افتتاح ورشة العمل الإقليمية للبنك الدولي لإعداد تقرير الأمن الغذائي والتغذية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا    "بحوث الصحراء" يواصل تقديم الدعم الفني والإرشادي لمزارعي سيناء    لابيد يدعو واشنطن للانضمام إلى العدوان الإسرائيلي على إيران    وصول أول طائرتين تقلان إسرائيليين كانوا عالقين في الخارج إلى تل أبيب    محمد صلاح مهدد بالغياب عن 7 مباريات مع ليفربول    عاطل تخصص في سرقة العقارات تحت الإنشاء بالقطامية.. والنيابة تحقق    لقاءات توعوية وورش ضمن الأنشطة الصيفية بالمناطق الجديدة الآمنة بالإسكندرية    قصور الثقافة تواصل برنامج مصر جميلة لتنمية المواهب بمدينة أبو سمبل    محافظ الدقهلية: 1224 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية ب37 درافيل مركز بلقاس    تنسيق الثانوية العامة 2025.. تعرف على مؤشرات القبول    حكم ضمان ما تلف فى يد الوكيل من أمانة.. دار الإفتاء تجيب    السجن 7 سنوات لبلطجي في قنا سرق طفلان تحت تهديد السلاح    دمياط تستعد لانطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    تعرف على جدول مباريات مانشستر سيتى فى الدورى الإنجليزى موسم 2025 - 26    هيئة الرقابة النووية: مصر آمنة إشعاعيًا.. ولا مؤشرات لأي خطر نووي    "شرط غير قانوني".. مفاجأة مدوية حول فشل انتقال زيزو ل نيوم السعودي    "تأجيل مفاجئ لصفقات الزمالك".. الغندور يكشف التفاصيل    شوبير يكشف حقيقة مفاوضات نادٍ أمريكي مع مهاجم الأهلي وسام أبوعلي    «أبرزهم بيرسي تاو».. شوبير يؤكد مفاوضات الزمالك مع ثلاثي أهلاوي    توقيع مذكرة تفاهم بين اتحاد الغرف السياحية وسياحة حلوان لتأهيل الخريجين    خلال حملات أمنية.. ضبط 14 مركزًا غير مرخّص لعلاج الإدمان في 3 محافظات    لطلاب الثانوية العامة 2025.. ننشر «pdf» مراجعة ليلة امتحان اللغة العربية    بدء جلسة محاكمة المتهمين فى واقعة سفاح المعمورة بتهمة التهديد مقابل مبالغ مالية    تركيب رادارات ولوحات إرشادية لتقنين السرعات بطريق دائرى المنصورة    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة ببداية جلسة الأربعاء    المصرف المتحد ضمن قائمة فوربس لأقوى 50 شركة في مصر خلال 2025    مش بس نور الشريف.. حافظ أمين عاش بمنزل السيدة زينب المنهار بالدور الأرضى    الرقابة المالية تصدر قواعد قيد ومزاولة نشاط الوساطة التأمينية    أمين الفتوى: الأمانات بين الناس لا تسقط بالوفاة ويجب أداؤها لأصحابها أو لورثتهم    رسميًّا.. ضوابط جديدة للمدارس الخاصة والدولية بشأن توزيع الكتب    إدراج 27 جامعة مصرية ضمن أفضل الجامعات العالمية ضمن تصنيف «U.S. News» ل2025–2026    طلاب تجارة عين شمس يحصدون منحة "إيفل" الفرنسية للتميز الأكاديمي    في ظهور إنزاجي الأول.. التشكيل المتوقع للهلال لمواجهة ريال مدريد بمونديال الأندية    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    بقيمة 5 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية لمافيا الاتجار في الدولار    ضبط 14 مركزا لعلاج الإدمان بدون ترخيص    جامعة كفرالشيخ ال 518 عالميًا في تصنيف «يو إس نيوز» الأمريكي لعام 2025    الصحة: إصدار أكثر من 18 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال 5 سنوات    سفير إيران لدى الأمم المتحدة: سنرد على أى عدوان إسرائيلى دون ضبط للنفس    الطقس اليوم.. مائل للحرارة نهارا وشبورة كثيفة صباحا والعظمى بالقاهرة 33    بحضور رئيس جامعة حلوان.. رسالة علمية عن "منير كنعان" بمجمع الفنون والثقافة    ارتفاع أسعار الذهب وسط ترقب قرار الفيدرالي الأمريكي    المعركة بدأت.. ومفاجأة كبرى للعالم| إيران تعلن تصعيد جديد ضد إسرائيل    قصة ومواعيد وقنوات عرض مسلسل «فات