تخفيض درجات القبول بالثانوي العام إلى 235 درجة وتخفيض الخدمات إلى 220 درجة فى الدقهلية    4374 فُرصة عمل جديدة في 12 محافظة بحد أدنى 7 آلاف جنيه    «الرقابة على الصادرات»: تقليص زمن الإفراج الجمركي إلى يومين بنهاية 2025 (فيديو)    رئيس هيئة الرقابة على الصادرات: تقليص زمن الإفراج الجمركي إلى يومين بنهاية 2025    متابعة ميدانية لسير العمل في المدفن الصحي الهندسي بقلابشو بالدقهلية    جهاز الاتصالات: إيقاف الهواتف التي تجري المكالمات التسويقية الإزعاجية بداية من الأسبوع المقبل    أستاذ دراسات إسرائيلية: الانقسام الداخلي يضعف موقف نتنياهو في ملف غزة (فيديو)    عائلات المحتجزين الإسرائيليين: نتنياهو يكذب ويضع شروطًا غير قابلة للتنفيذ لإفشال الصفقة    القنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد وأوساسونا مباشر اليوم في الدوري الإسباني    فابريزيو رومانو يكشف موقف مانشستر سيتي من رحيل نجم الفريق    بعد اعتذار الجونة.. إعادة قرعة الدوري المصري للكرة النسائية (مستند)    مصرع 3 وإصابة 7 في حادث تصادم بالأوتوستراد (صور)    موجة حارة.. حالة الطقس غدًا الأربعاء 20 أغسطس في المنيا ومحافظات الصعيد    بعد سرقة دراجته النارية.. إصابة شاب بطلق ناري على يد مجهولين بقنا    كان بيعدي السكة.. وفاة شخص دهسا تحت عجلات القطار في أسيوط    بخصم 25%.. «القومي للترجمة» يشارك في معرض السويس الثالث للكتاب    عمرو يوسف يحتفل بالعرض الخاص لفيلم "درويش" في السعودية    حقيقة إحالة بدرية طلبة للمحاكمة الاقتصادية.. محاميها يكشف التفاصيل    تكليفات بتوفير أصناف العلاج المختلفة بصيدلية مركز طب أسرة صحة أول بأسوان    لأول مرة «بإهناسيا التخصصى».. استئصال ورم كبير متضخم بالغدة الدرقية لمسنة تعاني صعوبة التنفس    نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد الأقصى    محمد مطيع رئيسًا للاتحاد الإفريقي للسومو ونائبًا للدولي    ميلان يخسر خدمات رافاييل لياو في الجولة الأولى للدوري الإيطالي    وزير الخارجية: الكرة الآن أصبحت في ملعب إسرائيل لوقف إطلاق النار    مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير يفتح باب المشاركة في دورته ال12    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندى يجيب    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    محافظ سوهاج يعتمد تعديل المخطط التفصيلي لمركز ومدينة سوهاج    محافظ الأقصر يلتقي وفد أهالي المدامود ويعلن زيارة ميدانية عاجلة للقرية    مصادر طبية: 40 شهيدًا بنيران الاحتلال في مناطق عدة منذ فجر اليوم    «التعليم العالي»: إعلان القائمة المبدئية للمرشحين لمنصب رؤساء 5 جامعات أهلية    "رقص ولحظات رومانسية"..منى زكي وأحمد حلمي في حفل عمرو دياب في الساحل الشمالي    أول تعليق من أشرف زكي بعد تعرض ألفت عمر للسرقة في باريس    "فاليو" تنجح في إتمام الإصدار السابع عشر لسندات توريق بقيمة 460.7 مليون جنيه    بالصور- وزير العدل يفتتح مبنى محكمة الأسرة بكفر الدوار    من هم أبعد الناس عن ربنا؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    بي بي سي ترصد طوابير شاحنات المساعدات عند معبر رفح بانتظار دخول غزة    صور.. النقل تحذر من هذه السلوكيات في المترو والقطار الخفيف LRT    بالصور- افتتاح مقر التأمين الصحي بواحة بلاط في الوادي الجديد    «الوعي»: التحرك المصري القطري يُعيد توجيه مسار الأحداث في غزة ويعرقل أهداف الاحتلال    وزير التعليم يوقّع برتوكول تعاون جديد لتنفيذ حزمة تدريبات لمعلمي الرياضيات بالمرحلة الإعدادية    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة سرقة طالب بالإكراه ل23 سبتمبر    مدير أوقاف الإسكندرية يترأس لجان اختبارات القبول بمركز إعداد المحفظين    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    استعدادًا للعام الجديد.. 