في الوقت الذي أحيا العرب الذكري ال66 لنكبة فلسطين واحتلال أراضيها علي يد يهود أوروبا والعالم بدعم من الحركة الصهيونية العالمية والقوي الغربية في ذلك الوقت، كان لنا حوار مع رئيسة الطائفة اليهودية في مصر السيدة ماجدة هارون، التي عاشت وتربت علي أرض مصر وترفض باستمرار أي محاولات صهيونية لنقل تراث يهود مصر عبر القرون السابقة للخارج، لنسلط الضوء علي حقيقة "يهود مصر" وتراثهم والاتهامات التي وجهت لهم عقب قيام دولة الاحتلال. هارون ابنة اليهودي المصري اليساري شحاته هارون الذي عاش طوال حياته معارضا لإسرائيل وللفكرة الصهيونية، ورفضت وعائلتها أن يصلي عليه السفير الإسرائيلي بالقاهرة حينها، لأنه ظل طوال حياته يهاجم وجودها ويرفضه، تجولت معنا داخل أروقة المعبد اليهودي بشارع ماجدة بوسط البلد بالقاهرة الذي يطلق عليه بالعبرية "شعار ها شاميم" أي "بوابة السماء" وهو المعبد الذي شهد منذ شهور قليلة توديع جثمان شقيقتها "نادية هارون" بحضور حاخام فرنسي بعدما رفضت للمرة الثانية أن يصلي علي شقيقتها حاخام اسرائيلي. يتردد دائما أن هناك تراثا يهوديا ضخما داخل مصر.. ما هي طبيعة هذا التراث؟ الآثار عبارة عن معابد يهودية وكتب نادرة منها ما هو تابع لوزارة الآثار، وعدد آخر من المعابد لم يتم تسجليها حتي الآن، وهناك أثار يهودية بتلك المعابد يعود تاريخها لأكثر من 100 عام كالموجودة في المعادي ومصر الجديدة، وهناك سجلات زيجات ومواليد وكتب، وثلاث مكتبات بالإضافة لمكتبة معبد شارع عادلي، كما يوجد في "معبد حنان" مكتبة خاصة باليهود القرائين بدأ السوس يأكلها، وكل هذه الكتب النادرة لابد أن تذهب بالكامل لمكتبة الإسكندرية. المعابد التابعة للآثار عددها 12 معبدا، وهي مغلقة، والوزارة وضعت عليها أقفال وعلي كل معبد حارس واحد فقط، ولا تدري بحالتها من الداخل، وللأسف تلك الحالة المؤسفة تعاني منها أيضا القاهرة الفاطمية والتراث الإسلامي هناك. ولماذا لا تبادرين باعتبارك رئيسة الطائفة بفتح تلك المكتبات وعرضها أمام الجمهور؟ لا يوجد لدي الإمكانيات المادية لكي افتح تلك المكتبات وعمل فهرسة للكتب التي بداخلها، فلابد من وجود أمين متخصص خلال عملية الفهرسة، وللأسف تلك الكتب والأسفار التوراتية موجودة بأماكن رطبة ومعرضة للخطر، ووزارة الآثار أبلغتنا بأنها تتعامل مع الأشياء القديمة فقط، و"أنا معرفش الأسفار عمرها أد إيه وجاية منين". الموضوع يحتاج إلي خبراء متخصصين، وهذه الآثار تعتبر جزءا مهما من تاريخ مصر"، كل هذه الأوراق الملقاة للرطوبة تتمني اسرائيل الحصول علي ورقة منها. ماذا كان رد وزارة الآثار عندما عرضتِ عليها أمر ضم المقتنيات الأثرية والكتب إلي حوزتها؟ الرد كان "الحاجات اللي عندكم مش آثار"، وبرغم من أن ألمانياوأمريكا تقيم متاحف للتراث اليهودي إلا أنهم أبلغوني بأن تلك المقتنيات والأسفار والكتب النادرة ليست ذات قيمة رغم أنها كتب قيمة في الدين والفلسفة والفنون والمعمار، لعلماء يهود باللغة العبرية منذ ما قبل القرن التاسع عشر ولذلك لجأت لمكتبة الإسكندرية، فهي الجهة الوحيدة التي من الممكن أن تقدر تلك الكتب والمقتنيات وتقوم بتحويلها لنسخ ديجيتال فيجب أن تكون هناك جهة مسئولة لنقل تلك الكتب إلي هناك، فالسجلات كمها هائل، و"أنا معرفش هيبقي مصيرها إيه؟!". في إحدي المرات وجدت في مقر الطائفة طقم شاي خاصا بالحاخام الأكبر يعود تاريخه إلي ما قبل قيام إسرائيل، عليه نجمة داوود، وبيانو بنزيون، وأردية وطرابيش ومقتنيات شخصية كثيرة لحاخامات مصريين، وأتمني أن يكون هناك متحف كالموجود في ألمانيا ليعرف المصريون أن هناك يهودا مصريين كانوا يعيشون هنا في يوم من الأيام. ما طلبات الطائفة اليهودية تحديدا من الرئيس؟ ما لم يسبب طلبي له إحراجا، فأنا سأطلب منه أن يوفر لنا رجل دين، فلابد أن يكون للطائفة رجل دين، لأن الصلوات والشعائر اليهودية وحتي الجنازات لا تقام إلا بوجود رجل، وأعضاء الطائفة بالكامل جميعهم نساء ولا يوجد من بينهم رجل واحد، فلا بد أن يكون عندنا رجل دين حتي إذا توفيت إحداهن نجد من يصلي عليها. "أنا بمفردي من أرعي أعضاء الطائفة، وفي نفس الوقت أحمل علي عاتقي وبمفردي هم التراث ومسئوليته ، معنديش طاقم ممكن يساعدني، أو حتي يجهزلي مقابلة مع مسئول لكي أطرح طلباتي، أنا بنادي دائما لكن أكيد في يوم حد هيسمعني". إسرائيل دائما تسعي للاستحواذ علي التراث اليهودي المصري ونقله إلي متاحفها.. هل قاموا بالتواصل معك لأجل هذا الغرض؟ نعم وقابلت كل عروضهم بالرفض الجازم، وليست إسرائيل فقط من تسعي للاستحواذ علي التراث اليهودي المصري وسرقته، كل العالم يسعي لنهب التراث المصري ليس اليهودي فقط بل والإسلامي والقبطي والفرعوني أيضا، لكن بعض دول أوربا عينها علي التراث اليهودي تحديدا، وبعض المنظمات تسعي إلي ذلك. هل تم عرض نقل التراث والمقتنيات والكتب التاريخية اليهودية للخارج بمقابل؟ هم يعلمون جيدا أنني لا أملك أي إمكانيات مادية لترميم الكتب والمقتنيات النادرة، وتلك المنظمات اليهودية الدولية التابعة للحركة الصهيونية العالمية في الخارج عرضت علينا ترميم المعابد والآثار اليهودية لكن بمقابل، فدائما كانوا يعرضون مساومة بمعني "أدينا حاجة أمام حاجة"، في الوقت الذي تشهد فيه مقابر اليهود في منطقة البساتين كارثة بمعني أنه خلال العشر سنوات المقبلة لن يكون لها وجود، وأن بعض المقابر تم دكها وحفر طريق داخلها وتحويلها لمقلب قمامة وزحف العشوائيات داخلها، إلا أن الإغراءات من الخارج كانت شديدة لترميم تلك المقابل وبناء سور عال حول مقابر اليهود ولكن كان المقابل إعطاءهم بعضا من الكتب النادرة والآثار اليهودية لكنني رفضت كل تلك العروض وقلت لهم: "لن تخرج إبرة من مصر". وبالمناسبة أرض تلك المقابر أهديت ليهود مصر عام 400 ميلاديا، وأنا أملك صك ملكيتها، والمقابر اليهودية لا تتعدي ال 500 متر، ومن الممكن ان تستغلها وزارة السياحة لتكون مزارا للتراث اليهودي في مصر، وعمل رحلات سياحية يزور فيها السائح الأجنبي كل المعابد والمقابر بمقابل مادي. كم تبقي من اليهود في مصر وكيف تفسرين ما وصفته بالتشويه الواضح لليهود المصريين؟ عدد الطائفة اليهودية في مصر الآن يعد علي الأصابع، وهناك حرج موجود دائما لكل ما يتعلق بيهود مصر، وعادة عند ظهور مشاكل اقتصادية في أي بلد فإن المسائل الدينية تطفو علي السطح وبالتالي انتشرت الأقاويل خلال الفترات السابقة بأن اليهود في مصر "جواسيس" وهم من يسيطرون علي الاقتصاد، وهم من يمتلكون المال.. وهكذا. للأسف التاريخ تم تدريسه لنا بطريقة خاطئة، فنحن لم نتعلم تاريخ اليهود في مصر، كما لم يدرسوا لنا بأن الذي ساهم في إنشاء بنك مصرتكان قطاوي باشا وسيكوريل، وهم كانوا يهودا مصريين، بل إن جميع الحكومات التي بررت فشلها كانت تضع شماعة تعلق عليها أخطاءها مرة أمريكا ومرة أوروبا ومرة اليهود. اليهود الذين يعيشون حاليا في المغرب ما زالوا محتفظين بحقوقهم وسفيرة البحرين في الولاياتالمتحدة يهودية، وذلك منذ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، لكن في مصر والعراق وسوريا كانت الموجة عالية ضد اليهود عقب نكبة 1948، وكان عقب نشوب أي حرب بين العرب وإسرائيل يهود الدول العربية كانوا من يدفعون الثمن وأول من يتم القبض عليهم، وكلها 10 سنوات ولن يبقي يهودي واحد في مصر. إسرائيل تستغل دائما ملف استرجاع أملاك يهود مصر وتثير تلك القضية دوليا.. ما ردكم علي هذه المطالبات الاستفزازية من جانب دولة الاحتلال؟ إسرائيل تستغل هذه المسألة للرد علي الفلسطينيين المطالبين بحقوق اللاجئين وعودتهم مرة أخري، وبالتالي تضغط بهذه الورقة. هل ترين أن قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي هو السبب وراء حالة يهود مصر والوطن العربي حاليا؟ قيام إسرائيل وسياسات العرب علي السواء - عقب إعلان تلك الدولة - هما السبب، العرب مارسوا سياسة ساعدت في تهجير اليهود لاسرائيل ، بعد اتهامنا بالخيانة في بلداننا لم يصمد الكثير إلا من ثبت علي المبدأ وظل يعتبر اسرائيل دولة احتلال عنصرية وبقي في بلاده يحتمل التخوين والمصادرة، ولو نظرنا إلي إيران مثلا التي تعتبر جمهورية إسلامية نجد أن هناك حتي الآن طائفة يهودية كبيرة ولديهم مستشفيات ومحلات وعيادات ومعابد.. فإيران التي يمنع فيها الخمور تماما ويحرم شربها بشدة مسموح بها لليهود بشرب "النبيذ الأحمر".. اليهود هناك لديهم مخابزهم الخاصة، ولم يتم تهجيرهم كما حدث في الدول العربية عقب قيام إسرائيل. لماذا لا تستغلين أيا من تلك المعابد الموجودة في مصر وتحويلها لمزار بهدف الربح لدعم التراث اليهودي؟ هناك معبد يهودي بمنطقة "الكربة" بمصر الجديدة أتمني تحويله لمركز ثقافي علي غرار "ساقية الصاوي" تخدم المجتمع وتقرب بين الناس، وداخل أروقة المعبد من الممكن ان يتم عرض لوحات فنية وإقامة ندوات ثقافية، وجلسات أدبية وإلقاء شعر وإنشاد ديني، لكن المعبد يحتاج إلي ترميم، وليس لدي إمكانيات، هناك في أمريكا وأوربا المعابد والكنائس القديمة يقومون بتحويلها لمراكز ثقافية، واتمني تكرار ذلك في مصر. هل ترين أن المثقفين المصريين شاركوا في حملة تخوين اليهود المصريين عندما صمتوا عن الحملة الدعائية في الخمسينيات ضد اليهود والتي اتهمتهم بالتخوين والولاء للخارج ؟ بالطبع كان من المفروض أن يمارس المثقفون في ذلك الوقت دورا توعويا واجبا تجاه ما يتعرض له فصيل مصري بكامله للتخوين والوقوف في وجه هذا الترسيخ الممنهج في وعي المصريين أن يهود مصر خونة، لقد دفعنا الثمن غاليا بمفردنا.