«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سميح القاسم.. بين المقاومة والتعايش
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 11 - 2014

جلس مرة سميح القاسم مع صديقيه، الأديبين الإسرائيليين يورام كانيوك وعاموس كينان، علي مقهي "كسيت" في تل أبيب. سألهما فجأة: ""أخبراني، كم عربيًا قتلتما؟"، تلعثم الأديبان قليلًا حتي قال عاموس كينان: "أطلقنا النار، ولكني لا أعرف إن كنا أصبنا أناسًا"، فقال له القاسم: "طيب. أنا لم أطلق النار، وبالتأكيد لم أصب أناسًا، ولكن مع كل هذا، هيا بنا نتحدث عن السلام".
هذه الحكاية التي يحكيها الأديب الفلسطيني هشام نفاع في موقع "الحزب الشيوعي الإسرائيلي"، والذي كان القاسم عضوًا به، تخبرنا شيئًا عن عقل الشاعر، عن الالتباس الذي ظل خاضعًا له طول حياته، بين كونه فلسطينيًا، بالأحري "شاعر القضية الفلسطينية"، وكونه يعيش كمواطن في دولة إسرائيل. عن ميله للتذكير بالظلم التاريخي الذي وقع عليه، وميله للصفح عن هذا الظلم.
بوصفه درزيًا، كان مفروضًا علي سميح القاسم التجند في الجيش الإسرائيلي. ولكن صحيفة معاريف الإسرائيلية وقتها، نشرت خبرًا عن "الشاب سميح القاسم الذي يبلغ 22 سنة ورفض التجند في الجيش"، بل وأرسل خطابًا لرئيس الدولة، يقول فيه إن القادة الدروز لا يمثلون شباب الدروز وأنه لا يجب تجنيد الدروز ليحاربوا ضد إخوانهم العرب، ويهدد أنه في حال حبسه فسيعلن الإضراب عن الطعام.
كان القاسم أول درزي يفعل هذا، وفيما بعد سيكرر ابنه نفس الفعل وسيرفض التجند في الجيش الإسرائيلي. كان هذا متسقًا مع إيمان القاسم المتواصل ب"القومية العربية".
عُرف القاسم بين العرب باسم "شاعر المقاومة". بالإضافة لقصائده الفلسطينية الحماسية، كان أول شاب درزي يرفض التجنيد، وفُصل عام 1965 من عمله كمدرس بسبب مواقفه السياسية، وفي عام 1968 حُبس لدي عودته من بلغاريا، بعد عثور السلطات الإسرائيلية علي منشورات تتبع "منظمة فتح" في حقيبته. كما حبس في العام التالي لدي نشر ديوانه "ويكون أن يأتي طائر الرعد" بتهمة الدعوة للثورة، وصودرت نسخ ديوانه من السوق. وفي مايو 1978 لاحت نية لمنع قصيدة له كان من المقرر نشرها في مجلة "آريئيل" الإسرائيلية. واحتجاجًا علي هذا طلب الشعراء الإسرائيليون، داليا رافيكوبيتش، يهودا عميحاي، ومئير فيزلتير، منع نشر قصائدهم من المجلة أيضًا. وفي الفترة التي خدم فيها يوسي ساريد وزيرًا للتعليم (1999/2000( حاول الأخير إدراج بعض من قصائده وقصائد محمود درويش في المناهج التعليمية الإسرائيلية ولكنه قوبل بعاصفة شديدة مما أدي إلي تعطيل القرار. ولكن في نفس الوقت، وبعيدًا عن التوترات بينه وبين دولة إسرائيل، كان القاسم يؤمن بإمكانية السلام بين العرب واليهود في فلسطين، وكان مشاركًا بقوة في الحياة الثقافية الإسرائيلية، تُرجم الكثير من قصائده ودواوينه إلي العبرية، غالبًا علي يد أستاذ الأدب العربي ساسون سوميخ، كما ترجم هو بنفسه بعضًا من قصائد الشاعر الإسرائيلي من أصل عراقي روني سوميك، إلي جانب حضوره المهرجانات الأدبية بجانب شعراء يهود في فلسطين. وبوصفه عضوًا بالحزب الشيوعي الإسرائيلي "ماكي"، والداعي لإقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، وتفكيك المستوطنات في الضفة الغربية، فقد عُيِّن عضوًا شرفيًا في دورتي الكنيست الثامنة عشر والتاسعة عشر، عامي 2009 و2013 علي التوالي.
بين هذا الالتباس، بين كونه شاعرًا للمقاومة وكونه مؤمنًا بالسلام، تأرجح القاسم طول حياته.