7 توجيهات عاجلة لقيادات التربية والتعليم بالدقهلية    علي الحجار يحيي حفل الخميس ب مهرجان القلعة 2025 (تفاصيل)    تقديم الخدمات الطبية المجانية ل263 مريضاً بمحافظة كفر الشيخ    فنان شهير يفجر مفاجأة عن السبب الرئيسي وراء وفاة تيمور تيمور    "الموعد والقناة الناقلة".. النصر يصطدم بالاتحاد في نصف نهائي السوبر السعودي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    الداخلية تؤسس مركز نموذجي للأحوال المدنية فى «ميفيدا» بالقاهرة الجديدة    وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني: الاقتصاد المصري يحتل أهمية خاصة للاستثمارات    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    عماد النحاس يكشف موقف الشناوي من مشاركة شوبير أساسيا    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    «ثغرة» بيراميدز تغازل المصري البورسعيدي.. كيف يستغلها الكوكي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسواق الخليج إلي التمويل الغربي خيارات الفنان المعاصر
الفنان يبحث عن موقعة الإجتماعي
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 02 - 2015

تتنوع الممارسات الفنية الآن بين لوحة الحامل بموادها المختلفة وأشكال من الوسائط المتنوعة تبدأ من "الفيديو آرت" وحتي الأعمال المجهزة التي تشمل أكثر من عمل في فراغ واحد. وفي إطار التحولات الاقتصادية التي يشهدها سوق الفن في مصر والدول العربية نتيجة للاستثمارات الخليجية في سوق الفن. يصبح خريجي كليات الفنون الجميلة وغيرهم من الفنانين أمام خيارات وقواعد جديدة تتشكل في السوق وتؤثر بالتالي علي وضع الفنان ومساراته الفنية.
توفيت أخت هاني راشد وهي رضيعة بين يديه، مازال بعد كل هذه السنوات يتذكر اللحظة قائلاً: "فجأة بالت عليّ وتحول لون وجهها للون الأزرق، كنت في السادسة عشرة من العمر ووالدي في المستشفي مصاباً بذبحة صدرية، أخذت أجري في الشوارع وأنا أصرخ في الناس طلباً للنجدة".
وجد راشد نفسه مضطراً للقيام بكل طقوس الكبار ودفن أخته الصغيرة التي ارتبط بها بشدة، وولدت تعاني من مشاكل تنفسية. أثناء مراسم التكفين والدفن قص راشد خصلة شعر صغيرة من شعر أخته، وقرر الاحتفاظ بالخصلة معه في المحفظة. بعد هذه الحادثة القاسية خرج الأب من المستشفي بينما أصيب هاني باكتئاب حاد، كان يحلم بكابوس متكرر حيث يجري في الشارع طالباً النجدة من الآخرين، لكن لا أحد يسمعه، لا أحد يراه، لا أحد يساعده. أغلق باب غرفته علي نفسه ورفض الحديث أو التعامل مع أحد. أصدقاء الأب نصحوه بإيجاد عمل لهاني. ظناً منهم أنه إذا خرج للعمل فسيضطر للتعامل مع الناس والاحتكاك بهم، وبالتالي الخروج من أحزانه.
الأب الذي كان موظفاً في"ماسبيرو" نجح في إلحاق ابنه في العمل في ذات الوظيفة. ماسبيرو حيث مقر الإذاعة والتلفزيون واحد من أعقد أجهزة الدولة البيروقراطية وجد هاني نفسه في قاع السلم الوظيفي في مبني عملاق يعمل فيه أكثر من أربعين ألف موظف.
