منذ أن تعرفت علي مريم حسن منذ عدة سنوات، واسمها يرتبط في مخيلتي بنوع مختلف من الفوتوغرافيا، فأعمالها في العادة ليست ثنائية الأبعاد كما هو معروف في المسطحات الفوتوغرافية، فهناك دائما بعد ثالث غير ملموس لأعمالها يجذبك لما وراء المسطح الساكن لعالم خفي تمتلك مفاتيحه عبر غوصها المتأمل في أعماقها النفسية ورؤيتها الفلسفية للحياة . وتستخدم مريم الفوتوغرافيا لإيجاد تفسير للعالم المحيط بها، وكذا لاستكشاف جوانب من ذاتها ومن الحياة في أشكالها المجردة، فتنتقل من خلالها إلي بعد مغاير تماما من أبعاد الواقع، وتستطيع فهم المعاني الخفية من الوجود والحياة.. وعبر عدد من المعارض المتميزة كانت مريم تفاجئ جمهورها بفكرة غير مكررة تتحدي فيها ذاتها عبر تجربة جديدة مختلفة في المفهوم وكذا في الشكل الفني لتنفي نفيا قاطعا تهمة عجز الفوتوغرافيا عن كسر الأنماط التقليدية المرتبطة بتسجيل الواقع . في معرضها الأخير الذي استضافه مؤخرا جاليري بالتيسكا بمدينة اوستكا في بولندا تحت عنوان "جموع مرتبكة" .. تستوحي مريم فكرة معرضها من نظرية ترجع إلي أوائل القرن العشرين تعرف باسم" القطيع المرتبك" تتناول فكرة التأثير علي الشعوب وتقول بأن الشعوب تسير في مجموعات يسهل السيطرة عليهم من خلال التحكم في رغباتهم الكامنة وتوجيه دوافعهم. وحين ينقسم البشر لفرق، كل فرقة تكرر نفس الأفكار والأداء كالقطيع .. دون رؤية أو تفكير .. تصبح كل مجموعة ملتصقة بمساحتها الخاصة.. وتبدو كنمط متكرر في مساحة ضيقة، لا تري المجموعة الأخري ولا تسمعها.. حينها قد تبدو الجموع في صورتها الكلية متوازنة .. متناغمة متجانسة .. وعند النظر لتفاصيل الصورة ، تري فقط .. جموعا مرتبكة.. تقول مريم: لقد واتتني فكرة المعرض بعد الثورة في أواخر 2011 وبدأت العمل عليها منذ ذلك الحين إلا أن الفكرة ظلت تتبلور وتتغير عبر ثلاث سنوات لتبدأ بشكل وتنتهي بشكل مغاير، وقد ربطت مريم بين مستويين في أعمالها: الأول عكس حالة التمزق التي أصابت مجتمعنا بعد الثورة، والثاني إنساني فلسفي مرتبط بالمجتمعات الإنسانية ككل وحركة الجموع في تلك المجتمعات. وتضيف مريم: إننا نعيش في جزر منفصلة، حيث تتبني كل مجموعة وجهة نظر أو نمط حياة محدداً، وتكرر نفسها بداخل ذلك النمط دون أن يحاول أحدهم كسر دائرته والاقتراب من الدوائر الآخري أو التماس معها.. وتقع الجموع تحت تأثير يسيطر عليها لتدور في نفس الدوائر .. وقد تكون تلك الدوائر الخرافة أو الجهل أو الفقر أو القمع أو غير ذلك. وقد قدمت مريم من خلال المعرض الذي أقامته في بولندا عشر صور مطبوعة من أصل حوالي 40 صورة، كما تم عرض فيديو تضمن معظم الأعمال الأخري . وعن تقبل الجمهور البولندي للمعرض تقول مريم: الجمهور في الخارج لديه شغف بالمعرفة ، ولذا تختلف أسئلتهم عن الأسئلة التقليدية التي أسمعها من الجمهور في مصر والتي تدور في الغالب عن وقت تنفيذ العمل وطريقة تنفيذه ، أما هناك فهم يهتمون بالمفهوم ويربطون بينه وبين طريقة التعبير، وقد جذبت فكرة التكرار انتباههم وكيف تبدو اللوحات من علي بعد أشبه بالموزاييك، ولكن حال الاقتراب تكشف التفاصيل عن محتوي مأساوي ، ولعل هذا التناقض هو أكثر ما لفت انتباههم. كما أن الأجانب مهتمون للغاية بربط الدين والسياسة بالمجتمع، ولذا ربطوا اللوحات بالثورة وحال الناس بعدها، وقتها انتبهت أن وقع الأعمال عليهم اختلف عن المصريين فكل من شاهد تلك المجموعة من مصر شعر بمعاناة الإنسان دون ربطها بالسياسة، أما الأجانب ربطوها بحالة التمزق اللي أصابتنا بعد الثورة ، وأدركت أن وجودنا داخل المشكل يجعلنا ننظر للأمور بشكل مغاير عمن هو خارجها. وقد تمت دعوة الفنانة لعمل ورشة عمل في التصوير للشباب البولندي قبل المعرض حول كيفية صناعة صور فنية من أشيائك القديمة ..وكذلك أسس تصميم..وقد استهدفت الورشة المبتدئين وحققت نجاحا مبهرا. جدير بالذكر أن مريم حاصلة علي بكالوريوس الفنون التطبيقية قسم الفوتوغرافيا والسينما والتليفزيون جامعة 6 أكتوبر، وهي تعمل بوظيفة مدرس مساعد بنفس الجامعة، وكانت قد أقامت عددا من المعارض الفردية منها أسرار المدن بالمركز الثقافي الفرنسي بالأسكندرية، ومعرض "أفكار عشوائية" ومعرض " حالات إنسانية "بمركز الجزيرة للفنون.