تحول مجمع الجزيرة للفنون بالقاهرة إلى ملتقى ثقافي لأربعة فنانين معاصرين في معارض فوتوغرافيا، حملت أفكارا متنوعة لكنها نابضة بالحياة . لوحه من العمال الفنان د: سمير سعد الدين افتتح المعارض الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية ، حيث جاءت الأعمال بعدسة كل من د. سمير سعد الدين بقاعة راغب عياد, والفنان المكسيكي الفريدو دى ستيفانو بقاعة أحمد صبري, والفنان أحمد فتيح بقاعة الحسين فوزي, والفنانة مريم حسن بقاعة كمال خليفة, حضر حفل الافتتاح د . مصطفى الرزاز, والفنان محمد رزق مدير مركز الجزيرة للفنون, وأعضاء من السفارة المكسيكية, ونخبة من الصحفيين والمتذوقين . محيط رهام محمود : أشياء مهملة نبدأ جولتنا من الجزيرة بالحديث عن معرض الفنان سمير سعد الدين وهو فنان مصري عاشق للتصوير الفوتوغرافي, ظهرت موهبته منذ الصغر, وبدأ إقامة معارضة من السبعينات . يضم المعرض نحو 42 لوحة, وتعتبر تجربة الفنان في هذا المعرض هي امتداد لأسلوبه واتجاهه الذي وصل إليه في الصورة الفوتوغرافية وهو أن البطل في جميع أعماله طائفة الإضاءة العالية والتشكيل هو الأساس, والإنسان جزء من الكل, أما الموضوع في اعماله لا يشكل أهمية كبيرة فالتشكيل الضوئي بتكامله الحسي والعضوي هو الأساس في الصورة الفوتوغرافية لدى الفنان . موضوعاته متنوعة حيث عبر الفنان عن أشياء مهملة وبسيطة كالشبشب, وحبل ومشبك الغسيل, والمقشة, وعربة البرسيم, والإنتقال إلى الأماكن الثرية والأسواق العامرة بالبشر, كان الضوء هو البطل الرئيسي في هذه اللوحات حيث أنه البلته الأساسية للموضوع, يقول الفنان أن الكاميرا لها ضوءا ساحرا, فحين يتم وضع الشيء داخل إطار الصورة فإنه يتحول إلى موضوع بالغ الثراء, ويختلف المضمون والإحساس لدى المشاهد مهما بلغت تفاهة الموضوع المصاغ . سمير سعد الدين رئيس قسم التصوير بالمعهد العالي للسنيما, وعضو بالمجلس القومي للثقافة والفنون والاعلام, اشترك في عدد كبير من المعارض الجماعية داخل مصر وخارجها, كما أقيم الكثير من المعارض الخاصة, وفي تلك المعارض لا يتعامل إلا مع الفوتوغرافيا, ولا يؤمن سوى بالتصوير المباشر داخل الكاميرا, فهو لا يستخدم أي تأثيرات رقمية أو بصرية, فالفنان يرى أن الكون حين نتأملة سوف نجد منبعا لا ينتهي من الإبداع, ويقول حيث أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذا الكون والنور والشمس, فهو الفنان الأعظم وما نحن إلا مستكشفون لعظمة هذا الخلق من خلال الرؤية الفنية التي حبانا بها الله . فالفنان لديه عين متأملة, مترقبة أحساسة العميق بالأشياء الذي يدفعه إلي التقاط الصور واكتشافه مواطن الجمال بها من خلال الضوء المسلط عليها, فيصور جميع هذه الأعمال بلقطة واحدة "بدون أي تعديل أوتغيير في الصورة أي كما هي بحالتها الأولى", فالفنان يسجل لقطات سريعة بالصدفة في حالات معينة, فقد صرح بأنه يقوم بتصوير فلم أو فلمين خلال السنة, ويستغرق ساعتان فقد في التصوير, وذلك لأن التصوير بالنسبة له عملية حسية بحتة يتم إدراكها في مراحل تالية حين يضع الصورة أمامة, يشعر وقتها لماذا قام بتصوير الموضوع في تلك اللحظة بالذات, وتلك المدركات لو تعامل معها في لحظة الأدراك الفني لضاعت منه تلك التجربة الفنية المتوحدة مع ما حوله, فهو ينتظر دائما اللقطة الواحدة التي يحددها بسرعة فائقة, فهو مختلف عن باقي الفنانين الفوتوغرافيين من حيث أختيارهم أفضل اللقطات, أو إضافة بعض التقنيات الحديثة