ينتظم الأربعون ألف موظف في سلم وظيفي هرمي يعكس التراتبية الطبقية داخل النظام الاجتماعي المصري، فهناك المصورون وهم من حملة المؤهلات العليا، ثم مساعد المصور، ثم الفني، فمساعد الفني وهم من حملة شهادات الدبلوم، والعامل وهو من لا يحمل أي شهادة. ولأن هاني بدأ عمله في التلفزيون أثناء دراسته الالكترونيات في الثانوي الصناعي فقد بدأ عمله في التلفزيون كعامل. لكن في الوقت ذاته لازمه الصمت الطويل وعدم القدرة علي التفاعل مع الآخرين. داخل استديوهات التلفزيون كان يجد عشرات الأوراق الملقاة في الاستديو، وبين فواصل ساعات العمل الطويلة بدأ هاني في الرسم علي الورق الذي يجده. المصورون العاملون في التلفزيون معظمهم خريجو كلية فنون تطبيقية لاحظوا رسومات هاني وبدأوا في تشجيعه.
سامية الأتربي المذيعة في التلفزيون المصري وقتها والمتخصصة في البرامج الثقافية كانت أحد المعجبين برسومات هاني، وفي إحدي حلقات برنامجها الثقافي استضافت الفنان محمد عبلة وعرضت عليه رسومات هاني. أعجب عبلة بالرسومات وكتب رقم تليفونه علي جانب أحد الرسومات كرسالة مفتوحة لهاني للتواصل معه.
ذهب هاني لزيارة عبلة، وحكي له حكايته مع وفاة أخته الصغيرة، واختياره الرسم كوسيلة لتعويض الفقد والخروج من حزنه. عبلة كان رأيه أن رسوماته جيدة وتستحق أن يقام لها معرض لكنه أخبره أن لديه حالة فنية قد تصنع معرضا جيدا لكن ليس شرطاً أن تصنع فنانا جيدا.
في 1995 بدعم من محمد عبلة استضاف أتيليه القاهرة المعرض الفردي الأول لهاني راشد، كانت سعادته بالغة بأن لديه دعوة وورقة مكتوب فيها اسمه يسبقه لقب الفنان. وجد العاملين في الأتيليه قد وضعوا أسعاراً علي أعماله دون استشارته لكن رغم ذلك لم يبع ولا لوحة من لوحاته. لحظتها شعر هاني راشد بأن الأمر لعبة بلا معني، فما الجدوي بأن يكون فناناً دون أن يبيع لوحات. مزق أسعار اللوحات التي وضعها العاملون في الاتيليه وذهب ليخبر عبلة بأنه يشعر بأنه نصاب، فهو يرسم ويقيم المعارض دون أن يبيع أعمالاً بالتالي فهو ليس فنانا. حاول عبلة إقناعه بأن المسألة ليست هكذا، وأن للفن مسارات مختلفة، والسوق والبيع عالم بقواعد أخري لا يمكنه أن يدخلها إلا عبر البحث عن أسلوبه الخاصة وتجربة فنية يمكنها أن تدخله السوق بهوية متفردة خاصة به.
درس عمرو الكفراوي الفن في كلية الفنون الجميلة لمدة أربع سنوات، وتخرج ليحصل بسهولة علي عضوية نقابة الفنانين التشكيليين. في الأوراق الرسمية والمسجلة لدي الدولة هو فنان بما أنه يحمل عضوية النقابة. احتاج الكفراوي لسنوات حتي يعثر علي أسلوبه الخاص، عمل لفترة بشكل مجاني مع الفنان عبد الهادي الوشاحي. لكن في مساره الفني اختار الكفراوي مجال تصميم المطبوعات والأغلفة كوسيلة لتحقيق قدر من الاستقلال المادي يمكنه من توفير نفقات الحياة والانفاق علي الفن.
خاض الكفراوي طريقا طويلا اعتمد فيه علي المشاهدة، السفر، الاطلاع في رحلة بحث عن أسلوبه الخاص بعيداً عن الدراسة الأكاديمية.