القاسم والهوية الفلسطينية
ولد سميح القاسم عام 1939، في مدينة "الزرقاء" الأردنية، لأب كان يخدم في الفيلق الأردني وتعود جذوره لقرية رامة بالجليل الفلسطيني. قبل عام 1948 عادت العائلة إلي الجليل، حيث عاش سميح في مدينة الناصرة ما تبقي في حياته، ورأس تحرير صحيفة "كل العرب" الصادرة هناك. حتي مات عام 2014.
الكثير من الحزن عبر عنه أصدقاؤه الإسرائيليون بعد إعلان خبر وفاته. في هاآرتس كتب أستاذ الأدب إلداد باردو والشاعر روني سومِك مقالًا عنه، ينعيانه فيه، وصفاه بأنه "شاعر له عدة هويات، شاعر درزي، عربي، فلسطيني، إسرائيلي، شيوعي، ، شامي، من عظماء الشعر العربي الحديث"، وتساءلا: "ولكن، يا متحدثي العبرية، ماذا سنأخذ منه، بعد أن ضايقناه في بداية طريقه لأنه رفض التجند في الجيش"؟
الإشارة إلي "درزية" سميح القاسم، كانت شائعة بين جميع المواقع التي تناولت خبر وفاته بالعبرية، ويبدو أنها شائعة في السياق الإسرائيلي ككل. يقول الكاتبان: "يبدو أنه في الذاكرة الإسرائيلية سيظل [القاسم] شاعرًا درزيًا مقاتلًا، قام بحروبه بواسطة القلم. محارب كخيرة ما يمثله التراث الدرزي. ابن طائفة محاربة، شجاعة، استطاعت الحفاظ علي هويتها وشرفها علي طول مئات السنوات في بيئة قاسية. إسهامه، بالقلم وبالسيف، كان للثقافة المحلية والعالمية، وأيضًا لنبوءة حياة من السلام والعدل، في الحيز الشامي".
يشير الكاتبان إلي مواقف القاسم "المعتدلة" في علاقتها باليهود، حيث ترجم بنفسه بعضًا من قصائده للعبرية كما دعا العرب في إحدي مقالاته بالعربية إلي الوقوف حدادًا في ذكري الهولوكست، ويشيران إلي قصيدته "قصيدة الجنود"، والتي تنتهي بنداء "عاش السلام" وتأثر فيها القاسم بسفر "ملوك أول"، كما يقولان. ويضيفان: "تحمّل »القاسم« ضربات مدفعية سواء من الإسرائيليين أو من الجمهور العربي في المنطقة، والذين اعتبروه إسرائيليًا أكثر مما ينبغي ومحبًا للسلام".
ينتهي المقال بقصيدة أخذت عنوان "قيثارة فلسطين"، كتبها له الشاعر روني سومِك، والذي سبق للقاسم أن ترجم بعضًا من قصائده للعربية. يقول سومِك في القصيدة: "قيل عنك أنك قيثارة/ فلسطين/ شددتَ خيوط السلك/ بدلًا من الأوتار/ أردت العزف في زفاف العروس/ الهاربة من كوشتها./ قلت أنها أرضك/ وأنك لن تتوقف قط/ عن كتابة قصائد عن مصير القرط/ المتأرجح تحت أذنيها".
أصدقاء إسرائيليون
كان للقاسم أصدقاء بين الأدباء اليهود. يحكي ابنه "وطن" لمعاريف: "وأنا في الخامسة من عمري جاء ليزورنا عاموس كينان، وكانت هذه المرة الأولي التي أسمع فيها العبرية في البيت. سألت أبي (أية لغة يتكلمونها؟) فأجابني (العبرية. هم أصدقاء يهود). فسألته (يهود بلا دبابة)؟
بدأت صداقاته بالإسرائيليين منذ وقت مبكر. يحكي لهشام نفاع عن صداقته بأدباء مثل عاموس عوز، أ. ب. يهوشواع، إلكسندر بن، داليا رافيكوفيتش، يهودا عميحاي، وآخرين. يحكي القاسم عن العلاقة بين الصداقة بوصفها فعلًأ "سياسيًا"، يتم بهدف التقارب: "في منتصف خمسينيات القرن الماضي، بدأ تلمُّس الطريق بين أدباء يهود وعرب أرادوا إقامة حوار من أجل تقريب الآراء السياسية والتقريب بين القلوب. برغم الاختلاف في الآراء، شاركت في أغلب اللقاءات، ولكن ليس فيها جميعًا". كما يخص الأديب يورام كانيوك بالكلام: "لم يكن سهلًا الوصول لمسلمّات تفصيلية مع يورام كانيوك، ولكنه عرض موقفًا واضحًا ضد الحكم العسكري وضد سرقة أراضي السكان العرب، وضد العنصرية، لذا كان من الطبيعي أن تتبلور بيننا علاقات إنسانية وشخصية".
