قراء الأهرام المخضرمون من الخمسينيات والستينيات يذكرون كيف كان الأهرام نموذجا في ضبط قواعد النحو والصرف والخلو من الأخطاء اللغوية والمطبعية مع بدائية الوسائل المستخدمة في ذلك الوقت بالمقارنة للوسائل العصرية السريعة التي يجري بها حاليا إعداد الصحف. في هذا الجو الذي تعلمت فيه التدقيق في الشولة والنقطة والنقطتين ومناقشة المصححين حول إعراب كلمة, بدأت العمل في الأهرام عام1958 تحت قيادة المعلم( بضم الميم الأولي) والأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل. وكانت أول إضافات الأستاذ إنشاء ما سماه الدسك المركزي إشارة إلي مائدة تصب فيها كل مواد الصحيفة فتكون هناك عيون تراقب وتراجع وتمنع تكرار خبر في مكانين, أما ما يتقرر نشره من أخبار في الصفحة الأولي فهذه لها طقوس مرعية تقتضي تقديم الخبر في الصورة التي تليق بواجهة الصحيفة مضمونا وعنوانا. في هذه المجموعة صحبت الزملاء والأساتذة عبد الحميد سرايا ويوسف صباغ وأحمد نافع ومحمود عبد العزيز وسلامه أحمد سلامه رحمهم الله ومحمد حقي ومكرم محمد أحمد وفهمي هويدي متعهم الله بالصحة والعمر الطويل. وإلي جانبهم واحد من أقدم أساتذة المجموعة الكبار جداهو الأستاذ العظيم كمال نجيب الذي رحل منذ أيام عن96 سنة بعد سنوات من المرض الذي جاء الموت ليريحه منه. لا أذكر أنني رأيت يوما كمال نجيب بغير البدلة الكاملة ورابطة العنق, كما لم أر نموذجا مشابها له في التدقيق في كل كلمة وكل خبر يمر عليه. وكان لايضايقه شيء مثل أن يكتشف خطأ نحويا أو مطبعيا. وفي فورات التجديد والتجدد التي شهدها الأهرام, تطوع الرجل لمراجعة الطبعة الأولي والسهر لتصحيحها بعد طبعها, وقد هالته كمية الأخطاء العديدة التي يجدها. لكن الأسوأ شعوره بأن أحدا لا توجعه مثله تلك الأخطاء. وحاول الرجل إنقاذ مايمكن إنقاذه, لكنه فشل بسبب شعور الاستهانة الذي ساد بالأخطاء التي تقع وتعليقها علي شماعة طرح الجريدة في سوق امتلأت بالصحف المنافسة. وانهزم الرجل فابتعد غير مأسوف عليه, لا نعرف أو نسمع عنه إلي أن جاء خبر رحيله ليذكرنا برفيق عظيم من أهرام كان! [email protected] لمزيد من مقالات صلاح منتصر