"ما الذي يوجد في الاسم ؟"، هكذا تساءل شكسبير في "روميو وجولييت. أجابه جورج أورويل في "1981" : بالضبط عكس ما نعتقده. الحرب هي السلام. الحرية هي العبودية. الجهل هو القوة. منذ القدم، كان الاسم رمز الشخصية، ولأجل تمييزه، رافق اسم العلم صفة نوعية : عوليس هو الحذر وامرأته بينيلوب تتقاسم معه هذه الصفة. لا ينفصل كثير من الملوك عن صفاتهم النوعية : بيبان القصير، فيليب الجميل، شارل الأصلع أو المحبوب (في فرنسا)، الجسور (في بورغوني)، الشرير (في النافار)، الأحدب (في صقلية). في أميركا اللاتينية المستقلة، من الممكن أن تكون الأسماء بطولية (بوليفار المحرر، خوارز المحسن)، محقرة (ليوناردو ماركيز، نمر تاكوبايا، ومانويل لوزادا، نمر أليسيا)، معرفة (فرانسيا، رجل باراغواي السامي) أو ساخرة (سانتا أنا، صاحبة السمو، تروخيلو، المحسن وأب الوطن الجديد).منح ديكتاتوريو القرن العشرين التوتاليتاريون أنفسهم أسماء بطولية (الفوهرر، الدوتشي)، أو متواضعة (السكرتير الأول للحزب). ما يميز بينهم ليس الاسم والكلمة، علي اعتبار أن قولا أخر لشكسبير، مأخوذ من "هاملت"، يرد إلي الذاكرة : "كلمات، كلمات، كلمات". هنا، ميدان الكلمات (كلام رومان جاكوبسون، مساحة القول، وحدته الخطية، الواحدية الاتجاه، التزامنية) بحيث إن لغة المدينة (اللغة السياسية) تتبدي أو تتستر، كما عودة عوليس إلي ايثاكا. طغاة كبار وطغاة صغار هناك، مثلا (مثال مهم)، اختلاف جذري بين لغتي اثنين من كبار طغاة القرن العشرين، هتلر وستالين. لم يخف هتلر أبدا مقصده السياسي تحت الأسماء. بل كشف، وسطر وحول الكلام إلي فعل "اليهودية جرح العالم"، هكذا صرح في عام 1921 حتي بلغ أوجه خطابه مع الحل النهائي في عام 1941 : "يجب محو جميع اليهود بدون استثناء. اذا لم نصل الي استئصال القاعدة الايديولوجية لليهودية، فإن اليهود سيدمرون الشعب الألماني في يوم من الأيام". ستالين، من ناحيته، تخندق خلف فلسفة اجتماعية انسانية، الماركسية، ولم يخالف الجوهري، باستثناء تولفته "بالخلطة" اللينينية. اذا كانت الشيوعية هي البروليتاريا في السلطة (الانتصار النهائي لمعذبي الأرض)، فإن الحزب، كما أكد ستالين، "الشكل السامي للبروليتاريا". ومع ذلك، لا يمكن لأي ديكتاتور أن ينكر عبادة الشخصية. باسم سلطة ستالين، ذهب كبار بولشفي العصر البطولة الي منصة الاعدام وإلي التصريح للبعض بأنهم خونة لستالين. أحدهم قال : "إذا أصدر ستالين مرسوما بكوني خائنا، سأصدقه وأعترف بكوني مذنبا" (ميخائيل كولستوف). كمجرم بارانوئي، كان جوزيف ستالين وقد تجرأعلي القول : "الموت تراجيديا. مليون ميت شأن احصائي. الموت يحل كل المشاكل" قادرا علي اثارة الحمية، كما بينها كلام كورني شوكوفسكي، بعد ما تأمل الأب الصغير للشعب في مؤتمر 1936 : "هناك شيء استثنائي جري... نظرت حولي... الوجوه تشع بالحب والحنو... لكل واحد منا، رؤية ستالين تسعدنا، تبجلنا...". لم يكن هتلر في حاجة الي التملق. "هتلر كبير ويتجاوزنا جميعا"، صرح غوبلز في 1932. وردد هيس : "الحزب هو هتلر، وهتلر هو ألمانيا". استطاع الفوهرر، الفظ والمباشر عن معاونيه، أن يؤكد حقيقة الكذبة بكلبية نادرة : "تعتقد الجماهير بالكذبة الكبيرة عن الصغيرة". تمتع ديكتاتوريو الحرب الباردة في أميركا اللاتينية (كبينوشيه وفيديلا) بسلطة أقل من سلطة هتلر أو ستالين، وعوضوا ضألتهم بضخامة جرائمهم. اغتيالات، تعذيب، اختفاء : قائمة جرائم الديكتاتوريين الشيلي والأرجنتيني طويلة. ومع ذلك نلاحظ بأننا علي صلة هنا بعامل جديد، مخيف في حد ذاته وفي نتائجه. من كاستللو أرماس في غواتيمالا الي غوالتييري في الأرجنتين، كان حكام أميركا اللاتينية