إنّ التّأمل في رواية " مقصلة الحالم" للرّوائي الأردني جلال برجس، يدفعكَ إلي الثيمات التبادلية التي تزاحمت في الرّواية والمقصود؛ أنّ التبادل كفعل وجودي يسعي إلي تمكين الوجود الآخر/ الآتي من التخلّق بعد تهشّم وتفكك الوجود الآني/ الماضي، فكما الهجرة طلباً لوطن بديل، كذلك الكتابة توطين للوجود في حيّز اللغة والفكر وليست الكتابة هنا مثلاً يطرح للمقايسة علي التبادل التي ظهر في الرّواية بل أنّها أحدي الثيمات الفاعلة في الرّواية، فشخصية "خالد" المحور في رحي الرّواية مندفعة للكتابة كإحدي وسائل التبادل وخاصة أنّ السّرد بضمير المتكلّم يضمر الهدف المرجو من الكتابة التي مارسها "خالد". التبادل/ السّجن: السّجن لسببٍ أيديولوجي، سَرَقَ خالداً من سيرورة حياته الطبيعية ،فأمضي فيه عشرين سنة؛ هو الفاعل الظّاهر في السّعي الحثيث لهذا التبادل، ففوات حياة خالد ومن ثم محاولة استعادتها عن طريق الحبّ وإعادة التجذّر وسؤال الماضي الملحّ الذي أودي به إلي حياة السّجن لم يتوقفوا عن طرق صيرورته علي طول خطّ السّرد؛ لكن السّبب الأيديولوجي الذي دفع خالد للسّجن لم يكن هو مطلق الشّرر، فخالد ذاته كان أيدلوجيا راغباً بتغيير الحياة أو بإنجاز التبادل إلي واقع أفضل أو محلوم به ومن هنا يظهر لنا الصّراع القائم بين الثابت والمتحول، فالمتحول في سعيه ليصبح ثابتاً يهدم الثابت والثابت في صراعه مع المتحول يتجمّد ويتكلس، وبين قوسي الثابت والمتحول تمضي الرّواية، رواية "خالد" وشفرة مقصلته. عندما خرج "خالد" من المعتقل دفعه الحنين إلي العودة إليه، الرّغبة بالرجوع إلي السّجن كواقع بديل لحياة لم تعد موجودة، لكنّه لم يجده، فقد تحول إلي نقطة عسكرية في الصحراء وهذا ما وضع خالد أمام مواجهة جديدة، فحياته السّابقة قبل السّجن مضتْ وحياته في السّجن ذهبتْ إلي غير رجعة، هكذا يقف "خالد" في الفراغ إلي أن يطلّ صديقه " ردّاد" ويفتح وجود خالد علي العالم الافتراضي عبر النت ومواقع التواصل الاجتماعي وكأن وزن المضاعفة من فعل " ردّ" أصبح ضرورياً، فوزن الفاعل لم يعد يجدي لوجود أصبحت محصّلته صفراً سواء علي صعيد الثابت أو المتحول والأكثر ضلالة أن يصبح العالم الافتراضي المنجي من واقع يتداعي. التبادل / المجاز: يُغرِق خالد حياته بعد السّجن في الكتابة أو المنولوج الداخلي الذي يتفرع بإعادة مقاربة الاعتقال كمحاولة للفهم وإعادة التوطين في الذّاكرة عبر نزع مخالب العشرين سنة التي نهشتْ روحه ومن جهة ثانية يلجأ إلي الحبّ الذي بدأ افتراضياً عبر موقع التواصل الاجتماعي " الفيس بوك" كان قد سُبق بحبٍّ قتلته الخيانة والجهة الثالثة كانت، الكتابة ذاتها. الفروع الثلاثة للمجاز تقتضي الانتقال للضفة الثانية بحكم أن ضفته البدئية قد انهارت، لكن السّجن دون جريمة اُرتكبت، تجعل من حكم الإدانة نافذاً ومستمراً لا منجاة منه حتي بعد الخروج من السّجن لأن حكم البراءة معطّل مادام لم يصدر من الهيئة الاجتماعية التي سعي في الأساس "خالد" إلي تغيرها، فالثمن الذي دفعه خالد كان دون قيمة وهكذا يصبح التوطين للسّجن في الذاكرة أقرب لعملية تأنيب الضمير، فمهما أدعي "خالد" براءته إلا أنّ العشرين سنة حاضرة كشاهد إدانة. الحبّ بدأ افتراضياً وعندما ظهر في الواقع عاد افتراضياً، فالتبادل لم يكتمل وما صعدوه لجبل " نيبو" إلا مقاربة أولية لجبل الخلق الأول بحثاً عن الخطيئة وبحثا عن ذاته التي مهرها عواء الذئب في المعتقل، أليس الذئب المتهم بدم النبي يوسف!؟ المجازات التي دفع "خالد" نفسه فيها لم تفض إلي مفازات إذ أنّ مقاومة إنجاز التبادل المتوقَع لم تتم رغم الجدل الكبير بين ثوابت "خالد" ومتحولاته ومن هنا جاء العنوان " مقصلة الحالم" فالحالم يخسر حلمه في اللحظة التي يستيقظ، هكذا يستيقظ "خالد"، ليجد نفسه في زمكان متغيّر عما تركه قبل دخول السّجن، فالعائلة قد تفرقتْ وملاعب الطفولة اندثرت إذ هناك مدينة تُنجز واقعها بعيداً عن محايثة "خالد" له الذي كان غائبا في السّجن، حتي حبيبته " سعاد" تتركه معلقا من حبل رسالة قد تكشف له من دفع به إلي السجن بوشاية. جاءت لغة الكتابة شاعرية في الأعم الأغلب وأظنها من مقتضيات البحث عن التبادل وإنجازه، فاللغة الشّاعرية التي استند عليها خالد في جدله الداخلي، فيض طبيعي يتناسب مع البحث للمشّبه عن مكان قريب المشّبه به وبلا هذه التفصيلة قد تصبح الكتابة الشاعرية عبئاً علي الرّواية إلا أنّها مبررة تماما بالنسبة للحالة التي كان بها خالد. ومن خلال ما سبق نجد أن ثيمة التبادل أي تغيّر الواقع بواقع ممكن أو محلوم به أجهضت علي عدّة مستويات، السياسي انتهي للسّجن، الحبّ انتهي للخيانة والافتراض وعلي المستوي الشخصي نجد شخصية خالد أنّها تنسج سجنها الجديد وخاصة بعد أن يستطيع شحن بطارية " اللاب توب " وقراءة رسالة سعاد الأخيرة!؟ وقد نظن أنّ الكتابة كانت إحدي حالات التبادل التي نجح فيها خالد إلا أنّ بوحه وجدله وصراعه وحياته انتهتْ إلي يد الروائي الأردني جلال برجس ليخطّ رواية "خالد" أو سيرة حياته مذيلة باسمه!؟ "مقصلة الحالم" رواية تعالج استحالة انجاز التبادل المفضي للتقدّم، فشخصيتها الرئيس "خالد" المعتقل السّياسي سابقاً، العاشق الذي صرعته الخيانة والكائن الذي فقد زمكانه لم يبق له إلا أن يتضاد مع معني اسمه، بأن يصبح فانياً في الحياة. مقصلة الحالم للروائي الأردني جلال برجس صدرت عن دار الأهلية للنشر والتوزيع/عمان. وفازت بجائزة رفقة دودين للإبداع 2014 روائي وشاعر سوري