تسود فكرة عامة في الأوساط الفنية تعتبر رسامي الوجوه أو البورتريه فنانين من الدرجة الثانية وأنهم لا يرقون بأعمالهم للمعايير الفنية التي ترتبط بشخصية الفنان ومدى ثقافته وإطلاعه وأن رسم وجوه الناس كما هي حسبما يفعل رسامو البورتريه لا تقدم أي قيمة إبداعية. ورغم ذلك يحظى رسم البورتريهات في سورية بإقبال متزايد ولاسيما من فئة الشباب بصورة تعكس إعجابهم بهذا الفن وقلة اكتراثهم للمعايير التي تعتبر رسم البورتريه فناً تجارياً. ويقدم محمد طريفي مثالاً للرسام الأكاديمي الذي احترف مهنة رسم البورتريهات منذ تخرجه عام 1999 من قسم التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة ويؤكد أن أي رسام يجب أن يكون لديه إلمام بفن البورتريه لأنه سيحتاجه بدرجات متفاوتة عند إنجاز أي عمل فني وضمن أي مدرسة يختارها. ويبين طريفي في تصريح لوكالة سانا أن رسام البورتريه لا يتقيد بمدرسة فنية محددة لأنه يمكن تنفيذ لوحته وفقاً للمدرسة الكلاسيكية أو الانطباعية أو السريالية أو التكعيبية حسب رغبة الزبون أو فق رؤية الرسام كما أنه يمكن استخدام الألوان الزيتية أو المائية أو الفحم أوالباستيل حيث يتم اختيار نوعية الألوان بناء على طلب الزبون ومن الممكن أن يقدم للرسام أفكاراً مبتكرة لم تكن في باله. ويلفت طريفي إلى أن أغلب زبائن لوحات البورتريه هم من الشباب وبعد أن كان هذا الفن مقتصراً على رسم الشخصيات العامة والمشهورة أصبح العديدون يرغبون برسم بورتريه لهم أو لأعزاء عليهم كما أن بعض الرسامين يلجؤون أحياناً إلى رسم بورتريهات لأشخاص غير معروفين يتمتعون بملامح مميزة توحي للفنان بانطباع معين ما يدفعه إلى تجسيد هذه الملامح على لوحات. ويعيد طريفي إقبال الشباب على اقتناء لوحات البورتريه رغم سهولة التقاط الصور عبر الكاميرات الرقمية وإمكانية تحويل هذه الصور إلى لوحات مرسومة بواسطة برامج الكمبيوتر مع عرض لأدق التفاصيل إلى أن لوحة البورتريه تحمل شيئا من روح وشخصية الرسام الذي يضيف إلى اللوحة رؤيته مضيفاً أن اللوحات المنفذة بالكمبيوتر لا تحمل أي إبداع. وتمنى طريفي تبني وزارة السياحة لظاهرة رسامي البورتريه عبر تحديد شوارع معينة في دمشق والمدن الكبرى والمناطق السياحية لإقامة مراسم لهم في الهواء الطلق أسوة بما هو موجود في العديد من الدول مضيفاً أن عدداً كبيراً من السائحين يستهويهم الحصول على لوحة بورتريه تم رسمها للتو كتذكار من هذا البلد. ولدى الرسام زياد محفوض تجربة معاكسة فهو لم يحظ بدراسة أكاديمية ولكنه نمى موهبة الرسم لديه بوسائل خاصة. ولفت في تصريح لسانا إلى أن السمعة التي اكتسبها في رسم البورتريه أتت من السرعة الكبيرة التي ينفذ بها اللوحات المنفذة بالفحم حيث لا تستغرق اللوحة أكثر من ربع ساعة مشيراً إلى أنه سعى إلى نشر ظاهرة الرسم في الشوارع وفي الهواء الطلق عبر التنقل مع مرسمه وتنفيذ مئات اللوحات لأشخاص عاديين. وفي رأي محفوض فإن استمرار ظاهرة رسم البورتريهات رغم الوسائل الحديثة يؤكد مقولة إن ظهور المدرسة الجديدة لا ينفي المدرسة التي قبلها معتبراً أن الناس لا يزالون يحبون الصور بالأبيض والأسود وأصبحوا أكثر تعلقاً بالقديم بعد أن كاد ينتهي تماماً من حياتهم اليومية لدرجة أنه صار ينجز رسم عشر لوحات بورتريه يومياً ما يعكس الإقبال الكثيف على هذا الفن. ويعتبر أن مهمة رسام البورتريه ليست في نسخ الواقع لأنه لن يستطيع في هذه الحال مضاهاة كاميرا التصوير ويجب على الرسام إدخال روح الإنسان ومشاعره خلال رسم اللوحة. من جهة أخرى توقف محفوض عند رفض اتحاد الفنانين التشكيليين الاعتراف برسامي البورتريه مشيراً