الميعاد» بعد تصدره التريند    طريقة عمل الحجازية، أسهل تحلية إسكندرانية وبأقل التكاليف    السلطات الإيرانية تمدد إغلاق الأجواء في البلاد    الرئيس الإماراتي يُعرب لنظيره الإيراني عن تضامن بلاده مع طهران    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    مقاومة متواصلة ضد الاحتلال .. القسام تدمر ناقلتي جند وسرايا القدس تسقط طائرة مسيرة    مينا مسعود: السقا نمبر وان في الأكشن بالنسبة لي مش توم كروز (فيديو)    الكشف المبكر ضروري لتفادي التليف.. ما علامات الكبد الدهني؟    جاكلين عازر تهنئ الأنبا إيلاريون بمناسبة تجليسه أسقفا لإيبارشية البحيرة    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    ألونسو: مواجهة الهلال صعبة.. وريال مدريد مرشح للتتويج باللقب    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    جدال مع زميل عمل.. حظ برج الدلو اليوم 18 يونيو    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    فضل صيام رأس السنة الهجرية 2025.. الإفتاء توضح الحكم والدعاء المستحب لبداية العام الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليس للغريب من يراسله
نشر في أخبار الأدب يوم 10 - 07 - 2010

حملت المظروف، وخرجت في طريقي الي مكتب البريد، يبدو أنني يومها كنت في المنصورة، جالسا في ذلك المقهي الذي يطل علي ميدان الساعة، أبص علي تمثال أم كلثوم، وأنتظر صديقا قديما يسكن في حي توريل، سوف يمر علي في المقهي، نتحدث عن فكرة السفر خارج مصر، وعن الترتيبات كلها، عندما أقول في النهاية إنني صرفت نظر عن الفكرة كلها، سوف يصرخ في وجهي.
ربما في القاهرة حدث ذلك، في الحقيقة أشعر أنني يومها كنت في دمياط، لأنني كنت أشم ذلك العطن الذي يجيء من ناحية النهر. وكنت مصوبا نظري طيلة الحوار تجاه تلك المبولة التي في المقهي، وعندما تحدث مذيع الراديو عن ارتفاع عدد قتلي انفلونزا الطيور، نظر نحو جرسون المقهي وقال:
- كله كذب.
كنت أشرب الينسون، وأركز بصري علي المارة في الطريق، وحاولت أن أمشي نحو مكتب البريد، كان الله في السماء، لابد، و كنت أنا أمشي فوق الأرض، دبيب خطوتي ثقيلة، تمنيت كثيرا أن يجيء اليوم الذي نمشي فيه في الشوارع حفاة، كان صاحبي قد حدثني عن حذاء أبومازن الفلسطيني الذي ثمنه آلاف الدولارات، وقلت له:
- أنا لا أفهم كيف يرتدي أحدهم حذاء ثمنه هكذا بينما يخرج من مؤخرته خراء كل يوم. وجادلني صاحبي، وظللت أحاول اقناعه نصف الساعة، أن الحذاء لن يقضي علي اقتناعي بأن هناك خراء ما ينبعث من نفس الشخص، وقلت في نفسي إنني أفتقد مشاهدة فيلم كوميدي أو مسرحية لنجاح الموجي، توقفت عند بائع الصحف، واشتريت مجلة زهرة الخليج، ومجلة العربي الكويتية، وعدة صحف يومية، يبدو أنني اشتريتها من أحمد أمين، بائع الصحف هذا الذي فرشه بجوار استاد المنصورة، ويبدو أنه حدثني عن عضويته في حزب الكرامة وأنه علي علاقة بحمدين صباحي، ربما اشتريتها من شارع فاطمة رشدي في العمرانية بالجيزة، بجوار أكاديمية الفنون، سخرت من حماقتي لأنني أشتري زهرة الخليج وفي الغالب لا أقرؤها، كنت أشتريها كي أحل تلك المسابقة الشهرية، التي لم أحلها أبدا، ولم أرسل مظروفا بإجابات أبدا.
وتذكرت وأنا سائر في الطريق أنني مرة ذهبت الي بيت احداهن، وكان بجيبي مبلغ من المال، وسهرنا حتي بعد منتصف الليل، ثم نمنا معا، ثم تزوجتها بعد ساعتين من نومنا معا، فقد كان المأذون جارها، وحاولت أن أتذكر جيدا سبب ما فعلته ليلتها، لكنني فشلت في التذكر، وتمنيت لو أنني عدت إلي البيت واستحممت، يبدو أننا يومها دفعنا للمأذون مائتي جنيه فقط، ويبدو أنني ليلتها نمت معها أربع مرات علي التوالي، ويبدو أنها قالت إنني كنت رائعا يومها، لابد أنها قالت ذلك، كلهن يقلن ذلك، وبعد أن يتركهن المرء يقلن عكس ذلك.
