مشكلة «الأخطاء اللغوية» في الكتب المطبوعة فرضت نفسها مؤخرًا علي الساحة الأدبية والثقافية، البعض ألقي مسئوليتها علي الكاتب، بينما ألقي البعض الآخر المسئولية علي دور النشر التي أصبحت تهتم بالأرباح علي حساب الجودة سواء في الطباعة أو مستوي المادة المؤلفة أو حتي نوعية المطبوعة وتتجاهل الاستعانة بمراجعين أو مصححين لمراجعة العمل.. وضعنا المشكلة أمام المتخصصين في هذا التحقيق بحثا علي حل! يقول الدكتور عبد المنعم تليمة: المسئول الأول عن هذه الأخطاء بالفعل هو الكاتب، فعليه متابعة عمله في المطبعة، حتي يري النور، وأنا كناقد أعول الخطأ في النهاية علي صاحبه، والكاتب الذي يحتاج إلي مصحح "كاتب علي قد حاله"، ومعظم كتاب هذا الجيل يحتاجون إلي تعلم اللغة والنحو والنص، إلي أن يصل إلي المتلقي مسئولية صاحبه، ومع هذا فليست الأخطاء اللغوية سببا في استبعاد النص من المسابقات، فلا يوجد نص في العالم لا يخلو من أخطاء، لكن علي ألا تكون هذه الأخطاء سمة رئيسية في النص. بينما يوضح الدكتور حسين حمودة، المسئول عن النشر بالمجلس الأعلي للثقافة، أنواع الأخطاء اللغوية فيقول: هناك أنواع متعددة من الأخطاء اللغوية، فهناك الأخطاء الطباعية، وهذا النوع يجب تداركه وتصحيحه، وأعتقد أن هذه مسئولية الناشرين، وهناك نوع آخر يقع فيه الكاتب بشكل أساسي، وهذا أيضا يمكن تداركه، ولكنها مسئولية الكاتب نفسه، وهناك نوع ثالث من الأخطاء هي ما نسميها بالأخطاء الشائعة، وبعض هذه الأخطاء انتشرت وشاعت بحيث أصبحت جزءا من اللغة بشكل جماعي، وأتصور أنه يمكن النظر إليها من وجهة نظر أخري، لا تراها أخطاء، ولكن تتعامل معها باعتبارها "جزءا من الاتفاق اللغوي الجماعي"، بمعني أنها لا تسبب أي التباس أو ارتباك في توصيل المعني، ولا في تلقيه من قبل القراء، لكننا ننتظر سنوات طويلة إلي أن يوافق مجمع اللغة العربية علي بعض هذه الأخطاء الشائعة، وأن يراها جزءا من الاستخدام اللغوي الصحيح. ويجب أن ننظر إليها بشيء من اتساع الأفق، وألا نتزمت كثيرا في التعامل مع هذا النوع من الأخطاء الشائعة. وعن الأخطاء التي تواجه القراء في مطبوعات المؤسسات الحكومية وتحديدا المجلس الأعلي للثقافة قال حمودة: أعتقد أن لدينا مجموعة من المصححين الأكفاء، ونحن نحاول أن نقوم الآن بمراجعات أكثر دقة فشهادات مؤهلات المصححين ليست كافية في أن نوكل إليهم بمثل هذه المهام، وإنما الخبرة والتجربة وحدهما تثبتان كفاءتهم. يري الدكتور صلاح رزق أن السبب الحقيقي وراء ما نراه من كم الأخطاء اللغوية المنتشرة في كتبنا ومطبوعاتنا هي اللا مبالاة المصرية وعدم الاكتراث بالشاذ والميل لما هو سائد بغض النظر عن طبيعته وصحته. وعن دور مجمع اللغة العربية، الذي يواجه اتهاما بالتزمت قال رزق: المجمع متسامح جدا ومتساهل إلي أقصي الدرجات بخصوص إدخال كلمات جديدة، واستحداث الفاظ جديدة الي اللغة العربية . واضاف ورغم كل ذلك فالكاتب نفسه يجب ان يكون قارئا اولا حتي يلاحظ الخطأ من الصواب وهذا ايضا احد اسباب ما نواجهه من اخطاء رهيبة ومهينة للغة العربية فلو كان كتابنا قراء جيدين اولا لأصبحوا كتابا جيدين ايضا لان الذاكرة الفوتوغرافية ستعمل لديه عمل الالة التي تنتقي الخطأ من الصواب فحتي ان لم يعرف لماذا هي خطأ سيعرف انها كلمة خاطئة لمجرد تعوده علي رؤية الصحيح وهذا ما لانجده. اضافة الي مشاكل المدارس المصرية مع معلميها قليلي الخبرة