حكي لي الفنان الكبير مصطفي حسين في إحدي الجلسات كيف توسط الوزير صفوت الشريف لديه ليوقف هجومة الشرس علي رئيس الوزراء الراحل عاطف صدقي ، وكيف رفض فنان الكاريكاتير الأشهر بشدة هذه الوساطة التي جاءت في شكل تهديد، كان مصطفي حسين قد اعتاد أن يرسم رئيس الوزراء معلقاً في كرسيه ورجلاه بعيدة كل البعد عن أرض الواقع كناية عن انفصاله عما يعنيه الشعب من مشكلات ، لكنه ومع توسلات صفوت الشريف رق قلب مصطفي حسين الكبير و وعده بأنه "هايطول رجليه شوية " لينفجر الجميع في الضحك. هذه القصة وان بدت بسيطة الا أنها كفيلة بأن توضح مدي التأثير الذي يصنعه الكاريكاتير خاصة لو كان مليئا بتفاصيل لاذعة كالتي كان يرسمها مصطفي حسين فقد كانت رسومه أرقي من المدرسة القديمة في التفكير الجماعي التي نشأ في رحابها لأنها بدون التعليق المرفق بها تنطق بلغة صامته ويتفاعل معها القاريء ليستمتع بها بصرياً. تكمن عبقرية مصطفي حسين في ذاكرته البصرية الحادة التي سهلت له استدعاء المشاهد ليعيد رسمها ببراعة من أي منظور يريده دون معاناة وهو مامكنه من ابتداع كادرات خاصة به في تقديمه للكاريكاتير يوميا بجريدة الأخبار ، فعادة يعتمد رسام الكاريكاتير علي ثلاثة دلالات رمزية يصوغ بها رسومه حتي تعبرعن أفكاره وتظهرها للنور. أعتمد مصطفي حسين بشكل كبير علي دلالات الشخصيات لأنه كان يجيد رسم البورتريه ببراعة ودلالات الملابس فكان يهتم بإبراز تفاصيلها واستغني غالبا عن دلالات وتفاصيل الأماكن حتي يصبح الأشخاص هم أبطال رسومه وقد أبدع في اختيارهم بعمق شديد من خلال مشاهدات اختزنت في عقله الباطن واستدعتها ذاكرته البصرية بكل سهولة. مصطفي حسين أبدع مدرسته بذاتية وخصوصية شديدة لذلك فإن كل من حاولوا تطوير أسلوبه للخروج منه بمدرسة جديدة وقعوا في فخ تقليده لكن تبقي بصمة روحه المميزة علي أعماله والتي تمنح شخصياته التي اصطفاها من قلب المجتمع حياة أطول بكثير من حياته.. مات مصطفي حسين وعاشت شخصياته ..