إبراهيم عيسى: الفكر السلفي معطل للاقتصاد المصري وخطر على الدولة    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    "قتلوا مدنيين".. بايدن يعلق على قرار أمريكا وقف تصدير السلاح لإسرائيل    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    مصدر: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهود المصرية في وقف إطلاق النار    ملف رياضة مصراوي.. تأبين العامري فاروق.. تأهل ريال مدريد.. وقائمة الزمالك    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    "دوري مصري ومنافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    نقل زوجة شريف رمزي إلى المستشفى بعد تعرضها لوعكة صحية مفاجأة    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    انتخاب أعضاء مجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية على حي الصبرة جنوب مدينة غزة شمالي القطاع    التابعي: الزمالك يمكنه حصد الكونفدرالية وأنصح هذا اللاعب بعدم التهور    محافظ الإسكندرية يكرم أبطال سلة الاتحاد عقب فوزهم بكأس مصر    صفقة سوبر على أعتاب الأهلي.. مدرب نهضة بركان السابق يكشف التفاصيل    ميدو يوضح رأيه في اعتراض الزمالك على حكام نهائي الكونفدرالية    إعلام إسرائيلي: تصريح بايدن حول وقف شحنات الأسلحة "زلزال قوي" للعلاقات بين البلدين    نقابة الموسيقيين تنعي كريم عبد العزيز في وفاة والدته    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    تعرف على سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الخميس 9 مايو 2024    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    محمد فضل: جوزيه جوميز رفض تدريب الأهلي    نماذج امتحانات الثانوية العامة 2024 بصيغة «PDF» لجميع المواد وضوابط اللجان    إنتل تتوقع تراجع إيراداتها خلال الربع الثاني    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في السعودية: تخطيط لاستمتاع بأوقات العطلة    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    العظمى بالقاهرة 36 درجة مئوية.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 9 مايو 2024    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    عيار 21 الآن بعد الزيادة.. أسعار الذهب بالمصنعية اليوم الخميس 9 مايو بالصاغة (آخر تحديث)    نبيل الحلفاوي يكشف سبب ابتعاد نجله عن التمثيل (تفاصيل)    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    توفر مليار دولار سنويًا.. الحكومة تكشف أهمية العمل بجدول تخفيف الأحمال (فيديو)    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    وكيل الخطة والموازنة بمجلس النواب: طالبنا الحكومة بعدم فرض أي ضرائب جديدة    بالصور.. «تضامن الدقهلية» تُطلق المرحلة الثانية من مبادرة «وطن بلا إعاقة»    التحالف الوطنى يقدم خدمات بأكثر من 16 مليار جنيه خلال عامين    رئيس جامعة القناة يشهد المؤتمر السنوي للبحوث الطلابية لكلية طب «الإسماعيلية الجديدة الأهلية»    وزير الخارجية العراقي: العراق حريص على حماية وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    عبد المجيد عبد الله يبدأ أولى حفلاته الثلاثة في الكويت.. الليلة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    رئيس لجنة الثقافة: الموقف المصرى من غزة متسق تماما مع الرؤية الشعبية    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    طالب صيدلة يدهس شابا أعلى المحور في الشيخ زايد    متحدث الصحة يعلق على سحب لقاحات أسترازينيكا من جميع أنحاء العالم.. فيديو    الكشف على 1209 أشخاص في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    أيهما أفضل حج الفريضة أم رعاية الأم المريضة؟.. «الإفتاء» توضح    رئيس«كفر الشيخ» يستقبل لجنة تعيين أعضاء تدريس الإيطالية بكلية الألسن    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    حزب العدل: مستمرون في تجميد عضويتنا بالحركة المدنية.. ولم نحضر اجتماع اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سميح القاسم.. بين المقاومة والتعايش
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 11 - 2014

جلس مرة سميح القاسم مع صديقيه، الأديبين الإسرائيليين يورام كانيوك وعاموس كينان، علي مقهي "كسيت" في تل أبيب. سألهما فجأة: ""أخبراني، كم عربيًا قتلتما؟"، تلعثم الأديبان قليلًا حتي قال عاموس كينان: "أطلقنا النار، ولكني لا أعرف إن كنا أصبنا أناسًا"، فقال له القاسم: "طيب. أنا لم أطلق النار، وبالتأكيد لم أصب أناسًا، ولكن مع كل هذا، هيا بنا نتحدث عن السلام".