ووجدت رصيفا، فجلست فوق الرصيف، وأخرجت علبة السجائر، وأشعلت سيجارتين، واحدة لي، وواحدة لي، وحاولت أن أتذكر لم أنا ذاهب الي مكتب البريد، وانتابني شعور أنني سمعت أحدهم ينادي علي فنظرت خلفي، وجدتني في أحد المكاتب الأنيقة المكيفة، ورجل أحمر الوجه يدخن السيجار جالسا خلف مكتبه، ويسألني في حدة عن علاقتي بتلك المرأة الأمريكية، وأعتقد أنني يومها لم أفهم أسئلته لي، وظللت أستمع له، وأنا أري في عينيه نظرات كلها توحي أنه يريدني أن أبتعد عنها كي ينام هو معها، لكنني رغم كل شيء، شفتني وأنا في طابور الصباح في المدرسة، وهناك علم مصر يرفرف في السماء، ونحن نردد تحيا جمهورية مصر العربية، وصعدت مع الصاعدين إلي الفصول، وقضينا يوما دراسيا مملا، وكان مقعدي بجوار الشباك، ذلك الذي يطل علي مستشفي، يرقد به مرضي بلهارسيا، وكنت طوال النهار أبص من الشباك، وأراني وأنا جالس هناك، بجوار النهر، أرقب المراكب الشراعية تلك، والبخارية، والعصافير التي تحط علي صفحة النهر، تلتقط ماذا؟ لا أدري، ويبدو وأنا جالس بجوار الشباك أنني قررت أن أرحل بعيدا، وحاولت الرحيل، فكلما ابتعدت، وجدتني قريبا من ذاتي، ويبدو أنني طلقت تلك المرأة في دقيقة، مثلما تزوجتها في دقيقة، وسألت هي:
- لماذا؟
وقلت أنا:
- خلاص زهقت.
ويبدو أنني خرجت من البيت في المساء، لأن الشارع خال من كل شيء سوي ظلي، وكانت الكلاب تأتي من كل حدب وصوب، تتصارع علي كلبة شوارع تأتي من الزقاق الضيق المعتم، وفكرت لو أنني أسرعت إلي المقهي، وتناولت فطورا وشاي الصباح، واستمعت الي نشرة أخبار كاذبة، وفكرت في بعض من ابتعدوا عني، وحاولت تذكر بعض العناوين القديمة، وحكيت لنفسي بعض الحكايات المسلية، ربما قلت لنفسي نكتة أو نكتتين، وكان الله في السماء، لابد.
وفي مكتب البريد، عرفت أنني أرسل هذا الخطاب إليّ، وأنني سوف أستلمه بعد أيام، وسوف أمنح ساعي البريد جنيها بقشيشا، وسوف أفض المظروف بهمة وقلق موهما نفسي أنني لا أعرف ان الاسم المزيف الذي دونته علي مظروف الخطاب كمرسل هو أنا، سوف أجلس فوق الأريكة، مع زجاجة البيبسي، وأقرأ علي نفسي، ما كتبته لنفسي، صفحتان فلوسكاب سودت فيهما الكثير من الحماقات، وبعض القصص عن ناس رحلوا من حياتي وربما لن يعودوا أبدا، أقرأ وأبكي وأبتسم، وأحتد وأنفعل وأتعجب، أقهقه وتمتليء عيناي بالدموع.
وسوف يرن جرس هاتفي، وسوف أتجاهله، كيفما أفعل معظم الوقت عندما أكون مع ذاتي، وأفكر في حماقة حياة إنسان عمره ستون عاما قضي منها عشرين نائما! وعشرة أخري في الحمام، وعشرة أخري في المواصلات، وعشرة في الحقد، و عشرا في نهش الآخرين، ووجدتني أصرخ في غبطة:
- اسفوخس علي الحياة.
ويبدو أنني انتشيت، فقمت إلي المطبخ، وجهزت لعمل طبق من البيض المقلي، وبعض السلاطة الخضراء، كان عندي الكثير من الجبن، وفكرت أنني أستطيع أن أعيش علي الجبن والسلاطة عشرات السنين، وقلت في نفسي طوبي لنفسي، وضحكت لما تذكرت أنني قد فعلتها في صاحبي، وأنه سوف يسافر وحيدا، وأبقي أنا هنا، مع الجبن والسلاطة الخضراء، وحكايتي المسلية، وماء وجهي، أو ما تبقي من ماء وجهي، وسمعت جرس الشقة، فقمت لأفتح الباب، ودخلت الذكريات، والطفولة، وكل الحماقات، وكل النساء اللواتي عرفتهن، ودوريات شرطة، وغرباء يحملون حقائب قدرت أنها منتفخة بأوراق بنكنوت، ودخل الليل والنهار، ودخلت أشجار، وبحيرة صافية الماء، ودخلت سجادة من العشب، ودخلوا أطفال، وأغلقت بابي عليّ، وجلست في أقصي زاوية البيت، أتناول وجبتي، وأبص علي الجميع، وقلبي ممتليء بالبسمة والحنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.