إلى الصورة, لتعطية النتيجة التي يريدها, او التقاط المنظر أكثر من مرة, وقد تميزت أعمال الفنان بالتباين بين الضوء الساطع والمعتم في نفس الوقت داخل لوحة واحدة . يصور الفنان مشاهد للحياة اليومية, حيث عبر في بعض لوحاته عن السوق والأماكن الشعبية, وفي لوحات أخرى مشاهد للبحر ينكسر فيها الضوء على المياة, ووجدت لوحات بالمعرض تمثل التصوير الميكروسكوبي فقد ركز الفنان في لوحة على شبشب وسلطت الإضاءة عليه بزاوية خاصة, وكانت اللوحة بحجم كبير, فتبين من خلال موضوعاته المتنوعة قدرته على إظهار جماليات التصوير الضوئي بعيدا عن مضمون اللوحة. يقول اللواء حسنين محمد حسنين نائب رئيس المخابرات المصرية سابقا, والعضو المنتدب لشركة وادي النيل للمقاولات, أثناء زيارته للمعرض: أنه يشعر بعمق الأصالة وجمال الفن والإحساس, ومدى إستخدام الفنان لأدواته الفنية التي يغوص بها في أعماق الطبيعة, والذي استطاع الجمع بين اختلاف الألوان واختلاف الإضاءة بين الفاتح والغامق, مع وضوح الرؤيا والإحساس وتلقائية الطبيعة العشوائية, لتشعرنا في كل جزء من اعماله قدرة الخالق سبحانه وتعالى على تكوين هذه اللوحات الفنية . صحاري دي ستيفانو
ثم ننتقل لمعرض الفنان المكسيكي الفريدو دي ستيفانو, الذي أعتمدت فكرة معرضه على علاقته الحميمة بالصحاري, ومن المعروف أن المكسيك بها مساحات شاسعة منها, من أعمال الفريدو فعبر الفنان في خلفيات لوحاته عن الأوقات المختلفة أثناء اليوم من فجر وشروق وغروب وليل, وفي مقدمة الصورة اعتمد على إضافات غير تقليدية لإظهارها. فمن بين أعماله قام بوضع مجموعة كبيرة من المصابيح "بطاريات" على الرمال, مع ضوء الشروق الهافت في الخلفية, فتبدو المصابيح كخطوط مضيئة على الأرض, ونفذ تشكيلات إضافية على الرمال, جعلت أعماله أكثر ثراءا. وفي لوحة أخرى للفنان اعتمدت الخلفية على السحاب, كما وضع على المساحة الأمامية للصورة والمكونة من الرمال حيوان محنط في صورة غزال صغير سمي بالمكسيكي البمبي فأوجد الفنان علاقة حميمة بين الصحراء و التكوينات اللونية التي أنشأتها السماء, مع الشكل الغريب "الغزال المحنط" والذي وضع في وسط اللوحة. كما أن الفنان في عمل آخر وضع على الرمال خط إضاءة في شكل حبل متصل, وبتحريك مصدر الإضاءة ترك فتحة الكاميرا لتلتقط التغيرات المختلفة التي أعطت أشكالا فنية وحققت التشكيل في الفراغ. وفي لوحة أنشأ تكوينا على الرمال من قطع صماء بيضاء اللون بينهما مسافات, لإظهار شكل جمالي يربط بين القطع البيضاء المماثلة في لونها للسحب التي تعلوها, كأن السحب إنعكست وتناثرت على الأرض. وقد التقط الفنان صورا لتكوينات رملية أنشأتها الطبيعة من عوامل الجو, والتي أبدعها الخالق سبحانه وتعالى, وفي صورة أخرى ظهر الضوء كأنه كتلة من النار تخرج من بئر عميق وينعكس لهيبها في جزء من السماء. يقول الدكتور يوسف مظهر وكيل أول وزارة الصناعة, وعضو المجلس المصري للعلاقات الخارجية.... أن هذا المعرض غير عادي, فقد ابتعد عن أساسيات التصوير العادية وجمع بين الطبيعة "الصحاري" وإضافات جديدة ضوئية لصور جمالية بشكل غير معتاد, وأضاف أن الجمهور المصري تقبل هذا الأسلوب نظرا لحداثته. ولد الفنان بمدينة مونكلوفا, كواويلا, بالمكسيك, درس علم الإجتماع في جامعة اوتونوما بكواويلا من عام 1982, وشارك في أكثر من 80 معرضا فرديا وجماعيا بالمكسيك والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وأوروبا وأسيا. حالات إنسانية