أن تقرأ كتابا جديدا لابراهيم أصلان الحي وليس الراحل أبدا ،معناه البهجة والفرح والنور والمطر والشجر ، وعندما يكون الكتاب عن الثورة التي يحاولون وأدها ،فإن كل هذا يتضاعف بينما الثورة تنتصب أمامك وتعود أكثر بهاء مما عشناه جميعا لأنها مرّت عبر ابراهيم أصلان. الكتاب هو "انطباعات صغيرة حول حادث كبير" وأصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب أخيرا. يضم الزوايا التي كتبها ونشرها أصلان في الأهرام بين 15 مارس 2011 و23 ديسمبر من العام نفسه، أي العام الأول من الثورة، ولا أظن أن هناك تأملا وتعبيرا عن الثورة علي هذا القدر من الصدق والكبرياء والصفاء . بالطبع أنا منحاز ل"أبو خليل" وأحبه وأدين له بالكثير عبر ما يزيد علي أربعة عقود ،سواء في الكيت كات أو وراق العرب التل التي كنت خلالها جاره في السكن ،أو في جاردن سيتي حيث مكتب جريدة الحياة حيث تشرفت بالعمل معه. وفي أيام الثورة كثيرا ماكنت أشاهده مستندا علي أحد أصدقائنا ،وهو يتلفت حوله مشدوها وأكثر وسامة وشبابا، يسير قليلا ويجلس علي المقهي يستريح ،لكنني لم أصدق أبدا إنه في السادسة والسبعين ،ولديه مشكلة في أعصاب ساقيه، كانت حادة للدرجة التي منعته من السفر ،لكنها لم تمنعه من النزول ،ومنذ عرفت ابراهيم أصلان لم أجد أكثر منه ذوبانا في الناس ومحبة لهم ،رغم أنه لم يكن يكف عن الغضب عليهم ،وعلي الحالة التي تدنوا إليها خصوصا في أواخر سنوات حكم المخلوع. كنتُ فرحا جدا لأن أصلان عاش حتي رأي هذه الأيام المضيئة، والتي أظهرت كل هذا الجمال والبهاء والتحضر الكامن فينا،كل هؤلاء الشهداء والمصابين وماقدموه من أجل الحرية والكرامة والعدل،وكنت أتمني أن يكون معنا ابراهيم منصور ومحمد السيد سعيد وتيمور الملواني ولطيفة الزيات وغيرهم وغيرهن. أما انطباعاته علي حد تعبيره- فتجسد أغلب ما توصل إليه من خصائص وملامح عبر ستين عاما من الكتابة .لن تجد حماسا أو صراخا أو تنظيرا أو صوتا عاليا،ستجد تلك الكتابة الرائقة القائمة علي الاستبعاد ثم المزيد من الاستبعاد ،ستجد المشاهد المحكمة التي لا تحفل بمشابهة الواقع بل تحفل وتحتفي بالدقة.وستجد الإيجاز والتقشف واللغة التي لا تهتم إلا بتوصيل رسالة. وفي زاويته التي كتبها بتاريخ29 مارس 2011 أيا م الانفلات الأمني مثلا يتحدث أصلان عن تلك السيدة العجوز التي اعتاد أن يراها قبل الثورة وهي تواصل أعمالها المنزلية بدأب شديد من تنفيض و"تزعيف"في مهمة شبه يومية لا تنتهي أبدا .بعد الثورة جاءت دبابة واستقرت أسفل الشرفة التي اعتادت أن تستخدم حاجزها الحجري في اعمالها المنزلية ،وبعد عدة أيام من اختفائها عادت ،وبدأت تتبادل بعض الكلام مع قائد الدبابة ،وانتهي بها الأمر الي أن "تمد الغابة (التي تستخدمها في تنظيف سقف بيتها) خارجا وتمرر اللوفة لتزيل بها الغبار عن جسد الدبابة من خلف ومن أمام" أما الذريعة السردية فقد تناولها أصلان وهو يحذر من أي تعسف لإنجاز عمل فني عن الثورة ،فالحدث الكبير لا يوجد ما يكافئه فنيا،والوسيلة المثلي هي الاتكاء علي ذريعة سردية يقوم عليها العمل .إن هبوط جندي بساق واحدة وعكاز من قطار في محطة قريته الصغيرة يمكن أن يختصر حربا كاملة. قد أعود الي كتاب صديقي الكبير فيما بعد لكنني قصدت فقط أن ألقي عليه التحية"صباح الورد يا ابوخليل".
أما الشيخ ناجح ابراهيم وصاحبه هشام النجار وما اقترفاه في حق المخالفين في الرأي ، فالمؤكد أنني سأعود إليهما لأنهما يفتقران للحد الأدني من الشجاعة الإنسانية ،علي الرغم من تشدقهما في عشرات المنابر التي يكتبان فيها بالإسلام وقيم الإسلام وأخلاق الإسلام .