هذه الحكاية التي يحكيها الأديب الفلسطيني هشام نفاع في موقع "الحزب الشيوعي الإسرائيلي"، والذي كان القاسم عضوًا به، تخبرنا شيئًا عن عقل الشاعر، عن الالتباس الذي ظل خاضعًا له طول حياته، بين كونه فلسطينيًا، بالأحري "شاعر القضية الفلسطينية"، وكونه يعيش كمواطن في دولة إسرائيل. عن ميله للتذكير بالظلم التاريخي الذي وقع عليه، وميله للصفح عن هذا الظلم.
بوصفه درزيًا، كان مفروضًا علي سميح القاسم التجند في الجيش الإسرائيلي. ولكن صحيفة معاريف الإسرائيلية وقتها، نشرت خبرًا عن "الشاب سميح القاسم الذي يبلغ 22 سنة ورفض التجند في الجيش"، بل وأرسل خطابًا لرئيس الدولة، يقول فيه إن القادة الدروز لا يمثلون شباب الدروز وأنه لا يجب تجنيد الدروز ليحاربوا ضد إخوانهم العرب، ويهدد أنه في حال حبسه فسيعلن الإضراب عن الطعام.
كان القاسم أول درزي يفعل هذا، وفيما بعد سيكرر ابنه نفس الفعل وسيرفض التجند في الجيش الإسرائيلي. كان هذا متسقًا مع إيمان القاسم المتواصل ب"القومية العربية".
عُرف القاسم بين العرب باسم "شاعر المقاومة". بالإضافة لقصائده الفلسطينية الحماسية، كان أول شاب درزي يرفض التجنيد، وفُصل عام 1965 من عمله كمدرس بسبب مواقفه السياسية، وفي عام 1968 حُبس لدي عودته من بلغاريا، بعد عثور السلطات الإسرائيلية علي منشورات تتبع "منظمة فتح" في حقيبته. كما حبس في العام التالي لدي نشر ديوانه "ويكون أن يأتي طائر الرعد" بتهمة الدعوة للثورة، وصودرت نسخ ديوانه من السوق. وفي مايو 1978 لاحت نية لمنع قصيدة له كان من المقرر نشرها في مجلة "آريئيل" الإسرائيلية. واحتجاجًا علي هذا طلب الشعراء الإسرائيليون، داليا رافيكوبيتش، يهودا عميحاي، ومئير فيزلتير، منع نشر قصائدهم من المجلة أيضًا. وفي الفترة التي خدم فيها يوسي ساريد وزيرًا للتعليم (1999/2000( حاول الأخير إدراج بعض من قصائده وقصائد محمود درويش في المناهج التعليمية الإسرائيلية ولكنه قوبل بعاصفة شديدة مما أدي إلي تعطيل القرار. ولكن في نفس الوقت، وبعيدًا عن التوترات بينه وبين دولة إسرائيل، كان القاسم يؤمن بإمكانية السلام بين العرب واليهود في فلسطين، وكان مشاركًا بقوة في الحياة الثقافية الإسرائيلية، تُرجم الكثير من قصائده ودواوينه إلي العبرية، غالبًا علي يد أستاذ الأدب العربي ساسون سوميخ، كما ترجم هو بنفسه بعضًا من قصائد الشاعر الإسرائيلي من أصل عراقي روني سوميك، إلي جانب حضوره المهرجانات الأدبية بجانب شعراء يهود في فلسطين. وبوصفه عضوًا بالحزب الشيوعي الإسرائيلي "ماكي"، والداعي لإقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، وتفكيك المستوطنات في الضفة الغربية، فقد عُيِّن عضوًا شرفيًا في دورتي الكنيست الثامنة عشر والتاسعة عشر، عامي 2009 و2013 علي التوالي.
بين هذا الالتباس، بين كونه شاعرًا للمقاومة وكونه مؤمنًا بالسلام، تأرجح القاسم طول حياته.
القاسم والهوية الفلسطينية
ولد سميح القاسم عام 1939، في مدينة "الزرقاء" الأردنية، لأب كان يخدم في الفيلق الأردني وتعود جذوره لقرية رامة بالجليل الفلسطيني. قبل عام 1948 عادت العائلة إلي الجليل، حيث عاش سميح في مدينة الناصرة ما تبقي في حياته، ورأس تحرير صحيفة "كل العرب" الصادرة هناك. حتي مات عام 2014.
