مع غياب عام وحضور عام جديد لابد لنا من الاجابة عن السؤال الذي يفرض نفسه هنا:2011 هل هوعام الكتاب الورقي أم الكتاب الرقمي ؟ هل مازلنا في عصر الكتاب المطبوع ام في زمن الفارة ببصماتها الرقمية المعرفية الهائلة في القرن الحادي والعشرين ؟ هل مازلنا بين ادبياتنا الأدبية والمعرفية في الثقافة المطبوعة ام تجاوزنا هذا الواقع خاصة مع انتشار المواقع المعرفية والمكتبة الرقمية و مع تزايد سطوة الشبكة العنكبوتية وضراوتها, وسهولة النشر في المدونات والمواقع الإلكترونية المختلفة خاصة وان زمن ويكيليكس يعيد اعادة كتابة الواقع/ التاريخ اليوم ؟؟ اسئلة كثيرة نسعي لاعادة طرحها اليوم علي مثقفينا وكتابنا في شتي تيارات المعرفة.. .. ويبقي السؤال الذي نطرحه علي مثقفينا وكتابنا في نهاية عام2010 وبداية عام..2011 هل كان العام المنقضي-حقا- هو عام الكتاب الرقمي, أم أن الكتاب الورقي لا يزال هوهو سيد الموقف رغم الهزات المتتالية التي تعرض لها؟! في البداية ينفي الناقد الكبير د. محمد عناني غياب الكتاب الورقي فلم يكن عام2010 هي عام الكتاب الرقمي, ولا الأعوام القادمة القادمة أيضا ستكون عام الكتاب الرقمي, لأن الفوضي المصاحبة للكتاب الرقمي وعدم وجود معايير من أي نوع للنشر في الشبكة الإلكترونية خلق جوا من الفوضي أتاح لمن لا يستطيعون الكتابة, أو لمن لديهم أغراض أو توجهات معينة أن يسودوا الصفحات ويحدثوا البلبلة, مثل ما يسمي بمصادر المعلومات الرقمية, فهي مصادر لا مؤلفين لها, ولا تتمتع بمصداقية, لأن كل من لديه مدخل إلي الكمبيوتر يستطيع أن يسهم فيها بغض النظر عن جدارته, ولذلك لا تزال الجامعات العالمية لا تعترف بالمادة الرقمية ما لم تكن منسوبة لمؤلف أثبت مكانته العلمية أو الفكرية أو الأدبية بالكتاب المطبوع. فطالب الدراسات العليا عندما يرجع إلي المصادر الرقمية عن شعرائنا العرب مثلا سيجد معلومات غير دقيقة بعضها خطأ صريح واضح وبعضها مدسوس لأغراض إقليمية أو خاصة بعصبيات ينأي الذوق السليم عنها في هذا الوطن العربي الواحد. إذا تأملت مبيعات بعض الكتب الناجحة هذا العام, ستجد أن الإقبال لا يزال في المقام الأول علي الكتاب المطبوع, وأقول أنه رغم كثرة المادة الرقمية عن الترجمة إلي حد التكاثر المرضي فإن كتابي الصغير بكل تواضع- ز س مطبوع ورقي. ناهيك عن كتب أخري ورقية لأعلام الفكر. ويقول د. وجدي زيد أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة: الكتاب المطبوع أقرب للتناول وأسهل من حيث اصطحابه حيثما نكون, فهناك علاقة حميمة تنشأ بين القاريء والكتاب, ولا أظن أن الكتاب المطبوع سوف يأتي اليوم الذي نجده قد اختفي مهما اتسعت دائرة نشر الكتب الرقمية من خلال الإنترنت. عندما ظهر التلفزيون توقع البعض تراجع دور الإذاعة, وعندما انتشرت القنوات الفضائية اشارت الأبحاث والتقارير الي توقع تراجع نسبة مشاهدة التلفاز, ولكن كل ذلك لم يحدث, فهناك عودة واضحة