يسترجع القاسم موقفًا شخصيًا، وسياسيًا في نفس الوقت، حدث بينه وبين كانيوك، فقد أحبته إحدي الكاتبات التي كان كانيوك قد تعلق بها، ولكنها اختارت القاسم بالتحديد، وفي إحدي جلساتهما المشتركة بمقهي "كسيت"، قال كانيوك للقاسم "أعد لي ما أخذته مني"، فما كان من الأخير إلا أن رد عليه، في إشارة سياسية واضحة ل"الأرض": " أخي يورام، أعد لي أنت ما أخذته مني، وسأعيد لك ما أخذته منك".
أي عربي يهاجمني هو إنسان مشكوك فيه
قليلًا ما هوجم القاسم عربيًا بسبب إيمانه بالتعايش بين العرب واليهود. قوطع ولكن قليلًا ما هوجم. فقط في
عام 2009، نشر الشاعر الفلسطيني الشاب نجوان درويش في صحيفة "الأخبار" مقالًا بعنوان "سميح القاسم.. حُمّي الأسْرلة"، هاجم فيه القاسم لمشاركته في مهرجان للشعر الإسرائيلي تنظمه "جمعية هاليكون لرعاية الشعر في إسرائيل". وقتها أجرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" حوارًا قصيرًا مع القاسم رد فيه الأخير بعصبية شديدة:
"دعمت وسأواصل دعم الحوار. سأكون دائمًا جزءًا حيويًا من الحوار اليهودي العربي والإسرائيلي الفلسطيني من أجل السلام وبهدف وضع حد للاحتلال، للعنصرية ولمعاناة الشعبين علي حد سواء. هذا طريقي ولن يخيفني مرتزقة السلاح أو الأقلام الذين يسترزقون من مصادر مريبة. في كل الشرق الأوسط هناك عناصر لا تريد الوصول للسلام في البلد وفي المنطقة".
سألته المحاورة، ميراڤ يوديليفيتش آنذاك: "هل تشك أن الكاتب مرتزقًا"؟ فأجاب: "أكيد. في رأيي هو ضحية لعناصر تهاجمني هنا في إسرائيل. أي عربي يهاجمني، سواء كان هنا أو في العالم، هو إنسان مشكوك فيه، عدو لشعبه، كاره للحرية والسلام والتقدم. ليس هناك ولم يكن هناك متحدث عن الشعب الفلسطيني يعبر عن نبض الإنسان العربي باستقامة وبصدق أكثر إخلاصًا مني. لم أحظ عبثًا بألقاب مثل (شاعر الأمة العربية)، (الشاعر المقدس)، و(سيد الألف بيت). مكانتي في الأمة العربية قوية وأي عميل أجنبي، مريب وهجين، لا يمكنه أن يهزني".
حل الدولتين
بعد وفاته، اختارت صحيفة "معاريڤ" الإسرائيلية، أن تقارب القاسم من ناحية إنسانية، فتحدثت مع ابنه "وطن"، ومع ابن عمه "نبيه". من هذا الحوار يمكننا معرفة شيء عن رؤية سميح لنفسه، فعلي الرغم من ارتباط اسمه بالقضية الفلسطينية، إلا أنه كان يغضب عندما يصفه أحدهم ب"الشاعر الفلسطيني، وكان يرد "أنا شاعر جميع الشعوب". هذا ما يحكيه نبيه القاسم لمعاريفف، ويضيف: "كانت لديه قصائد إنسانية، ولكن للأسف ففي البلاد لم يتعاملوا مع اللغة العربية ولا مع ثقافتها، والآن يظهر قانون في الكنيست تصبح فيه العربية بموجبه لغة غير رسمية. لو مر القانون، فسنصل لنهاية العالم".
لا يتجاهل نبيه الشأن الدرزي. لديه ادعاءاته ضد إسرائيل من هذه الناحية، وادعاءاته، علي نفس طريقة سميح، كانت "سياسية" هي الأخري، أي تحاول الوصول لمنطق مشترك بين الفلسطيني والإسرائيلي. يقول لمعاريڤ : "خطؤكم الأكبر هو أنكم تعتقدون أن الدروز ملتزمون تجاه الدولة بشكل تلقائي.. ولكنكم، كما فعلتم مع المتعاونين ومع جيش لبنان الجنوبي، تستغلونهم وترمونهم. سميح كتب الكثير عن هذا الموضوع".