الكثير من الحزن عبر عنه أصدقاؤه الإسرائيليون بعد إعلان خبر وفاته. في هاآرتس كتب أستاذ الأدب إلداد باردو والشاعر روني سومِك مقالًا عنه، ينعيانه فيه، وصفاه بأنه "شاعر له عدة هويات، شاعر درزي، عربي، فلسطيني، إسرائيلي، شيوعي، ، شامي، من عظماء الشعر العربي الحديث"، وتساءلا: "ولكن، يا متحدثي العبرية، ماذا سنأخذ منه، بعد أن ضايقناه في بداية طريقه لأنه رفض التجند في الجيش"؟
الإشارة إلي "درزية" سميح القاسم، كانت شائعة بين جميع المواقع التي تناولت خبر وفاته بالعبرية، ويبدو أنها شائعة في السياق الإسرائيلي ككل. يقول الكاتبان: "يبدو أنه في الذاكرة الإسرائيلية سيظل [القاسم] شاعرًا درزيًا مقاتلًا، قام بحروبه بواسطة القلم. محارب كخيرة ما يمثله التراث الدرزي. ابن طائفة محاربة، شجاعة، استطاعت الحفاظ علي هويتها وشرفها علي طول مئات السنوات في بيئة قاسية. إسهامه، بالقلم وبالسيف، كان للثقافة المحلية والعالمية، وأيضًا لنبوءة حياة من السلام والعدل، في الحيز الشامي".
يشير الكاتبان إلي مواقف القاسم "المعتدلة" في علاقتها باليهود، حيث ترجم بنفسه بعضًا من قصائده للعبرية كما دعا العرب في إحدي مقالاته بالعربية إلي الوقوف حدادًا في ذكري الهولوكست، ويشيران إلي قصيدته "قصيدة الجنود"، والتي تنتهي بنداء "عاش السلام" وتأثر فيها القاسم بسفر "ملوك أول"، كما يقولان. ويضيفان: "تحمّل »القاسم« ضربات مدفعية سواء من الإسرائيليين أو من الجمهور العربي في المنطقة، والذين اعتبروه إسرائيليًا أكثر مما ينبغي ومحبًا للسلام".
ينتهي المقال بقصيدة أخذت عنوان "قيثارة فلسطين"، كتبها له الشاعر روني سومِك، والذي سبق للقاسم أن ترجم بعضًا من قصائده للعربية. يقول سومِك في القصيدة: "قيل عنك أنك قيثارة/ فلسطين/ شددتَ خيوط السلك/ بدلًا من الأوتار/ أردت العزف في زفاف العروس/ الهاربة من كوشتها./ قلت أنها أرضك/ وأنك لن تتوقف قط/ عن كتابة قصائد عن مصير القرط/ المتأرجح تحت أذنيها".
أصدقاء إسرائيليون
كان للقاسم أصدقاء بين الأدباء اليهود. يحكي ابنه "وطن" لمعاريف: "وأنا في الخامسة من عمري جاء ليزورنا عاموس كينان، وكانت هذه المرة الأولي التي أسمع فيها العبرية في البيت. سألت أبي (أية لغة يتكلمونها؟) فأجابني (العبرية. هم أصدقاء يهود). فسألته (يهود بلا دبابة)؟
بدأت صداقاته بالإسرائيليين منذ وقت مبكر. يحكي لهشام نفاع عن صداقته بأدباء مثل عاموس عوز، أ. ب. يهوشواع، إلكسندر بن، داليا رافيكوفيتش، يهودا عميحاي، وآخرين. يحكي القاسم عن العلاقة بين الصداقة بوصفها فعلًأ "سياسيًا"، يتم بهدف التقارب: "في منتصف خمسينيات القرن الماضي، بدأ تلمُّس الطريق بين أدباء يهود وعرب أرادوا إقامة حوار من أجل تقريب الآراء السياسية والتقريب بين القلوب. برغم الاختلاف في الآراء، شاركت في أغلب اللقاءات، ولكن ليس فيها جميعًا". كما يخص الأديب يورام كانيوك بالكلام: "لم يكن سهلًا الوصول لمسلمّات تفصيلية مع يورام كانيوك، ولكنه عرض موقفًا واضحًا ضد الحكم العسكري وضد سرقة أراضي السكان العرب، وضد العنصرية، لذا كان من الطبيعي أن تتبلور بيننا علاقات إنسانية وشخصية".
يسترجع القاسم موقفًا شخصيًا، وسياسيًا في نفس الوقت، حدث بينه وبين كانيوك، فقد أحبته إحدي الكاتبات التي كان كانيوك قد تعلق بها، ولكنها اختارت القاسم بالتحديد، وفي إحدي جلساتهما المشتركة بمقهي "كسيت"، قال كانيوك للقاسم "أعد لي ما أخذته مني"، فما كان من الأخير إلا أن رد عليه، في إشارة سياسية واضحة ل"الأرض": " أخي يورام، أعد لي أنت ما أخذته مني، وسأعيد لك ما أخذته منك".