للإذاعة التي تثري وجدان المستمع. فالإنترنت نوع من الثقافة يشبه إلي حد كبير الأكلات السريعة فلا يمكن مثلا أن أتحمل قراءة رواية كاملة علي الإنترنت, ولا أتذوق قصيدة عبر الشبكة العنكبوتية, فأنا أظن بأن الشكل الفني للقصيدة وهي مطبوعة في كتاب أكثر تأثيرا من كونها علي الإنترنت. ويؤكد ان الكتاب المطبوع سيظل الوسيط والمكون الأصيل لكل ثقافة عميقة وجادة. أما عادل عبد الصمد رئيس تحرير مجلة الهلال فيقول: أن المعرفة الأساسية بأنواعها لا يمكن أن يحصل عليها الإنسان إلا من خلال الكتاب المطبوع, ومع التطور الهائل في وسائل المعرفة, ودخول الشبكة العنكبوتية أو الإنترنت مجال النشر الرقمي فسيظل الكتاب المطبوع يحتل الصدارة, فمن خلاله تستطيع شرائح المجتمع المختلفة- اجتماعيا واقتصاديا متابعة كل ما هو قديم وجديد في العلوم الإنسانية والأعمال الأدبية الغربية منها والعربية, فالكتاب صديق وفي للطفل وللتلميذ وللشاب وللشيخ وأيضا للباحث المتخصص في مجال علمه. وأشار عبد الصمد إلي نجاح فكرة تاكسي المعرفة التي طبقت مؤخرا والتي تعتمد علي مساهمة دور النشر بالعناوين المختلفة للأعمال التي تقوم بطباعتها وتوزيعها وتوزيعها علي سيارات التاكسي, فيقضي الراكب وقته في الإطلاع علي تلك العناوين, وهناك أيضا مشروع القراءة للجميع ومكتبة الأسرة التي نجحت في توفير الكتاب المطبوع بسعر يتناسب مع دخول شرائح المجتمع المختلفة. ويطالب عبد المقصود بأن تقوم مؤسسات الدولة بتنمية الشعور الوجداني نحو الكتاب المطبوع. وهنا يضيف د. بدر الدين خطاب عضو المجالس القومية المتخصصة,: لابد من مناقشة القضية من مختلف جوانبها والتي من أهمها التحديات المستقبلية التي سيواجهها الكتاب الورقي بعد وقت ليس ببعيد, وهناك حقيقة يجب أن نعترف بها وهي أن النشر الإلكتروني استطاع في زمن قصير أن يحطم حواجز الزمان والمكان. وأنا أري أن كل الجهات المسئولة من( أفراد ومؤسسات) عن إنتاج الكتاب ضرورة أن تطور هذه الصناعة بشكل يجذب القارئ إلي الكتاب ويثبته علي عرشه باستحقاق, وهذا يتطلب الاهتمام بالتدريب المستمر للقائمين علي هذه الصناعة ورصد احتياجات المواطنين واهتماماتهم الثقافية والعلمية, وفي النهاية يبقي نشر الكتاب الورقي والنشر الإلكتروني أو الرقمي وجهين لعملة واحدة يكمل كل منهما الآخر ويرتقي به لأن النشر المطبوع له سحره وجمهوره. وتضيف د. نائلة عمارة رئيس قسم الإعلام وكيل كلية الآداب بجامعة حلوان: حتي الآن ما زال الكتاب الورقي متربعا علي عرشه لدي قراءه, فليس من السهل تغيير عادات وأنماط القراءة, فما زال الإحساس بملامسة أوراق الكتاب إلي جانب سهولة التحرك عاملا مؤثرا في ارتباط معظم القراء بالكتاب الورقي. وعلي الرغم من أن جوجل ستطلق موقعا جديدا يحتوي علي مئات الآلاف من الكتب, إلا أننا نجد أن نصيب العالم العربي منها غير واضح, مرورا بأن هناك بعض الكتب التي لن يسمح بقراءتها بموافقة الموقع, ويبدو أن ذلك أيضا بناء علي رغبة كتابها.