و داخل أروقة قطاع الفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة يستخدم الموظفون والاداريون لقب "دكتور" حينما ينادون أو يتعاملون مع أي فنان. لم يحصل عمرو الكفراوي علي درجة الدكتوراه. لكنه يقول إنه حينما يرد علي الهاتف ويجد المتحدث يخاطبه قائلاً يا دكتور فهو يعلم أن الاتصال من وزارة الثقافة.
في الستينيات أعلن عبد الناصر أن الفن "سلاح في المعركة". وبالتالي جرت سلسلة طويلة من العمليات لدمج الفنان في النظام الاجتماعي الجديد، نتاج هذه العمليات أن نقابة الفنانين التشكيليين علي سبيل المثال لا تمنح عضويتها لأي شخص لا يحمل مؤهلاً أكاديمياً. وبالتالي فالدولة حينما تقيم الفنانين تقوم بذلك علي أساس درجاتهم العلمية التي يحصلون عليها من الدراسة داخل مؤسسات الدولة التي تم انشاؤها لهذا الغرض. بالتالي فهاني راشد حتي بعد ثورة من المستحيل أن يحصل علي عضوية نقابة الفنانين التشكيليين، لأنه ببساطة خارج التصنيف الاجتماعي المعترف به من قبل الدولة للفنان. ولأنه لا يحمل من الشهادات سوي شهادة الدبلوم الفني، وحتي حينما كان يعمل في ماسبيرو كان يعمل كعامل بشهادة الإعدادية.
ربما لهذا يكون السبيل لتحقيق الذات، ولكي يجد الفنان موقعاً اجتماعياً له اختياران إما أن يستطيع انتزاع شرعية الاعتراف اجتماعياً من خلال الدراسة، أو من خلال السوق.
قضي راشد سنوات طويلة حياته تنقسم بين العمل في ماسبيرو، التدريب في استديو عبلة، تعليق اللوحات وتنظيف جاليري مشربية، وأخيراً بضع ساعات للرسم. إلي أن كان عائداً ذات يوم سكران فقام بإفراغ محفظته علي السلم. استطاع في اليوم التالي العثور علي كل ما فقده ما عدا خصلة شعر أخته التي كان يحتفظ بها. توقف عن الرسم وشعر أنه فقد تيمة حظه. لكن أثناء زيارة أسرية للعائلة في الريف التقي بعجوز ذي لحية بيضاء وحكي له الحدوتة، العجوز فسر حكايته قائلاً: "حينما ماتت أختك، تركت لك حظها في الدنيا، وخصلة الشعر هذه كانت تيمة الحظ، وقد فتحت لك الطريق للرسم والفن، الآن أختك أخذت الحظ مرة أخري منك، والاختيار أمامك إما تكمل الطريق الذي فتحته لك أختك، وإما أن تغلق هذا الباب".
عاد هاني للرسم بعد هذه الحادثة وفاز بجائزة صالون الشباب. وفي 2011 استضاف جاليري مشربية معرضه الفردي والذي في مفاجأة غير متوقعة تم بيع أكثر من نصف اللوحات والأعمال المعروض فيه. شعر هاني حينها بأنه قد ولج إلي عالم الفن، وانهالت العروض عليه بعد هذا المعرض لمعارض آخري ولعرض أعماله في مختلف أنحاء العالم.
الفنان والصدق
حصل هاني راشد علي إجازة من عمله كفني في التلفزيون عام 2008، وقدم استقالته بشكل نهائي من التلفزيون في 2010. تجربة عمله في ماسبيرو كانت موضوع واحد من معارضه والذي حمل عنوان "ماسبيرو". بالرغم من إصراره علي الفصل بين العالمين، لكن تتسلل المهن الأخري التي يقوم بها الفنان غالباً إلي عمله الفني، هذا إذا لم تكن السبب في قيادته نحو مسارات واختيارات فنية جديدة ومختلفة.
نظراً لضعف البنية التحتية لسوق الفن في مصر، يضطر الكثير من الفنانين عند تخرجهم للعمل في وظائف ذات علاقات هامشية بالممارسة الفنية. لدي الفنان المصري فلسفة شهيرة تقوم علي الفصل بين "النحت" و "الفن". حيث "النحت" هي الكلمة التي تستخدم للدلالة علي الأعمال الفنية التي يمارسها الفنان بغرض اكتساب دخل مادي، حتي يمكنه الادخار وصناعة مشروعه الفني.