كان القاسم عضوًا في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والذي يؤمن بحل الدولتين لشعبين، وعندما انهارت الشيوعية ظل وفيًا لقيمها. وحتي اليوم يوجد في صالون بيته تمثال صغير ل"لينين"، بحسب ما تحكي معاريف. يقول وطن: "هاجموه لأنه يؤمن بالتعايش وبدولتين لشعبين. المتطرفون قالوا له (أنت تُسَمّي شاعر المقاومة. ولكن كيف تؤمن بالسلام مع اليهود؟)
ظل حل "الدولة الواحدة" مطروحًا علي الدوام، دولة واحدة وديمقراطية يعيش فيها اليهود والعرب بدون تمييز، طُرح منذ أربعينيات القرن الماضي ولم يتوقف طرحه حتي الآن. لماذا لم يؤمن به سميح؟ يبدو أن انخراطه في المسار السياسي جعله أكثر ميلًا لأن يكون "مقنًعا" لليهود، لكي يحظي ببعض القبول الذي حُرم منه عربيًا بوصفه "مواطنًا إسرائيليًا". في حواره إذاعي مع "2faceradio" الإسرائيلي، يقول للمحاورة إن اليهود لم يرسموا خريطة بلاده، ولا العرب رسموها، وإنما جلس الإنجليزي سايكس مع الفرنسي بيكو وقررا تقسيم بلاده. هكذا لا تعود للصهيونية دور في رسم الخريطة، ولا للتنظيمات الصهيونية المسلحة، ولا للتهجير. فقط "الأغراب" هم من قرروا لنا مصيرنا "أنا وأنتِ".
قصة النكبة هي من أكثر القصص حساسية داخل إسرائيل. بسهولة تامة يمكن معارضة الاحتلال عندما يكون المقصود غزة والضفة الغربية، ولكن بداية القصة نفسها، ما حدث في عام 1948، هو أمر شبه مسكوت عنه إسرائيليًا. رغم هذا، استطاع بعض اليهود والعرب فعلها. تحدث المؤرخون الجدد، ومنهم إيلان بابيه وآفي شلايم، بدون حساسية عن هذا. هاجر بعض اليهود من إسرائيل احتجاجًا علي سياستها. أما القاسم فقد اختار الانخراط في السياسة، مثلما فعل من قبله إميل حبيبي. عبر عن موقف مقاوم ولكن عبر مسارات السياسة الإسرائيلية. و"الإنسانية" كانت مدخله إلي هذا، كأنه يحاول نفي الجزء "الفلسطيني" و"القومي" من شعره.
الجنود الإسرائيليون يستحقون سماع القصائد
كانت نبرة سميح القاسم نبرة "متعقلة" حريصة علي مخاطبة "العدو"، وإقناعه بعدالة قضيتها عن طريق إقناعه بعدالة قضيته هو، وعدم استثناء شيء من "إنسانيتها"، حتي الجنود الإسرائيليين. كانت نبرته في مخاطبة الإسرائيليين نبرة "سياسية" تمامًا.
في حواره مع موقع "2faceradio" يحكي القاسم عن مصادرة إسرائيل للبستان في بيت طفولته. ولكنه يبدو أكثر تصالحًا الآن. يجمع بين اليهود والعرب في كل جملة، مثلًا، في جملة سريعة: "لا أسمح لليهود أن يكونوا عنصريين تجاهي ولا للعرب أن يكونوا عنصريين ضد اليهود". وعندما تسأله المحاورة عن المقارنة بين الألم اليهودي والألم الفلسطيني يقول: "لا أحد يحتكر الألم. كل واحد له ألمه. هناك الكثير من الألم الإنساني. الفلسطينيون والإسرائيليون، العرب واليهود، كل واحد له ألمه. »هناك«الكثير من الألم.. يعيش هنا خمسة ملايين يهودي ومثلهم من الفلسطينيين. لا يمكن رمي اليهود ليعودوا لبلدانهم الأصلية. ليس هناك طائرات وسفن كفاية. وليس هناك احتمال أيضًا ان نضع الفلسطينيين في أوتوبيس ونقول لهم باي باي. ليس هناك أوتوبيسات كفاية... هذا حل غير منطقي ولا إنساني".
لا يستثني القاسم من إنسانيته الجنود الإسرائيليين. يختتم هذه الفقرة بالقول: "قبل عدة أشهر قرأت قصائد في "مشكانوت شأننيم" بالقدس وجاء عدة جنود يهود في ملابسهم الرسمية وجلسوا في الصف الاول والثالث.. وصفقوا لي. وجاؤوا للحوار معي بعد هذا. أي أفكار خطرت علي بالي؟ »هل هي« هناك جندي يبغي قتلي، جندي يهودي إسرائيلي، جندي احتلال ينبغي قتله! »لا«قلت يستحق هؤلاء الجنود أيضاً أن يسمعوا الشعر أيضًا، ليس فقط الموت، حرروهم من مهمة الموت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.