إلى أنه تقدم مرتين للانتساب إلى صفوف النقابة ولكن طلبه جوبه بالرفض بحجة أن رسم الوجوه لا يعتبر عملاً فنياً بالرغم من أن أشهر اللوحات الفنية في العالم كانت لوحات بورتريه لأشخاص. وقال أكثم عبد الحميد مدير مديرية الفنون الجميلة في دمشق إن رسم البورتريه هو موضوع قائم بذاته يدرس في كلية الفنون الجميلة سواء على صعيد النحت أو الرسم الجداري أو الرسم. وأضاف عبد الحميد انه إلى جانب التحصيل الأكاديمي فإن الفنان يضيف من روحه إلى اللوحة أو الموديل من خلال موهبته التي يصقلها بالدراسة و ذلك من أجل الوصول إلى القيمة الجمالية والصيغة المقنعة ليستطيع الناظر تذوق القيمة الفنية للعمل وإن الموهبة وحدها مهما كانت عظيمة لا تكفي للوصول للقيمة النهائية وإن من وصل لها دون التحصيل العلمي وحده فهو بالتأكيد اعتمد على البحث الذاتي والدراسة الفردية المستمرة لأنه بالدراسة و البحث يمكن التعرف على المدارس الأخرى والتقنيات الحديثة وبهذا لن يبقى الفنان يعمل في قالب واحد محدد. وعن عدم قبول جميع رسامي البورتريه في نقابه الفنانين قال عبد الحميد إن السبب يعود إلى أن رسامي البورتريه يقتصرون في عملهم على رسومات لا تحوي على قيمة فنية عالية وإنما تتخذ طابعاً تجارياً سريعا أكثر مما هو تشكيلي حيث يقوم الرسام بالانتهاء من عمله خلال نصف ساعة كما أن الطرق التقنية التي يستخدمها بسيطة وغالباً لم يحصل رسامو البورتريه على الدراسة الأكاديمية و ليس لهم نشاطات فنية كإقامة المعارض أو مشاريع ثقافية موازية. وأضاف عبد الحميد إن لدينا في سورية رسامي بورتريه مذهلين ويشهد لهم وبإعمالهم القيمة وبالفن الراقي الذي يقدمونه كالفنان مروان قصاب والذي يعتبر من أشهر فناني العالم في رسم البورتريه موضحاً أن نقابة الفنانين تحدد شروطاً خاصة للقبول من خلال خمسة أعمال يقدمها الفنان أو من خلال النشاطات السابقة للفنان و يتم تقييم القيمة الفنية للأعمال و تحديد المستوى وإذا وجدت النقابة هذه النشاطات مقبولة يدخل الرسام النقابة كمتمرن و بعد فترة يصبح عضواً عاملا فيها. ودعا عبد الحميد إلى دعم رسامي البورتريه في سورية وخاصة من قبل وزارة السياحة بالتعاون مع محافظة دمشق وجميع المحافظات الأخرى عبر تخصيص أكشاك خاصة لهم ولأدواتهم وعرض أعمالهم بشكل لائق مشيراً إلى وجود بعض المحاولات الفردية الخجولة للرسم في الهواء الطلق والتي تحتاج إلى دعم. وأضاف عبد الحميد أنه بالإمكان تخصيص شوارع معينة أو حتى أماكن داخل حدائق وأن يتخذ المكان صفة فنية ثقافية سياحية ويعطى الرسامون تراخيص للعمل فيها وإن مثل هذه الأماكن والشوارع موجودة في كل الدول الأوروبية كشارع أربات في موسكو وشارع لارامبلا في برشلونة والهايد بارك في لندن بإمكاننا بكل سهولة تطبيق هذا الأمر في سورية الأمر الذي يعود بالنفع المادي للبلد من خلال جذب السياح. وتقول لما سعادة التي قصدت أحد رسامي البورتريه وبحوزتها تسع صور شخصية لأقربائها وأصدقائها تريد عمل لوحات لهم أن مجرد الاحتفاظ بلوحة شخصية رسمها فنان مشهور قيمة فنية كبيرة مبينة أنها تعلق لوحات البورتريه في شتى أركان منزلها وتتباهى بها أمام أصدقائها. ويشرح عامر أبو زيد أنه رغب بإهداء صديقته لوحة بورتريه لأنه وجدها أكثر صدقاً من الصورة العادية وستحتفظ بها طويلاً كذكرى جميلة تعطيها إحساساً بالتميز. وإذا كان رسم البورتريه هو الفن التشكيلي الأقدم وإذا كانت بلدنا تختزن العديد من المواهب الفنية القادرة في هذا الفن فسوف يشكل فرصة في النهوض بهذا الفن ودعم رواده والإسهام في نهضة ثقافية وفنية وسياحية كما يتفق على ذلك الجميع المصدر : سانا