بعض الفنانين يتمكن من تحقيق هذه المعادلة، والبعض الآخر ينشغل في مشاريع "النحت" وينسي الفن، أو يجد حلمه ومشروعه الفني يتبدد من خياله تحت ضغط الانشغال بالأعمال الآخري.
باسم يسري قصة أخري حيث تخرج من كلية فنون جميلة عام 2003، وبعد تخرجه عمل في شركة "مابكو" لتصميم الأزياء كمتخصص في التصميم وطباعة الملابس. قضي يسري في هذا العمل أكثر من سنتين اكتسب فيهما الكثير من المهارات العملية، أبرزها العمل مع الكمبيوتر وتقنيات الطباعة. بفضل هذا العمل
الفنومؤهلات باسم نجح في الحصول علي منحة ضمن برنامج "فولبرايت" الغرض من المنحه كان دورات دراسية متقدمة في الفن وتصميم الأزياء علي أن ينهي منحته التي لا تتجاوز بضعة شهور بمعرض يمزج فيه بين التصوير وتصميم الملابس.
انهي باسم منحته لكنه نجح في الحصول علي منحة آخري ليكمل دراسة الفنون في "Kala Art Institute" بكاليفورنيا. ورغم أن دراسة وعمل باسم يسري حتي هذه المرحلة كانت تنصب علي التصوير واللوحة، إلا أنه وجد نفسه شيئاً فشيئاً يزداد اهتمامه بالفيديو آرت، ثم يتحول ليصبح نظرة كلية لا تتعامل مع الفن بصفته لوحة محدودة الحدود والإطار بل عمل وحوار يقوم بالأساس مع المكان الذي يعرض فيه.
يرفض يسري أن يتحول لفنان سوق، يلبي احتياجات المقتنين. يري أن السوق يستهلك الفن ويبدد المعني الحقيقي للعمل، وبعد فترة يجعل الفنان يفقد "الصدق". وهو القيمة الأساسية في العمل الفني. يصف باسم عمله فائلاً: "أحاول تقديم أفكار وأشكال فنية تتحدي المتلقي والمتفرج، لا تضايقه لأني أري في هذا عدم احترام. لكن في الوقت ذاته تستفزه وتتحدي قيمه وتصوراته عن الجمال والفن. لذلك فأنا لا أقدم أعمالا فنية يسهل بيعها."
أعمال باسم يسري تحتوي علي تكرارات ويمثل التماثل والنسخ إحدي التيمات التي يلعب عليها، في معرضه الذي حمل عنوان "Homage to the Egyptian Revolution 1 Installa tion" والذي أقيم في جامعة "كنساس" صنع باسم عشرات التماثيل الصغيرة محاصرة داخل جدران الحجرة البيضاء برسومات جنود الأمن المركزي. لا يمكن بيع عمل من أعمال يسري كاملاً، لكنه قد يبيع تمثالاً من التماثيل المعروضة، وهذا في النهاية لن يؤثر علي العمل ككل.
يري يسري أن كل ما يقوم به هدفه أن يعيش كفنان، لكنه في الوقت ذاته لا يريد أن يكون فنان سوق. منذ عام 2011 توقف يسري عن العمل بشكل ثابت في أي شركة، يمارس من حين لآخر الترجمة كمصدر لزيادة الدخل، ويعتمد علي العروض التي تأتيه لإقامة المعارض الفنية داخل وخارج مصر.
صحيح أن يسري بطبيعة عمله وتوجهاته بعيد عن السوق التجاري، لكنه منتبه لكونه جزءاً من صناعة الفن المعاصر. حيث هناك متاحف ومساحة عرض هي التي تمول العمل في هذه الحالة لا الجاليرهات التجارية والمشتريون. ويعرف يسري أن لهذه الأماكن توجهات وضوابط أخري لكن المحك الأول بالنسبة له هو قدرته علي الحفاظ علي صدقه. يقول يسري: "ليس لدي أي مشكلة في عرض أعمالي في أي مكان، المحك الوحيد بالنسبة أن اتحكم في كل تفاصيل العرض وأن اتحكم في مدي صدق ما اقدمه".