أي عربي يهاجمني هو إنسان مشكوك فيه
قليلًا ما هوجم القاسم عربيًا بسبب إيمانه بالتعايش بين العرب واليهود. قوطع ولكن قليلًا ما هوجم. فقط في
عام 2009، نشر الشاعر الفلسطيني الشاب نجوان درويش في صحيفة "الأخبار" مقالًا بعنوان "سميح القاسم.. حُمّي الأسْرلة"، هاجم فيه القاسم لمشاركته في مهرجان للشعر الإسرائيلي تنظمه "جمعية هاليكون لرعاية الشعر في إسرائيل". وقتها أجرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" حوارًا قصيرًا مع القاسم رد فيه الأخير بعصبية شديدة:
"دعمت وسأواصل دعم الحوار. سأكون دائمًا جزءًا حيويًا من الحوار اليهودي العربي والإسرائيلي الفلسطيني من أجل السلام وبهدف وضع حد للاحتلال، للعنصرية ولمعاناة الشعبين علي حد سواء. هذا طريقي ولن يخيفني مرتزقة السلاح أو الأقلام الذين يسترزقون من مصادر مريبة. في كل الشرق الأوسط هناك عناصر لا تريد الوصول للسلام في البلد وفي المنطقة".
سألته المحاورة، ميراڤ يوديليفيتش آنذاك: "هل تشك أن الكاتب مرتزقًا"؟ فأجاب: "أكيد. في رأيي هو ضحية لعناصر تهاجمني هنا في إسرائيل. أي عربي يهاجمني، سواء كان هنا أو في العالم، هو إنسان مشكوك فيه، عدو لشعبه، كاره للحرية والسلام والتقدم. ليس هناك ولم يكن هناك متحدث عن الشعب الفلسطيني يعبر عن نبض الإنسان العربي باستقامة وبصدق أكثر إخلاصًا مني. لم أحظ عبثًا بألقاب مثل (شاعر الأمة العربية)، (الشاعر المقدس)، و(سيد الألف بيت). مكانتي في الأمة العربية قوية وأي عميل أجنبي، مريب وهجين، لا يمكنه أن يهزني".
حل الدولتين
بعد وفاته، اختارت صحيفة "معاريڤ" الإسرائيلية، أن تقارب القاسم من ناحية إنسانية، فتحدثت مع ابنه "وطن"، ومع ابن عمه "نبيه". من هذا الحوار يمكننا معرفة شيء عن رؤية سميح لنفسه، فعلي الرغم من ارتباط اسمه بالقضية الفلسطينية، إلا أنه كان يغضب عندما يصفه أحدهم ب"الشاعر الفلسطيني، وكان يرد "أنا شاعر جميع الشعوب". هذا ما يحكيه نبيه القاسم لمعاريفف، ويضيف: "كانت لديه قصائد إنسانية، ولكن للأسف ففي البلاد لم يتعاملوا مع اللغة العربية ولا مع ثقافتها، والآن يظهر قانون في الكنيست تصبح فيه العربية بموجبه لغة غير رسمية. لو مر القانون، فسنصل لنهاية العالم".
لا يتجاهل نبيه الشأن الدرزي. لديه ادعاءاته ضد إسرائيل من هذه الناحية، وادعاءاته، علي نفس طريقة سميح، كانت "سياسية" هي الأخري، أي تحاول الوصول لمنطق مشترك بين الفلسطيني والإسرائيلي. يقول لمعاريڤ : "خطؤكم الأكبر هو أنكم تعتقدون أن الدروز ملتزمون تجاه الدولة بشكل تلقائي.. ولكنكم، كما فعلتم مع المتعاونين ومع جيش لبنان الجنوبي، تستغلونهم وترمونهم. سميح كتب الكثير عن هذا الموضوع".
