ماذا نعني ب "المراجعات" هنا ؟ أعتقد أننا في هذه الفترة التي نعيشها ، في بداية القرن الحادي والعشرين ، نمر بمرحلة من المراجعات علي كل المستويات ، وفي كل نواحي المعرفة ، بحيث يمكن وصفها بفترة المراجعات . هل يمكن أن نحدد بداية هذه الفترة ؟ .. ربما يمكن تحديدها بتفكك القوة العظمي الثانية ، أعني الاتحاد السوفيتي السابق طبعا، حيث بدأت جماعات عديدة من التقدميين بطرح تساؤلات عن أسباب هذا التفكك الذي كان ينبئ به بعضهم وعما جري ، كيف ولماذا ، وما يمكن أن يحدث في المستقبل . فالآن وفي هذه الأيام ، ومع الأزمة الاقتصادية الكبري التي يعيشها العالم ، بدأ حتي عتاة الرأسمالية والسوق الحرة ، الذين كانوا يقولون بتفتت الدولة ، وانتقال السلطة إلي المؤسسات عابرة القارات ، بدأوا هم أنفسهم في مراجعة أفكارهم السابقة ، وبدأت الأقاويل تتري بقوة عن " أزمة رأس المال " ، حتي أصبحت تقرأ لكاتب رأسمالي شهير مثل " فريد زكريا" الذي يكتب المقال الافتتاحي لمجلة نيوزويك ، ويعد برنامجا شهيرا لمحطة السي إن إن ) مطالبته بإعادة قراءة كتاب كارل ماركس " رأس المال " ونسمع أن الكتاب أضحي يطبع بمئات الألوف مرة أخري في البلدان الرأسمالية نفسها )خاصة ألمانيا (ربما لمحاولة فهم طبيعة الرأسمالية ومساراتها وإلي أي الطرق يمكن أن تؤدي . وكما أصبح الفكر السياسي في عمومه قيد المراجعة ، أضحت علوم الفلسفة ، والاجتماع ، والنفس بمدارسها العتيقة ، وحتي صناعة الدواء أضحت موضع هذه المراجعة ، وبدأت حركة دءوب ، مهما كان بطئها ، إلا أنها تمشي بثقة وثبات ، نحو نبذ العديد من طرق الحياة الرأسمالية وهي التي كانت تعد من قبيل التقدم ، للعودة مرة أخري إلي أساليب أكثر انضباطا من جهة ، كما ثارت بقوة دعوات العودة إلي دراسة الآثار الضارة للصناعات الغربية وما سببته من تلوث وضرر بالطبيعة ومواردها بحثا عن حلول أكثر إنسانية ، من جهة أخري . في مجال الأدب والفن هناك أيضا مراجعات للمذاهب العتيقة ، والنماذج المتعارف عليها إلي محاولات خلق أشكال جديدة طابعها الأساسي هو الانفتاح فيما أسماه "أمبرتو إيكو " العمل المفتوح " . هناك أيضا مراجعات في مجالات السينما والفن التشكيلي كما المسرح والموسيقي وكل الفنون تقريبا نحن إذن ،كما أظن وأعتقد ، في عصر المراجعات ، وأفترض أن هذا هو السبب الذي دفعني لتبني هذه الدعوة لربما أكون علي مسافة ما مما يمكن وصفه بالصواب .