الصدق أحد القيم النسبية المحيرة في عالم الفنون. يقبل باسم يسري العمل مع "قيم فني/ art curator" يري أنه أشبه بالمخرج يختار الفنانين ويوظف أعمالهم في عمل واحد كأنه يخرج فيلما سينمائيا أو عرضا فنيا. أما هاني راشد والمنغمس في قوانين السوق التجارية فلديه تجربة سيئة مع القيم الفني ومنسقي المعارض، ويري أن المشاركة في مثل هذا المعرض يمثل ضغطاً وانتهاكاً لاستقلاليته كفنان، ويذكره بأيام تلقي الأوامر في عمله في التلفزيون.
يعتبر راشد أن أسوأ تجاربه الفنية حينما دعي إلي أحد المعارض في ألمانيا وكانت التيمة الرئيسية هي العمل علي مفتاح الحياة الفرعوني، شعر راشد بالسأم وقرر بعدها عدم المشاركة في أي عمل من مثل هذه النوعية حفاظاً علي استقلاله وصدقه مع نفسه.
راشد لديه موقف من أماكن كجاليري التاون هاوس، وغيره من أماكن العرض التي لا تبيع الأعمال. والسبب ببساطة كما يقوله: "إذا
ان لم يبع أعماله من أين يفترض أن يعيش ويستمر في البقاء والإنتاج". وعلي عكس باسم يسري فهاني راشد يري أن الاستسلام لآليات التمويل الأجنبي ودعم المشاريع الفنية يجعل الفنان يفقد عنصر صدقه واستقلاليته، ويخلق منظومة إنتاجية بديلة عن السوق تحركها أفكار واهتمامات الآخر.
يتذكر عادل السيوي كيف انفجر الاهتمام الغربي بالفن المصري والعربي بعد أحداث 11 سبتمبر، وأقيمت عشرات العروض الفنية والمعارض في الخارج للتعريف وعرض الأعمال لفنانين مصريين، لكن ترافق هذا أيضاً مع إقامة معارض تحت عناوين ك"الآخر" أو "حوار الحضارات" وغيرها من العناوين والمواضيع التي تصدرت المشهد بفضل الأحداث السياسية التي تلت 11 سبتمبر.
السوق كمدرسة للفنان
بينما يمثل "السوق" مسألة حساسة لدي الفنانين الشباب، يعضهم يرغب في التعامل معه مع الحفاظ علي استقلاله، والبعض الآخر ينطلق لإنتاج أعمال فنية مناهضة لقواعده المتعارف عليها. فعادل السيوي الذي ينتمي إلي جيل أكبر يبدو أكثر ارتياحاً في تعامله مع مسألة السوق، الذي يصفه بالآلية ذات الشخصية المزدوجة، فهو الذي جعل العمل قابلاً للتقسيم والتوزيع. وهو الأمر الذي صنع الإنسانية بشكلها الحديث. السوق طبقاً لعادل السيوي هو الذي صنع لوحة الحامل. وفي جوهره فالسوق مسألة ثورية جداً.
درس عادل الفن في إيطاليا، وفي ميلانو لمح الجذور التاريخية للممارسة الفنية، وكيف صنع الفن مؤسساته طوال التاريخ للتعامل مع احتياجات السوق المختلفة. يحكي السيوي انه حتي الآن في ميلانو هناك "كومبانيات فنية" وهي مزيج من الشركات والنقابات التعاونية وكان هذا الشكل سائداً منذ قرون حيث يتعاقد المقتني مع هذه الشركات التي توفر له الفنانين ليقوموا بتنفيذ العمل الفني الذي يرغب فيه.
بشغف يحكي عادل السيوي عن الإحساس العالي بالذات لدي فنانون عصر التنوير مثل ليوناردو دافنشي، لكن كيف حتي هؤلاء كان يتم التنكيل بهم من قبل السوق. يتذكر السيوي لوحة العشاء الأخير (ca. 1492/941498) والتي طلبت من دافنشي لوضعها في الغرفة التي يتناول فيها القساوسة الطعام، وبعد سنوات قاموا بعمل باب جزء منه يشق اللوحة لكي يسهل عليهم عملية نقل الطعام من وإلي المطبخ.
