مصحح كل شىء والدنىا اثناء عمله الىومى رأينا أن نرفع الحجب عن نفر ممن لايظهرون علي صفحات الجرائد، وفي مقدمة هؤلاء المصحح الذي يفني في عمله ولايبدو للقراء أبدا وقد أردنا أن نقدم للجمهور مقالا عن التصحيح والمصححين تعهدنا في كتابته إلي مصحح »كل شيء والدنيا« وتركنا له الحرية التامة في التعبير عن آرائه والدفاع عن مهنته. الصحافة بين عهدين كانت الصحافة في أوائل هذا القرن ميدانا تتباري فيه أقلام كبار الكتاب وقرائح فحول الشعراء، ممن كانوا يجمعون بين بلاغة المعني، وفصاحة المبني ذلك لأن الواحد منهم كان لايقدم علي تعاطي الكتابة إلا بعد أن يستوعب أبواب اللغة العربية، ويلم إلماما تاما بنحوها وصرفها، ويحيط علما بدقائقها وخصائصها لعلمه أن منزلة اللغة من الكتابة كمنزلة النبع من الماء، والشمس من الضياء. وكانوا يتمثلون بقول القائل: »من ألف، فقد استهدف« وكثيرا ماكانوا يتداولون فيما بينهم قول أبي سهل الصوفي: »من تصدر قبل أوانه فقد تصدي لهوانه« وناهيك بميدان كانت تتنافس فيه أقلام أولئك الأدباء الأجلاء. والحق يقال لقد ساعدتهم بيئتهم علي تسنم غارب الزعامة الأدبية، لأن بعضهم كان قد تخرج في الأزهر أو دار العلوم، والبعض الآخر تتلمذ لجمال الدين الأفغاني أو الاستاذ الأمام الشيخ محمد عبده، وهناك أدباء أبت عليهم هممهم العالية أن يقفوا عند مفترق الطرق دون هؤلاء أو أولئك فراحوا ينضون الليل بين لجج الكتب والدفاتر، ويرشفون رحيق العلوم من سلاف الاقلام والمحابر، حتي إذا ألقت إليهم البلاغة بمقاليدها وسلمت لهم الفصاحة زمامها، جاءوا بوشي الزهر ويتيمة الدر. أضف إلي ماتقدم رغد العيش في أيامهم، ورخص مطالب الحياة علي قلتها، وغير ذلك من ممهدات التفوق والنبوغ، وكانت الصحف صغيرة الحجم قليلة المادة وكان يعاون محرري الجريدة أو المجلة كثير من الكتاب المتطوعين ولذلك كان المحرر يرهف شباة يراعه وقد وجد مجال القول ذا سعة للاجادة والاتقان، دون أن يتعثر في خطأ لغوي، أو لحن نحوي ولم يكن الواحد منهم يعتمد علي تصحيح مصحح بل كان اعتماده علي سعة علمة وغزارة فضله، وماوعته حافظته من شوارد اللغة وأوابدها وإلا فأين هو ذلك المصحح الذي كان يستطيع أن يصحح كلمة واحدة لكاتب منهم، وكلهم فارس مضمار، وجهينة أخبار؟ أما الآن فقد تغيرت الحال بتغير البيئة ومقتضيات العصر. وعليه فقد انتظم في التحرير كتاب كان تثقيفهم أوربيا بحتا، والذين تثقفوا منهم في مصر أرغمتهم مناهج التعليم علي إغفال اللغة العربية والاستزادة من اللغات الاجنبية. المصححون أدرك مديرو الصحف جميع ما أسلفناء فرأوا أن يستعينوا بالمصححين علي تنقيح صحفهم وتهذيبها. ومن هنا تغير مركز المصحح، فبعد أن كان عمله مقصورا علي الخطأ المطبعي، أصبح في نظر الجميع رجلا مفروضا فيه أنه تخصص في علوم اللغة العربية، وتعمق في آدابها، ووقف حياته علي مطولاتها ومعاجمها. ويجب أيضا أن يكون بصيرا بالاساليب الصحافية، خبيرا بمواضع الإسهاب والايجاز، دقيقا في وضع علامات الوقف وفواصل الكلام، وذلك لكي يشرف علي تنقيح الجريدة أوالمجلة ويهذبها من جميع الوجوه اللغوية والنحوية والصرفية وعليه أن يغير الجمل والتراكيب الضعيفة فيضع من عنده جملا وتراكيب أخري تؤدي المعني المراد بأسلوب رشيق وعبارة فصيحة. هذا هو المفروض في المصحح في نظر مديري الصحف، وعندي أنهم قد عرفوا شيئا وغابت عنهم أشياء، فقد يترجم المحرر موضوعا جغرافيا أو تاريخيا بعيدا عن دائرة معلوماته، أو لم يسبق له درسه ومعرفة اصطلاحاته العلمية، فتأتي مقالته مفككة الأوصال لا معني لها