أما عن المعرض الثالث وهو للفنانة مريم حسن وهي تعمل معيدة بكلية الفنون التطبيقية قسم الفوتوغرافيا والسنيما والتليفزيون, بجامعة 6أكتوبر, اشتركت في عدد كبير من المعارض الجماعية, كما أنها حصلت على عدد من الجوائز. من أعمال الفنانة مريم حسن يضم المعرض ثمانية مجموعات من اللوحات الفوتوغرافية, وأختلف عدد لوحات كل مجموعة, حيث لا يقل عدد اللوحات عن أربعة في كل مجموعة. وكانت الفكرة الأساسية للمعرض هي الحالات الإنسانية, حيث اختارت الفنانة لكل مجموعة صورة واحدة, ونوعت في حركة هذه الصورة لكي تصل للمتلقي فكرة معينة من خلال التكنيك نفسه وطريقة العرض. أدخلت الفنانة مريم في لوحاتها الفوتوغرافية بعض المعالجات البسيطة بالكمبيوتر لإبراز فكرتها, كما أنها لم تضع عنوانا معينا لمعرضها لأنها لا تريد تحجيم تفكير المتلقي, فهي تتركه يرى أعمالها بمفهومه الخاص بغض النظر عن رؤيتها. ففي مجموعة الكفوف, عرضت الفنانة عددا كبيرا من اللوحات تصور كل لوحة حركة مختلفة لشكل الكف, تعبر من خلالها عن حالة الجسد, ففي لوحة تعطي إحساسا بالغضب وأخرى بالحزن وأخرى بالتواصل وغيرها لا تواصل, وفي قبضة كف آخر أعطت الإحساس بالقوة. وفي مجموعة أخرى مكونة من أربعة لوحات أبيض وأسود, وهي تصور أمرأة قي كل لوحة تتسلل من حالة السكون إلى الحركة, سواءا في درجة اللون أو وضع الجسم, فقد اختلفت الفنانة في هذه المجموعة عن سائر الفنانين الفوتوغرافيين, حيث انها غيرت في إطار بعض اللوحات, ووضعها, فنرى لوحة منفصلة عن المجموعة في زاوية بمفردها, وقد ساعد هذا التغيير في أبراز فكرة العمل للمتلقي. عرض مسرحي ملهم ثوفي آخر الجولة ننتقل لمعرض الفنان أحمد فتيح وهو يعمل معيد بقس الجرافيك وفنون الأعلام بالمعهد العالي للفنون التطبيقية, بدأ حب التصوير الفوتوغرافي منذ الصغر, أشترك في العديد من المعارض الجماعية, من أعمال أحمد فتيح كما حصل على ثلاث جوائز, وهذا المعرض هو أول معرض خاص يقام له. عبر الفنان عن رؤيته الخاصة للتصوير الفوتوغرافي من خلال هذا المعرض, الذي يضم نحو ستة عشرة عملا, جميعها تصور حركة الأشخاص. أختلف هذا المعرض عن الثلاث معارض السابقة حيث أن الفنان لا يظهر اللقطة كما هي بشكلها الطبيعي بل يجعلها تظهر كأنها لوحة تشكيلية, ففي لوحاته عن الأشخاص جعل ملامحهم تضيع مع التأثير الحركي المدروس لهذه الأشخاص, والإضاءة التي لعب بها بدقة عالية, فالفنان قوي التعبير, لديه إحساس عالي بالفورم, وأتضح ذلك من خلال تشكيله بالفوتوغرافيا. يقول الفنان أن هذا المعرض جاءت فكرته عندما شاهد عرض مسرحي في المسرح التجريبي السابق, حيث أعجب بالإضاءة وتكوين الأشخاص, فتحركت داخلة شحنة كبير دفعته إلى التقاط هذه الصور, وعرضها على المتلقي برؤيته الخاصة, حيث أراد الفنان أن يدخل في اتجاه خاص به. اجتمع رأي النقاد على أن الفنان أخذ أتجاها جديدا وخاصا به, وأستطاع أن يصل للمتلقي عن طريق التأثير الحركي المحسوس والمدروس في الصور, فقد قال الفنان محسن شعلان: أنني أحسست شيئا بداخلي تجاة أعمال الفنان فتيح, وهذا ينم على ذكائه وموهبته, كما قال د.مصطفى الرزاز: رؤيتك درامية للمسرح فيها خصوصية جميلة وتعبير قوي, وقال د. رمسيس مرزوق: اشكرك على هذا المعرض المبشر بالجندي الذي يحمل صورة جديدة, ومفهوم جديد للفوتوغرافيا. ويقول الناقد نهاد بهجت في زيارته لهذا المعرض: عين تكشف كل ما فالواقع عن جنون وعصبية وسحر الواقع الذي نخشاه وفي نفس الوقت نلتصق به.