كان القاسم عضوًا في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والذي يؤمن بحل الدولتين لشعبين، وعندما انهارت الشيوعية ظل وفيًا لقيمها. وحتي اليوم يوجد في صالون بيته تمثال صغير ل"لينين"، بحسب ما تحكي معاريف. يقول وطن: "هاجموه لأنه يؤمن بالتعايش وبدولتين لشعبين. المتطرفون قالوا له (أنت تُسَمّي شاعر المقاومة. ولكن كيف تؤمن بالسلام مع اليهود؟)
ظل حل "الدولة الواحدة" مطروحًا علي الدوام، دولة واحدة وديمقراطية يعيش فيها اليهود والعرب بدون تمييز، طُرح منذ أربعينيات القرن الماضي ولم يتوقف طرحه حتي الآن. لماذا لم يؤمن به سميح؟ يبدو أن انخراطه في المسار السياسي جعله أكثر ميلًا لأن يكون "مقنًعا" لليهود، لكي يحظي ببعض القبول الذي حُرم منه عربيًا بوصفه "مواطنًا إسرائيليًا". في حواره إذاعي مع "2faceradio" الإسرائيلي، يقول للمحاورة إن اليهود لم يرسموا خريطة بلاده، ولا العرب رسموها، وإنما جلس الإنجليزي سايكس مع الفرنسي بيكو وقررا تقسيم بلاده. هكذا لا تعود للصهيونية دور في رسم الخريطة، ولا للتنظيمات الصهيونية المسلحة، ولا للتهجير. فقط "الأغراب" هم من قرروا لنا مصيرنا "أنا وأنتِ".
قصة النكبة هي من أكثر القصص حساسية داخل إسرائيل. بسهولة تامة يمكن معارضة الاحتلال عندما يكون المقصود غزة والضفة الغربية، ولكن بداية القصة نفسها، ما حدث في عام 1948، هو أمر شبه مسكوت عنه إسرائيليًا. رغم هذا، استطاع بعض اليهود والعرب فعلها. تحدث المؤرخون الجدد، ومنهم إيلان بابيه وآفي شلايم، بدون حساسية عن هذا. هاجر بعض اليهود من إسرائيل احتجاجًا علي سياستها. أما القاسم فقد اختار الانخراط في السياسة، مثلما فعل من قبله إميل حبيبي. عبر عن موقف مقاوم ولكن عبر مسارات السياسة الإسرائيلية. و"الإنسانية" كانت مدخله إلي هذا، كأنه يحاول نفي الجزء "الفلسطيني" و"القومي" من شعره.
الجنود الإسرائيليون يستحقون سماع القصائد
كانت نبرة سميح القاسم نبرة "متعقلة" حريصة علي مخاطبة "العدو"، وإقناعه بعدالة قضيتها عن طريق إقناعه بعدالة قضيته هو، وعدم استثناء شيء من "إنسانيتها"، حتي الجنود الإسرائيليين. كانت نبرته في مخاطبة الإسرائيليين نبرة "سياسية" تمامًا.
في حواره مع موقع "2faceradio" يحكي القاسم عن مصادرة إسرائيل للبستان في بيت طفولته. ولكنه يبدو أكثر تصالحًا الآن. يجمع بين اليهود والعرب في كل جملة، مثلًا، في جملة سريعة: "لا أسمح لليهود أن يكونوا عنصريين تجاهي ولا للعرب أن يكونوا عنصريين ضد اليهود". وعندما تسأله المحاورة عن المقارنة بين الألم اليهودي والألم الفلسطيني يقول: "لا أحد يحتكر الألم. كل واحد له ألمه. هناك الكثير من الألم الإنساني. الفلسطينيون والإسرائيليون، العرب واليهود، كل واحد له ألمه. »هناك«الكثير من الألم.. يعيش هنا خمسة ملايين يهودي ومثلهم من الفلسطينيين. لا يمكن رمي اليهود ليعودوا لبلدانهم الأصلية. ليس هناك طائرات وسفن كفاية. وليس هناك احتمال أيضًا ان نضع الفلسطينيين في أوتوبيس ونقول لهم باي باي. ليس هناك أوتوبيسات كفاية... هذا حل غير منطقي ولا إنساني".
لا يستثني القاسم من إنسانيته الجنود الإسرائيليين. يختتم هذه الفقرة بالقول: "قبل عدة أشهر قرأت قصائد في "مشكانوت شأننيم" بالقدس وجاء عدة جنود يهود في ملابسهم الرسمية وجلسوا في الصف الاول والثالث.. وصفقوا لي. وجاؤوا للحوار معي بعد هذا. أي أفكار خطرت علي بالي؟ »هل هي« هناك جندي يبغي قتلي، جندي يهودي إسرائيلي، جندي احتلال ينبغي قتله! »لا«قلت يستحق هؤلاء الجنود أيضاً أن يسمعوا الشعر أيضًا، ليس فقط الموت، حرروهم من مهمة الموت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.