فاذا كان المصحح ملما بالجغرافيا والتاريخ ومباديء العلوم الطبيعية والاقتصادية مع رسوخ قدمه في اللغة العربية استطاع أن يؤدي وظيفته علي أحسن وجه وأن يخدم لصحافة والعلم خدمة صحيحة. مثال ذلك أن أحد محرري الهلال كتب مقالة في موضوع فلكي، فاعترضته كلمتا ORION وANDROMEDA فكتبهما هكذا ANDROMEDA أندرومدا و»ORION أوريون« فأفهمته أن الأولي معناها »المرأة المسلسلة« وقد عرفها فلكيو العرب وعينوا موقعها في السماء، والثانية معناها »سيف الجبار« وقد كشفه مرقب »تلسكوب« جاليليو ولكنه لم يقتنع بصحة ماذهبت إليه إلا بعد أن كشف عنهما في القاموس. مثال آخر: كتب أحد محرري»كل شيء« مقالا في الحركة النسوية واختلاف الفصول والحركة اليومية وميل المحور وسبب هذا الميل والاعتدالين والانقلابين فلم أقرأ أربعة أسطر من المقالة حتي أدركت أن المحرر لم يسبق له درس موضوعه، فصححت ماعن لي تصحيحه وكأني كتبت المقالة من جديد ولو شئت لأوردت كثيرا من الأمثلة هذان نموذجان مما يعترضنا في أعمالنا اليومية ومن ذلك يتضح أن عمل المصحح غيرمايظنه الناس وهو زيادة علي ماتقدم يجب أن يكون صبورا علي العمل حذرا حريصا دقيقا منبها لكل صغيرة وكبيرة من دقائق عمله، لايكل ولايمل، وقد يضطر تحت ضغط العمل المستمر الي الحرمان من تناول غذائه. ويجمل بنا بعدما تقدم أن نأتي للقراء ببعض أمثلة من أنواع الخطأ. أنواع الخطأ 1 - خطأ التعبير: وهو كقول الاستاذ خيري سعيد: » التواءات نفوس الأطفال، وقد (التوي) علي الغرض الذي يري إليه، و»التوي« فيه أيضا نظري وقلم وشعوري، وعلي ماأظن والله أعلم بغيبه وأحكم أنه يريد أن يقول: »اعوجاج نفوس الاطفال«. 2 0 الخطأ اللغوي والخطأ النحوي: وهو كقول الاستاذ حبيب جاماتي: »عهد إلي هذا القائد الباسل بقيادة الجيش، وكقول استاذ آخر: »عهد الي جلوريا سوانسون بتمثيل دور البطولة، فكأن هناك »معاهدة« بين الاستاذين علي هذا الخطأ و الصواب كما لايخفي: »عهد إليه في..« ويقول بعض الأساتذة: »هذا الشيء يوازي ثمنه ألف جنيه« والصواب: » يساوي ثمنه« ويقولون أيضا:»لايكلمه قط« ولكن فاتهم أن قط طرف زمان لاستغراق الماضي وتختص بالنفي هذا يعطي ماعن لي إيراده تمثيلا لهذا النوع من الخطأ وفي »الجراب« كثير منه 3 - الخطأ المطبعي: أما الخطأ المطبعي ففيه ضحك وفيه فكاهة فمن ذلك أن دولة الرئيس الجليل عاد مرة من الاسكندرية الي القاهرة وأخذ المحرر يصف الرحلة الي أن قال : »وما بلغ دولته بيت الأمة حتي علا التهليل« ولكن شاء الخطأ المطبعي أن تكون الجملة هكذا: » وما بلغ بيت الأمة حتي علا الصهيل« وكان أحد المثالين قد صنع تمثالا نصفيا لسعد باشا، وأراد أن يقدمه لدولته أمام الجماهير التي كانت تفد علي بيت الأمة فوصف أحد المحررين هذا العرض فقال: ولما عرضه أمام الجمهور..« فأبي الخطأ المطبعي إلا أن تكون الجملة»ولما عضه أمام الجمهور« ودعي أحد أعيان الريف إلي مأدبة وكان أكولا، وأراد أحد المحررين أن يتهكم به في أثناء وصف المأدبة ويقول: ثم هيأ اللقمة و وابتلعها فجاءت جملته هكذا » ثم هيأ العمة وابتلعها والظريف في الموضوع أن هذا العين كان معمما. وكان أحد النقاد يصف إحدي روايات » رعاة البقر« في امريكا فأراد أن يقول: » فخطف اللص العجلة وطار« فظهرت جملته هكذا: » فخطف الفجلة وطار« وأراد محرر أن يصف تحفز أحد مصارعينا للوثوب بقوله: »ثم تحفز للوثوب« فكان وصفه هكذا: ثم تقعمز للوثوب« هذا بعض ماوسعه المقام من نوادر الخطأ المطبعي والموضوع مترامي الاطراف كثير الشعاب، ولعل الفرصة تسعدنا بالعودة اليه مرة أخري