بدأت علاقة الشاعر والروائي اليمني علي المقري بالقراءة من خلال المدرسة، والكتب الدينية التي كانت في رفوف بيت الأسرة، ثم تشعبت إلي السير الشعبية وكتب الأدب التقليدية. غادر منزل الأسرة في الريف مبكراً، لهذا بقي يتنقل كثيراً من مسكن إلي آخر في مدينة تعز، ثم في صنعاء، ولم يستطع لذلك تكوين مكتبة غير معرّضة للضياع. "كنت أترك كتبي التي جمعتها وقرأتها في أي بيت أغادره، أو لدي جيران أو أصدقاء، بعد أن أضعها في كراتين و أكياس. أعدهم، طبعاً، أن أعود إليها قريباً، لكنني لم أفعل، حدث هذا أكثر من خمس مرّات". لم تكن مساحة المساكن تسمح له أن يظل محتفظاً بكمية الكتب التي تزداد في كل فترة. في معظم الأحيان يأخذ معه قلة من الكتب التي لم يقرأها، أو بعض الكتب النادرة، التي بدورها، أيضاً، فُقدت في أوقات لاحقة. يقول المقري: "بعدها، ومنذ 13سنة صرت أعيش مع زوجة في بيت لم أغادره حتي الآن، فبدأت أكوّن ما يشبه المكتبة المستقرّة، لكن سرعان ما امتلأت الرفوف، وتناثرت الكتب من خاناتها إلي قاع الغرفة لتحتل ما تبقي من فراغات؛ ومع الأيام فاضت إلي غرفة الجلوس، ثم إلي الصالتين الداخلية والخارجية، ولم يعد هناك سوي غرفة النوم حيث وضعت بعض الكتب في زواياها وشبابيكها. لم نعد نستقبل أي أحد في البيت بسبب هذا التراكم والتناثر للكتب في كل الزوايا والممرات". ويضيف: "إذا ما زارنا أحد كنت دائماً أتعرض للانتقادات والملاحظات. وغالباً ما أصبح موضوع فرجة للزائر. وكان لابد في النهاية من مساحة أخري للكتب وللعائلة، وقد تحقق هذا المطلب حين تم استئجار منزل في الجوار لتعيش فيه العائلة بالقرب مني". عمل صاحب "الخمر والنبيذ في الإسلام" في الصحافة الثقافية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي لم يرفد مكتبته سوي بكتب الشعر والقصص، والقليل من الكتب في المواضيع الأخري. لا تزال مكتبته الالكترونية قليلة وتقتصر علي بعض المراجع الموسوعية، والكتب التي يحصل عليها الكترونياً. وفي السنوات الأخيرة صار يحصل بسهولة علي الكتب الصادرة حديثاً عبر مواقع بيع الكتب في الانترنت، إضافة إلي معارض الكتب. "إلي جانب قراءة الرواية والشعر، كانت كتب السير تجذبني بشكل خاص. فإلي جانب سير الأشخاص بمختلف تخصصاتهم: فنية، سياسية، علمية، اجتماعية؛ كنت أحاول أن أجد رابطاً لسيرة ما في الكتب التي اقرأها، كأن أبحث عن سيرة مدينة ما من خلال ما كتب عن أماكنها وعن ناسها وأعلامها وتحولاتها. أو سيرة جماعة أو فرقة ما كالمعتزلة، المطرفية، الخوارج، اليهود والأخدام (السود) في اليمن،الغجر، الهنود الحمر، وأحياناً أبحث عن سيرة موضوع ما كالخمر أو القبلة، وهكذا". المقري تشده كتب الحوليات العربية، واليمنية منها بالذات، ويحتفظ بكتب مصوّرة لفنانين تشكيليين، وأخري عن الموسيقي والسينما. وهناك الكتب الفلسفية والدينية في مختلف توجهاتها، حيث يستهويه الجانب الاستكشافي والأدبي فيها، فيتجاور ابن عربي مع نيتشه، وسلامة موسي مع شتراوس، ولا يستبعد صاحب "اليهودي الحالي" تلك الكتب التي يكرهها (المثقفون)، ومنها كتب السحر ك (شمس المعارف)، وما يؤلف من أخبار عن الجن والشياطين و(كرامات) الأولياء. وللمجلات والصحف والقصاصات الأدبية والثقافية مكانتها الخاصة. يؤكد المقري في النهاية: "يبدو لي أن المكتبة ليست هي تلك المنظمة في رفوف وفهارس وأرقام والتي تؤطر الحياة بأحبارها وأوراقها، بل هي الذكري المنفلتة والثرثارة التي تعيش مع النسيان".