامية، والدعم الإيراني المستمر، وحملات التعبئة الواسعة التي عززوها خلال العامين الماضيين. ويشير التقرير إلى أن المكاسب المدعومة من الإمارات ستعيد رسم موازين القوى في جنوب اليمن، لكنها لن تفضي، على المدى المنظور، إلى استقلال مستقر للجنوب، بسبب التشرذم الداخلي والمقاومة القبلية واستمرار هشاشة الوضع الأمني، وفي ظل هذه المعطيات، تبقى اليمن عرضة لموجة جديدة من عدم الاستقرار الإقليمي، مع تصاعد المخاطر الأمنية وتراجع فرص التسوية السياسية الشاملة. في حين يرى تقرير آخر صادر عن مركز 'ستراتفور' أن التقدم العسكري الذي يحققه المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم إماراتي يُعيد طرح سيناريو عودة جنوب اليمن ككيان مستقل بعد ثلاثة عقود من الوحدة، إلا أن هذا المسار، رغم تزايد فرصه، لا يزال معقدًا وبعيد المنال. فالوصول إلى استقلال فعلي يتطلب من المجلس الانتقالي موازنة دقيقة بين تعقيدات الجغرافيا السياسية اليمنية، والانقسامات القبلية والإقليمية، وحسابات القوى الإقليمية والدولية، بما يجعل تحقيق مشروع 'جنوب الجزيرة العربية' خلال العقد الحالي أمرًا غير مرجح. يشير التقرير إلى أن البيئة الدولية الراهنة، التي تتسم بتراجع الالتزام بمبدأ وحدة الدول وانكفاء الاهتمام الأمريكي بالتحولات الداخلية في الشرق الأوسط، قد أوجدت تساهلًا مع إعادة رسم الحدود بالقوة، وقد يضطر هذا الواقع واشنطن إلى قبول سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي كأمر واقع، كما أن ضعف شرعية الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا واعتمادها المتزايد على دعم سعودي متردد يمثل فرصة سياسية للمجلس لتعزيز توجهه الانفصالي. ويؤكد التقرير أن هذه الفرصة ليست مطلقة، فالمجلس لا يسيطر بعد على مناطق محورية كمأرب وتعز، اللتين تحميهما القوات الجوية السعودية، كما لا يمتلك الإمكانيات العسكرية الكافية لحسم المعركة فيهما بالقوة، لذلك، فإن أي تقدم نحو الانفصال يتطلب إحداث اختراقات سياسية ودبلوماسية، والقدرة على استقطاب القوى المحلية، وربما موافقة ضمنية من السعودية على التخلي عن دعم خصوم المجلس، ومع أن الرياض تسعى إلى إنهاء تدخلها المكلف، إلا أنها لا تزال تفضل حلًا اتحاديًا يحافظ على وحدة اليمن، مما يجعل تخليها عن الحكومة الحالية أمرًا غير محسوم. وعلاوة على ذلك، يبرز خطر تحول جنوب الجزيرة العربية إلى ساحة صراع بالوكالة، خاصة في ظل التحالف المتوقع للمجلس مع الإمارات والكتلة الغربية، فقبول مساعدات عسكرية غربية أو إسرائيلية قد يعزز الأمن، لكنه في الوقت نفسه سيجعل الكيان الجديد هدفًا سهلًا لإيران والحوثيين. العلاقة مع إسرائيل في حين يرى تحليل نشره موقع 'يديعوت أحرونوت' أن الصعود السريع للمجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم إماراتي مباشر يمثل تحولًا استراتيجيًا في موازين القوى داخل اليمن، مع تداعيات إقليمية تتجاوز الساحة اليمنية لتصل إلى حسابات إسرائيل الأمنية والدبلوماسية، فسيطرة المجلس على معظم جنوب اليمن، بما في ذلك عدن ومطارها ومؤسسات الدولة ومحافظة حضرموت الغنية بالموارد، كرست واقعًا جديدًا يتمثل في انقسام فعلي للبلاد بين شمال خاضع للحوثيين المدعومين من إيران، وجنوب تديره سلطة سياسية وعسكرية منفصلة موالية لأبوظبي. ويشير التحليل إلى أن انهيار الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وفرارها إلى الرياض، ورفع علم جنوب اليمن السابق في عدن، يعكسان نهاية فعلية لمشروع اليمن الموحد، وقد أضعف هذا الواقع التحالف الذي واجه الحوثيين منذ 2015، وجعله أكثر انقسامًا وعجزًا عن التنسيق، وهو ما أتاح للحوثيين تعزيز سيطرتهم وتوسيع علاقاتهم مع إيران وحزب الله، وتطوير قدراتهم الصاروخية والطائرات المسيّرة. ويبرز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة عسكرية وسياسية منظمة ومدعومة إماراتيًا، ويشكل حاليا أخطر تحد عسكري للحوثيين، مما فاجأ السعودية وكشف عن تباين استراتيجي مع الإمارات. وبالنسبة