فعلي الرغم من أن كلا من التليفزيون والراديو كوسيلتين اتصاليتين- قد استفادا بشكل كبير من التقدم التقني, ومن التكنولوجيا الرقمية في عرض البرامج, والاستفادة من الصورة الإلكترونية والتفاعلية الاتصالية, إلا أنه وحتي الآن لم نجد أن الكتاب الإلكتروني قد شهد نفس القدر من الانتشار والاهتمام. وهنا يؤكد خالد أبو بكر مدير النشر بدار العالم العربي: نعم, نحن حقا في زمن الكتاب الرقمي كوعاء معرفي جديد, وهذه هي سنة التطور السارية علي كل شيء في الكون.وللكتاب الرقمي مزايا عدة, منها: أنه سهل الحمل والاستخدام; ولا تعقيد في استعماله علي وجه الإطلاق كبعض النظم المعرفية الأخري. كذلك فهو لا يشغل حيزا مكانيا كبيرا كالكتاب الورقي, ويمكن البحث عن أي جزء فيه واستدعاؤه بسهولة بالغة ودون أي عناء, كما يمكن إذا كان هذا متاحا في برمجته الأصلية أن يطبع كله, أو بعضه, في شكل ورقي إذا شاء مستخدمه, وكذلك فمن الممكن استبدال نسخته الأصلية في حالة تلفها بنسخة أخري مقابل مبلغ مالي زهيد, وذلك علي نحو ما تفعل بعض شركات البرمجيات المصرية. ولك أن تتخيل مثلا أنك تحمل الموسوعة البريطانية التي زاد عدد مجلداتها علي الخمسين في نسختها الورقية, وبلغ سعرها قرابة15 ألف جنيه مصري تحملها بأكملها في هيئة بضعة أقراص مدمجة أو ذاكرة متنقلةflashmemory, ومن ثم يتاح لك استخدامها في أي مكان وزمان.كذلك فلك أن تتخيل أن مرجعا علميا بلغ عدد صفحاته1500 من القطع الكبير, وزاد وزنه علي4 كيلوجرامات بسبب ثقل خامته الورقية, كيف يمكن حمله والاستمتاع بقراءته في مكان كالمواصلات العامة مثلا أو علي الفراش؟.. ولكن إذا جري تحويله إلي شكل رقمي, فمن الممكن قراءته والاستمتاع به من خلال جهاز كمبيوتر محمولlaptop أو جهازIpad. صحيح أن هناك بعض الكتب لن يكون سهلا أو مستساغا تحويلها إلي شكل رقمي, مثل كتب الأطفال, وكتب الإبداع القصصي والشعري, ولكن هذه حالة استثنائية, ولا تمثل مشكلة بأي حال من الأحوال لقلة المنتج منها سنويا. ويبقي أخيرا التأكيد علي وضع اللوائح والقوانين المنظمة والضابطة لإنتاج الكتاب الرقمي بحيث تضمن لكل من المؤلف والناشر حقوقهما دون تعد أو انتقاص, وكذلك يجب أن تتكامل التكنولوجيا الرقمية مع هذا كله بحيث يمكن من خلال برمجة الكتاب نفسه ألا ينسخ من جهاز إلي جهاز, أو يطبع في نسخ ورقية رخيصة, فيضيع من ثم حق المؤلف والناشر وجهدهما في إنتاج الكتاب.. كما يجب وضع قيمة تسعيرية ثابتة ومقبولة يتوازن فيها حق المؤلف وحق الناشر وحق التكلفة الفعلية دون إجحاف بأي حق من هذه الحقوق, وذلك حتي لا يغالي بعض الناشرين كالمعتاد في أسعار كتبهم دون وجه حق, فينصرف عنها القراء, أو يلجأون إلي التحايل علي قراءتها بالتدخل في برمجتها وتزويرها كما يحدث مثلا من قبل الهاكرز أو عباقرة البرمجة, فيبقي الوضع الثقافي علي ما هو عليه وإن تغيرت وسائطه!