اللافتة الخارجية المعلقة علي باب الدخول تقول "جاليري آرت"، لكن "علبة ألوان" ليس مجرد جاليري آرت، وإن كان البعد النظري يطغي علي المكان بأكمله، بلوحاته وديكوراته ومكان جلوس الزوار ورفوف الكتب. "علبة ألوان" مؤسسة ثقافية مستقلة، مؤسسة ثقافية من حيث منتجها ونشاطها، ومستقلة من حيث تقديم مواد تخصهم وتعبر عنهم دون الاستناد علي وزارة الثقافة أو غيرها من الهيئات. ورغم أن المؤسسة أنشئت منذ ما يربو علي عشرة أعوام، إلا أنها لمعت في الفترة الأخيرة، سواء علي مستوي الورش أو العروض المسرحية، أو تنظيم نادي سينما وحفلات غنائية. المكان الصغير الذي يقع في الدور الأرضي بشارع المرعشلي بالزمالك، ويتكون من صالة رحبة وعدة غرف، يعمل في المسرح والسينما والحكي، وعلي تنمية الفنون والتبادل المعرفي والفني. يقول محمد إسماعيل، أحد القائمين علي المشروع، إن الهدف من "علبة ألوان" تنشيط وتغيير الصورة الفنية والثقافية للفنانين المهمشين، وعرض المواهب واستقبال الموهوبين في مجالات فنية وثقافية مختلفة. ويضيف:"من هنا يأتي اسم المكان: تجميع ألوان مختلفة ومتنوعة من الفنون القديمة والحديثة في مكان واحد، بهذه الطريقة يبدو المكان كبيت للموهوبين". المكان اجتذب بالفعل الأصوات الشابة من المبدعين والموهوبين، وعرض أعمالهم الفنية وشاركهم الجمهور من محبي الفنون ومتذوقيها، يقول إسماعيل:"سمعنا واتفرجنا وصفقنا للموهوب قبل النجم". لكن ما التكنيك الذي يدار به المكان؟ يقول:"تكوين شبكة فنية متكاملة من عازفين وموسيقيين ورسامين وأصوات موهوبة وموزعين وكتاب وشعراء وممثلين ومصممين ومخرجين، وبصنع هذه الشبكة يتم العمل وتُنتج الأعمال الفنية والمسرحية". في الخميس من كل أسبوع، هناك حفلة موسيقية، وفي كل ثلاثاء يعمل نادي السينما، بالإضافة إلي ورش العمل الخاصة بالموسيقي والسيناريو والرسم. يقول إسماعيل:"وبدأنا مؤخراً في مشروع باسم القراءة والكتابة، وتضم مجموعة من خمسة أفراد يحدد كل منهم كتاباً يريد قراءته ومناقشته، بذلك، ومن خلال جلستين أسبوعياً، يقرأ كل فرد خمسة كتب ويبدأ النقاش". بالإضافة لهذه الأنشطة، هناك نشاط آخر اسمه "كتابك"، تقوم الفكرة علي تبادل الكتب القديمة بين عدد كبير من القراء، فيما تقوم "علبة ألوان" بالتنسيق بينهم واستخدام جزء من المكان كمخزن لهذه الكتب. يقول إسماعيل إن هناك كتباً نقرأها مرة واحدة ولا نعود لقراءتها، ويتساءل: ما فائدة الاحتفاظ بها علي الرفوف إن لم نعد لقراءتها؟ أليس من الأفضل أن يقوم بقراءتها آخرين لتعم الفائدة وتنتشر المعرفة؟ إسماعيل محق، ولابد أن مشروعاً بهذا الشكل، لو عُمّم، ستكون فوائده كبيرة. لكن أكثر المشروعات لفتاً هو المشروع الإبداعي الذي أطلقوا عليه "المسرح الأعمي". وفيه، يستلم الجمهور عند دخول العرض نظارات سوداء من القماش، بحيث لا يمكنه مشاهدة ما أمامه ولا ما بجواره. يبدأ العرض بعبارة:"مهما صورنالك، خيالك هيرسم أحلي"، وبهذه الفلسفة يبدأ العمل لتكون قوة الخيال هي المسيطرة. وحتي لا يتسرب الملل للمشاهدين-المستمعين، قرر القائمون علي العرض أن تكون مدته 20 دقيقة. يقول محمد إسماعيل إن هذا العرض تم استلهامه من كتاب "أرني الله" للكاتب الراحل توفيق الحكيم، وتدور المسرحية حول إبليس وجبريل. ويضيف:"المسرحية حققت نجاحاً كبيراً في المنصورة، نجاحاً فوق ما كنا نتوقعه". من جانب آخر، أسست "علبة ألوان" مشروعاً بعنوان "اسمع حواديت"، وخصصوا له يوم الجمعة، ويدور علي شكل حلقات عن قصص الأنبياء والرسل والمتمردين والكتب السماوية. ليس بغرض الدعوة أو التبشير، بل محاولة لاستكمال الحكايات الناقصة من مصادر مختلفة بدافع حق المعرفة. ويعتبر المشروع الموسيقي من أبرز ما تقدمه المؤسسة، وفي هذا السياق يقول إسماعيل:"أقمنا حفلات في القاهرةوالمنصورة تحت عنوان مهرجان الحرية"، واستمر لمدة خمسة أيام، بالتوافق مع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الموسيقي. وخلال هذه الأيام تم تقديم 15 فناناً من الأندرجراوند، بالإضافة لفقرة open make المخصصة للمواهب الجديدة. وتم عرضه علي مسرح "علبة ألوان" الصغير. إسماعيل يوضح أن حفلات المنصورة أقيمت عقب انفجارات مديرية الأمن هناك، وحينها كان كل شيء ممنوعاً، فاتجهنا للحاكم العسكري وقررنا نقيم الحفل في ستاد المنصورة. هذا الحفل ضم 90 فناناً من مطربين وأصوات جديدة وموسيقيين ورسامين ومصورين وأصحاب مشغولات يدوية وفنية، بالإضافة لعدد من الشعراء. هذا الحفل الكبير شارك فيه الفنان رامي عصام، وأمجد القهوجي، ومعتز داود، واحمد العتباني، وجنال الباجوري، والطحان، ونور أبو البيه، عمرو غالي، وأدهم سليمان، ومحمد الشبيني، وأسامة الهادي، وعدد كبير من الشعراء والمطربين والمبدعين. الأنشطة الكبيرة التي تقوم بها "علبة ألوان" لابد أن لها جهة ما تمولها، أسأل إسماعيل الذي يؤكد أن المكان لم يتلق أي تمويلات من أي جهة عربية كانت أو أجنبية. إسماعيل يضيف:"نعتمد علي جهودنا الذاتية، وعلي الأرباح التي تعود علينا من تنظيم الحفلات، وهي أرباح لا تهدف لتحقيق ثراء، بل فقط للقدرة علي الاستمرار". أحد القائمين علي المشروع يؤكد أنهم جميعاً لهم أعمال أخري، لكن "علبة ألوان" هو حلمهم الذي يدافعون عنه.