يتعامل السيوي مع السوق بخفة، ويقظة أيضاً لتقلباته. يري السيوي أن التسويق أحد العناصر الأساسية في عملية تسويق الفن وبيعه، وعلي الفنان أن يكون يقظاً لهذه العملية وألا يرضخ بسهوله لمتطلبات التسويق والسوق وإلا سيجد فنه بعيداً عن نفسه، ومكرراً وبالتالي سيلفظه السوق.
يري السيوي أن علي الفنان ألا يغلق عينه عن حركة السوق وعن عروضه ومتغيراته. ذات مرة بعد أحد معارضه تلقي السيوي اتصالاً هاتفياً من سيدة أخبرته أنها ترغب في عمل من أعماله لكن لديها في مدخل البيت عمودان رئيسيان بعرض متر واحد وارتفاع ثلاثة أمتار، وانها ترغب في عملين بهذه القياسات. اعتذر السيوي عن قبول العرض وذلك بالرغم من أنه سبق له تنفيذ أعمال بالطلب كالجدارية الضخمة في بهو فندق سميراميس التي تحتوي علي أجزاء كثيرة من لوحاته في معرض نجوم زمنا.
بعد يومين جلس عادل يفكر كيف يمكن عمل لوحة بعرض متر وطول ثلاث أمتار، وكيف يمكن التعامل مع حيز الفراغ الطولي هذا. استهوته اللعبة فقرر تجريب الأمر، وبدت النتيجة مرضية له. أعاد الاتصال بالسيدة ليكتشف أنها زوجة المغني عمرو دياب والعمل مطلوب في منزله.
عمل السيوي في بداية حياته مع الفنان حسن سليمان، كان الأخير لديه فلسفة تلخصها عبارة "اشتغل كتير، بيع رخيص، تكسب كتير". وهي نفس العبارة التي يعتبرها هاني راشد قانونه الأول في التعامل مع السوق. لكن هاني يرفض العمل بتكليف أو إنجاز أعمال في أماكن محددة. في نظر هاني فالفنان إذا رضخ لكل طلبات السوق واعتباراته فسيجد نفسه خارج لعبة السوق.
"الفن موضة، وعلي الفنان أن يغير أن يتغير السوق، وإذا مشيت وراء ما يطلب منك فستكون دائماً متأخراً خطوة" يقول هاني راشد. لكن التجريب له خسائره أقام هاني معرضاً بعنوان "الشطة" استخدم فيه الكثير من الصور والتيمات الشعبية التي انتشرت بسبب الانترنت منها شخصية "أساحبي" الشهيرة. لم يعجب المعرض الكثير من مقتني الفنون، ولم يبع هاني من هذا المعرض، لكنه طور من التجربة لتخرج في شكل آخر وهو معرض "صنع في الصين" والذي رسم فيها علي قطع من البلاستيك يقوم بتعريضها للهواء الساخن بعد الانتهاء من الرسم فينكمش البلاستيك ليخرج اللوحات في شكل آخر.
كانت أسعار الأعمال المعروضة وقتها بسيطة تتراوح من ألفين وحتي ستة آلاف، لكن هاني يعترف أنه باع أعداداً معقولة من الأعمال في ذلك المعرض، وفي معرضه القديم يستعد للعمل علي نفس الوسيط (البلاستيك) لكن هذه المرة سيرفع قليلاً من الأسعار.
مسارات الفنان في مصر
يمكن تحديد المسارات المهنية للفنان في مصر بثلاثة مسارات رئيسية صنعتها الظروف السياسية والاقتصادية أمام من يختار طريق الفن، وممارسته كهوية بتعريفه داخل المجتمع ومهنة يمكن التعايش منها:
-مسار الدولة الرسمي: وهو مسار محدد الخطوات يبدأ بمدارس وكليات الدولة المخصصة لمهمة تعليم الفنون وصياغة مفهوم الهوية الفنية المصرية وكيفية الحفاظ عليها وتصويرها وعكسها. كان هذا هو المسار الوحيد المتاح أمام الفنانين في عهد الدولة الناصرية. فبعد التخرج يجري اختيار الفنانين الذين تتماشي توجهاتهم مع السياقات السياسية للدولة للعمل في مؤسسات الدولة الفنية والثقافية المختلفة.