والحيلة والابداع ومع طلابها الذين يتم اكراههم علي دراسة اللغة دون احساس او فهم وليس حثهم علي حبها والبحث في اغوارها. كما ان بعض دور النشر الان تعدل الصواب وتجعله خطأ كما حدث معي في احدي هذه الدور وقد كتبت كلمة عثرات فجعلوها عسرات. اما ما يحدث في المؤسسات الحكومية من اخطاء لغوية فلا اسميه سوي اهمال فادح وعدم احساس بالمسئولية. الكاتب مكاوي سعيد صاحب دار الدار يعتقد انها مشكلة تضامنية ما بين المبدع ودار النشر فلابد ان يكون للدار الواحدة اكثر من مصحح واكثر من مراجع لغوي حتي تتجنب الوقوع في براثن الاخطاء اللغوية التي نراها كل يوم. مع هذا فلا نهمش دور المبدع الذي ربما يكون تخاذلاً في الاهتمام بعمله ومراجعته بنفسه وربما كما يحدث في كثير من الاحيان ان يكون قد تعجل النشر بشكل اضر بعمله لغويا. وفي رده علي من يرون ان الدار تنشر كتبا بها نسبة اخطاء كبيرة قال ان هذا غير صحيح لان الدار لديها مراجعون ومصححون عديدون كلهم اكفاء واذا حدث ذلك فربما يكون بسبب الكاتب الذي يريد نشر كتابه باقل ميزانية ممكنة فيأتي هو بمصحح لنفسه ويكون قليل الخبرة كما يأتي بغلاف عمله من احد اصدقائه رغم ان الكاتب الحقيقي يجب ان يمتلك ادواته اللغوية جيدا بعيدا عن احتياجه للمصححين. يقوم الشاعر شعبان يوسف بمناقشة العشرات من الأعمال الإبداعية بورشة الزيتون، وكثيرا ما ينتقد وجود أخطاء لغوية ونحوية في الأعمال محل المناقشة، ويؤكد يوسف: معظم دور النشر المصرية لا تلتفت إلي اللغة من حيث النحو والأسلوب ومن حيث الطباعة، واستطيع بشكل مطلق أن استثني دار "شرقيات"، لأني أري بعيني مدير الدار يجهد نفسه بشكل كبير في مراجعة العمل، وأحيانا يقترح علي الكاتب نفسه العناوين، والحذف والإضافة، لكن للأسف معظم دور النشر لا تقوم بهذا الدور". وأكد يوسف قائلا: "لقد أصبح الناشر تاجرا وليس مشغولا بإنتاج كتاب سليم في اللغة، ولكنه عايز يعمل عددا كبيرا من الكتب والعناوين بعدد قليل جدا أو معدوم من العمالة الفنية، كما أن معظم الناشرين ليس لديهم محرر (editor) والشعر هو الوحيد الذي ينجو من تلك المسألة، لكن الباقي كله فيه أخطاء بشعة قد تصل لحوالي 30% من العمل مليء بالأخطاء. وتابع: الأخطاء اللغوية مسئولية الناشر، لأن الكاتب ليس شرطا أن يكون عالما في اللغة، لكن الفضيحة أن يكون هناك ناشر مثقف وتصدر عن دار نشره كتب بها أخطاء لغوية، ويري شعبان يوسف أن هناك مبررا آخر للسقوط في الأخطاء اللغوية والنحوية، هو استعجال دار النشر في إصدار الأعمال من أجل اللحاق بها في التقديم للجوائز الأدبية، وأقول لك أن هناك ناشرا، أصدر رواية لزوجته، وقد كتبت ونشرت هذه الرواية خلال 55 يوما من أجل التقدم بها إلي جائزة "البوكر"، وكان بها أكثر من 50 خطأ. وقال الجميلي شحاتة مدير دار "وعد" للنشر: في بداية عمل الدار كانت هناك أخطاء لغوية بالكتب، نظرا لأننا كنا نعتمد علي الكاتب، وقد اكتشفنا فشل تلك الفكرة، فاستعنا بالشاعر أشرف البولاقي كمصحح لغوي، وهو شاعر متمكن "لا يوجد خطأ يعدي من تحت إيده"، وهو يستطيع أن يلاحق علي شغل الدار، حيث يصدر من العمل الواحد 4 بروفات". وأكد شحاتة أن هناك نوعين من الأخطاء: أخطاء لغوية وهذه تعتبر ضعفا من الكاتب ولا تكون مقبولة، وأخطاء نحوية يمكن قبولها لأنها بالأساس تعتمد علي موهبة الكاتب، وهناك أخطاء مطبعية وإملائية وهذه نتجاوز عنها ونسميها أخطاء جمع.