الحالة الدينية في مصر ليست علي ما يرام.. هذا ما يؤكد الباحث نبيل عبد الفتاح في كتابه الجديد الصادر عن مؤسسة "المصري لدعم دراسات المواطنة وثقافة الحوار". يحمل الكتاب عنوان "الدين والدولة والطائفية..مساهمة في نقد الخطاب المزدوج"، الذي يرصد أزمة نعيشها..يتناول الباحث هذه الأزمة وظواهرها كالآتي: "ثمة عودة من غالب رجال الدين إلي بعض المراحل التاريخية والتمحور حول بعض انتاجها الفقهي واللاهوتي والمذهبي ومحاولة تسييدها علي الواقع المصري الموضوعي المعاش". يري عبد الفتاح أن هذه اللحظة تشهد مصادرة للمجالين العام والخاص.. إضفاء صفة الأحكام المطلقة علي نصوص وتفسيرات وضعية خاصة بزمن محدد وأشخاص محددين ومكان محدد كذلك..هنا تكمن المشكلة كما يعلن الباحث. يتنبأ عبد الفتاح بتفاقم الأزمة.. المؤشرات الحالية- للفتن الطائفية- لا تعلن عن "توتر"، بقدر ما تهدد بعنف ما، قد يمتد ليهز الأمة المصرية كلها.. حيث يكتب في مقدمة الكتاب: "استمرار بعض مؤشرات التحول نحو "الطائفية الاجتماعية والدينية المذهبية _ في ظل نزعة تشدد ومحافظة وتعصب ديني- سوف يؤدي إلي انفجارات من العنف المادي واللفظي والخطابي، بل وفي هوية الأمة المصرية، والهويات المتفرعة عنها، وعلي نحو يؤدي إلي انتقال التوتر والأزمات الدينية المصرية _ الإسلامية والمسيحية أساساً- إلي مرحلة المسألة الطائفية بكل دلالات ذلك الخطيرة علي وحدة الأمة والدولة واستقرارهما." يتعمق الباحث ليشرح مفهوم الهوية المصرية تاريخياً.. ارتبط ذلك بالوضع السياسي المصري، ومحاولات التحرر، لذا كان هناك تنازع بين ثلاث هويات "فرعونية مصر"، "عروبتها"، و"إسلاميتها".. هذا التنازع يتشكل في إطار عملية تكوين الهوية، مما يشكل مركباً خاصاً، هذا المركب "يغشاه بعض التوتر حيناً، وبعض من الاستقرار حول الأمة المصرية حيناً آخر". برز فهم هذا "المُركب" في المرحلة الناصرية، كما يشير عبد الفتاح، حيث "غلب الاتجاه العروبي للهوية المصرية، ذو معان دينية، ولكن في إطار مدني". كما يشير الباحث إلي ندرة الدراسات الأكاديمية عن أوضاع وخطابات المؤسسة القبطية الأرثوذكسية علي سبيل المثال حيث يري أن غالب ما ينشر "لا يعدو كونه مقالات، أو بعض الأوراق البحثية، التي يسيطر عليها طابع الملاحظات الانطباعية أو التأملية فيما ندر." حينما يتناول عبد الفتاح الحوار الديني، أو الحوار مع الآخر الديني علي سبيل المثال يصل إلي نتيجة خطيرة عند إجابة هذه الأسئلة، حيث يصفها بأنها أسئلة تولدّ أسئلة "السؤال الذي يولده السؤال وهل هناك حوار في مصر عموماً، وفي إطاره يدور الحوار الديني؟ "يبدو لي أن غالب ما نراه ونقرأه في الاعلام المرئي والمسموع الفضائي والمكتوب يميل إلي السجال غالباً، وبعض من التنابذات الهجاءات أحياناً، وقلة منه يمكن وصفها بالحوار الموضوعي حول قضايا ما عامة أو خاصة. ..هكذا يعلن الباحث أن هذا الحوار تشوبه في بعض الأحيان أهداف مثل "تشويه الآخر هو البعد الآخر لمديح الذات، او حمايتها، أو تعبير عن الخوف" ي ينقسم الكتاب إلي خمسة فصول هي: "الدين والدولة في مصر..الصراعات والسجالات في المجال السياسي"، "الحالة الدينية المصرية: من التوتر الديني إلي التحول نحو الطائفية"، "المؤسسة الدينية المسيحية وقضايا المواطنة والوحدة الوطنية"، "ثقافة الفتاوي والحسبة السياسية وحرية التعبير"، "الحوار مع الآخر الديني: الضرورات، والأطراف، والموضوعات". قدم للكتاب سمير مرقس، الذي يؤكد علي خطورة الوضع الآن حيث يكتب:"في نسق الخطابات واللغة الدينية تبدو الغزدواجية، وخطابات المراوغات والمجاملات، التي تنطق بشعارات الاخوة والمحبة والمواطنة والتاريخ والقيم المشتركة، من ناحية أخري ثمة خطابات الغضمار الحاملة لقيم الصراع والتنافس والكراهية والتمييز . الازدواجية هي نتاج للروح المقموعة واللغة السائلة والنفاقية"