استمر هذا المسار في الوجود علي الساحة حتي بعد تغيير سياسات الدولة المصرية من الاشتراكية وتوقفت عن استخدام الفن في التعبئة والحشد، تعتبر فترة ترأس فاروق حسني لوزارة الثقافة، إحدي الفترات الدالة علي القيم المهنية والفنية لهذا المسار. حيث دأب الكثير من الفنانين الذين ترأسوا مواقع قيادية في الوزارة في استغلال أماكن عرض الوزارة لعرض أعمالهم الشخصية. وهو ما يقول عنه عادل السيوي: "أمر معيب أن تكون وزيراً وتستغل الوزارة لتسويق عملك، وحينما يذهب هذا المسئول من الوزارة تجد أن شغله يختفي وقيمته تهبط في السوق".
-المسار الثاني: السوق التجاري: يري عادل السيوي أن هذا المسار بدأ في الظهور في السبعينيات مع سياسات الانفتاح في عهد السادات، وظهور الشركات الأجنبية والكيانات الاقتصادية الضخمة التي بدأت في الاهتمام بالفن. أما القفزة الثانية في رأي السيوي فكانت بعد 11 سبتمبر مع تغيير اهتمام الغرب بالمنطقة وتفجر الفضول لمعرفتها واستكشافها.
لكن نظراً لضعف البنية التحتية ولأن الجاليرهات في مصر كما يوضح عمرو الكفراوي تتعامل بمنطق أنها مساحات عرض فقط، فمسار السوق التجاري يحتاج من الفنان إلي صبر طويل حتي يتمكن من اختراقه، وعلي الأرجح سيحتاج إلي إيجاد بدائل آخري لعمله لكسب الرزق حتي يتمكن من وضع قدمه وترسيخ وجوده.
لنلاحظ هنا أنها علي العكس من الخارج، فجاليرهات قليلة هي التي تهتم بالتوقيع مع فنانين محددين وعرض أعمالهم وتسويقها، بحيث يستثمر الجاليري في الفنان وينمو عمل الجاليري مع تطور مسار الفنان. وقد بدأ هذا النمط في الظهور مؤخراً مع جاليري "جبيسوم" الذي تديره عاليا حمزة. لكن بخلاف ذلك فمعظم الجاليرهات كما يوضح كفراوي لا تهتم سوي بعرض أعمال الفنان دون حتي بذل أي جهد لتسويقها، ولذلك إذا لم يسع الفنان لتسويق عمله بنفسه فلن يمكنه تحقيق التقدم في هذا المسار.
-المسار الثالث: ظهر وترسخ في التسعينيات مع ظهور عدد من المؤسسات الفنية غير الهادفة للربح. وفي الغالب فالجزء الأكبر من تمويلها يأتي من أوربا. تهتم تلك المؤسسات بالفن المعاصر والمفاهيمي بشكل أساسي، ومسارها الانتاجي يبدأ بتقديم الفنان "العرض التقديمي" وهو مقترح لما يريد أن يفعله، معززاً بالبحث والدراسة والأفكار المساندة التي تعطي للعمل أبعاده المختلفة.
لا يهتم هذا المسار بالدعاية أو الترويج للأعمال في بيئتها المصرية أو العربية، فلأن التمويل يأتي من أوربا يكون الجمهور الأساسي لهذه الأعمال في أوربا. فهم من يختارون المشاريع التي يرغبون في دعمها. وتؤثر الطبيعة الإنتاجية لهذا المسار علي أعمال الفنانين حيث تمنحهم استقلالية عن مسار الدولة الرسمي، وضغوط العمل من أجل السوق المحلي، بينما تعطيهم الفرصة علي الاستمرار كجزء من بيئة الفن المعاصر الأوربي والغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.