لإسرائيل، يمثل الجنوب المستقر نسبيًا معادلة مزدوجة فضعف التحالف يتيح للحوثيين تعزيز نفوذهم، لكن وجود كيان جنوبي موالٍ للإمارات يوفر فرصة استراتيجية وتنسيقًا محتملاً لمواجهة التمدد الإيراني في بحر العرب، كما تعزز سيطرة المجلس على الموانئ الاستراتيجية عدن، المكلا والوجود الإماراتي في سقطرى الرقابة على طرق الشحن الحيوية لإسرائيل باب المندب، البحر الأحمر ويؤكد التحليل ضرورة عدم المبالغة في وصف الجنوب بأنه 'مؤيد لإسرائيل'، فهو بالأساس موالٍ للإمارات، وأي انفتاح محتمل مشروط بإدارة حذرة للعلاقة مع أبوظبي ومراعاة الحساسية السعودية، ويمثل صعود المجلس الانتقالي تحولًا محوريًا يعزز النفوذ الإماراتي ويهمش الدور السعودي، ويهدد الحوثيين على المدى القريب، ويفتح آفاقًا استراتيجية لإسرائيل على المدى الطويل كشريك محتمل في اتفاقيات أبراهام لمواجهة النفوذ الإيراني في البحر الأحمر. وفي السياق ذاته، وفي تحليل نشره مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، أُشير إلى أن جنوب اليمن شهد خلال الأسبوعين الماضيين تحولًا استراتيجيًا جذريًا، بعدما سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم كامل من الإمارات، بسرعة على عدن ومحافظة حضرموت الغنية بالموارد، إضافة إلى مؤسسات حكومية مركزية رئيسية، ومع فرار الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى الرياض، ورفع علم جنوب اليمن مجددًا فوق المباني الحكومية في عدن، لم يعد اليمن دولة موحدة، بل أصبح منقسمًا، بحكم الأمر الواقع، إلى كيانين شمال يسيطر عليه الحوثيون، وجنوب موالٍ للإمارات. ويكشف التحليل أيضًا عن عمق الخلاف بين السعودية والإمارات؛ فبينما تتمسك الرياض، ولو شكليًا، بوحدة الأراضي اليمنية، تعمل أبوظبي بصبر وهدوء على إنشاء كيان جنوبي بديل، وقد أدى ذلك فعليًا إلى تهميش الدور السعودي في الجنوب وفرض واقع جديد على الحدود الجنوبية لشبه الجزيرة العربية. وفيما يتعلق بإسرائيل، يشير التحليل إلى أن الخطر الحوثي سيظل قائمًا في الأجل القريب، نظرًا لأن حالة التشرذم في اليمن تسهّل ترسيخ سيطرتهم واستمرار حكمهم في الشمال. ومع ذلك، خلقت التطورات الأخيرة فرصة استراتيجية جديدة، تتمثل في ظهور كيان جنوبي أكثر استقرارًا، مدعوم من الإمارات، يسيطر على ميناء عدن القريب من باب المندب، مما يحد من النفوذ الإيراني في منطقة بحرية حيوية لإسرائيل. ويدعم هذا التوجه ما أشار إليه عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، حول إمكانية انضمام جنوب اليمن مستقبلًا إلى اتفاقيات أبراهام. أهمية حضرموت بالنسبة للسعودية التقرير يكشف عن أهمية حضرموت بالنسبة للسعودية، ويشدد على أن حضرموت تمثل، بالنسبة للسعودية، خطًا أحمر وأحد أعمدة أمنها القومي، وهو ما يجعل أي مشروع انفصالي لا يسيطر فعليًا على حضرموت مشروعًا ناقصًا وغير قابل للحياة. فالمحافظة، بوصفها الأكبر مساحة في اليمن، تشكل العمق الجيوسياسي للحدود الجنوبيةالشرقية للمملكة، واستقرارها يمثل عاملًا حاسمًا في حماية الحدود من التهديدات الأمنية، ومنع تسلل الجماعات المسلحة وتهريب السلاح والمخدرات، فضلًا عن قطع الطريق أمام أي نفوذ إقليمي معاد قد يستخدمها كورقة ضغط على الرياض. ويضيف التقرير أن أهمية حضرموت في الحسابات السعودية لا تتوقف عند بعدها الأمني، بل تتجاوز ذلك إلى بعدها الاستراتيجي الأوسع داخل معادلة اليمن والمنطقة، فالمحافظة تتمتع بتركيبة اجتماعية وقبلية أقل حدة في الانقسامات مقارنة بمناطق يمنية أخرى، إلى جانب امتلاكها ثروات نفطية وغازية وموانئ حيوية مطلة على بحر العرب، ما يجعلها ركيزة أساسية لأي مشروع استقرار اقتصادي وأمني طويل الأمد في اليمن. ومن هذا المنطلق، ترى السعودية أن الحفاظ على حضرموت ضمن إطار الدولة اليمنية الموحدة، ومنع تحولها إلى ساحة نفوذ لقوى انفصالية أو إقليمية منافسة، شرط أساسي لإنجاح أي تسوية سياسية شاملة، ولضمان ألا يتحول شرق اليمن إلى مصدر تهديد دائم لأمن المملكة واستقرارها.