قطعا مستهلكة في خطة تتجاوزهم وتمثل السياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. هذا الدعم الأميركي الشمالي الذي مكن من انهيار الحكومات الديمقراطية كحكومتي أربينز في غواتيمالا والليندي في شيلي، الي حد أن هذه الهرجة القاسية جعلت عسكريي الأرجنتين يعتقدون أن حكومة ريغان ستساندهم في حرب المالويين. في داخل الولاياتالمتحدة نفسها، كانت النزعة المناهضة للحريات، التي يمثلها سناتور ويسكنسون جوزيف مكارثي، كبيرا. بصورة غير قابلة للسيطرة، دمر الديماغوغي الكريه بدم بارد السمعات، المهن، الأفراد والعائلات. ايديولوجيته مناهضة الشيوعية. ممارسته، الوشاية. حول مكارثي الوشاية الي قدر. الابلاغ عن الأخرين الدليل السامي للوطنية. اتهام الواشي، شئ من الخيانة للولايات المتحدة. وضع رد الفعل المناهض لمكارثي نقطة النهاية لمهنة صائد الساحرات الخبيثة. وجهز الرد السياسي "الحر" (الذي يطلق الأميركيون عليه "اليسار") الذي بلغ أوجه مع حركات الحقوق المدنية، المناهضة للتمييز العرقي وحرب فييتنام. النموذج الوحيد للسلطة الوحيدة إذا ذكرت هؤلاء السابقين، فهذا للتعبير عن انشغال كبير : دفن ديكتاتوريو العصر الفائت الشموليون تحت شططهم ووحشية جرائمهم، ولذا نحن علي وشك الدخول الي شكل حديث أكثر مخاتلة من الاستبداد (لأن ذئب هوبز يعجز عن قتله). للمرة الأولي منذ الامبراطورية الرومانية، قوة واحدة تهيمن علي العالم. بالتأكيد، تتمتع الولاياتالمتحدة بتقليد ديمقراطي متجذر، راهنت عليه دائما، لأنه يخص أمة أنا معجب بها وأحبها لصفات ناسها وثقافتها. بيد أنهم موسومون بتقليد امبريالي مورس بدون موانع في أميركا اللاتينية، "ساحتهم الخلفية". وبعد 11 سبتمبر 2011، لم تعد أميركا اللاتينية الساحة الخلفية. تم نسيانها. غياب أي قوة أخري موازنة مكنت سلطة الولاياتالمتحدة من الانتشار قي العالم بأسره، كما بينته وثيقة الرئيس جورج بوش في اجتماع الكونغرس في 21 سبتمبر الفائت. لا يتعلق الأمر بتعظيم فرد، فوهرر، دوتشي، وانما أمة بأكملها. اقترف هتلر وستالين الأخطاء، بموجب التقاليد السلطوية القديمة، وتسلزم أن نوجه لهما التحية لما حققاه لصالح بلديهما، بتعظيم اسميهما. دائرة السلطة في واشنطن أكثر فطنة. "يرمزون" الأمة ويمنحونها قيمة "مسكونية" واستثنائية "الولاياتالمتحدة هي النموذج الوحيد الحي للتقدم الانساني"، كما صرح بوش. ومستشارته لمسائل الأمن، كونداليزا رايس، أعلنت اللازمة الطبيعية للغطرسة " علي الولاياتالمتحدة "أن ترحل من يابسة مصالحها القومية" وتغض البصر عن "مصالح الجماعة الدولية الوهمية". لا يمكن أن يكون المرء أكثر وضوحا من هذا كله. تري الولاياتالمتحدة في نفسها النموذج الوحيد في العالم وتقترح فرضه علي بقية العالم بدون أي اعتبار للأميركيين اللاتينيين، للأوروبيين، للأسيويين، للأفارقة، أي نحن جميعا من نمثل "الجماعة الدولية الوهمية". ولكن : الحساء ثخين. وكما سعي هتلر باسم الشعب Volk الألماني سعي بوش باسم الشعب الأميركي " الانساني". تصريح مشابه "للكذبة الكبري" التي استدعاها هتلر بخبث. وما هي "الكذبة الكبري" لنظام بوش ؟ حسبما المصطلحات التاريخية والثقافية، لا تملك البرازيل أو فرنسا، الهند أو اليابان، المغرب أو نيجيريا، نموذجا صالحا للتطور الانساني، بتقاليد مختلفة ومقاصد محترمة مثل التي يمثلها النموذج الأميركي. الرهيب في تصريح بوش، طريقته شبه الواعية، والبراغماتية، التي تتجهز الي القضاء علي أي نموذج تقدم لا يشابه النموذج الأميركي. يجب أن أقولها، رغما من الاحترام وكل الاعتبارات التي يستحقها المجتمع الأميركي المدني الديمقراطي : لم يفكر هتلر وستالين بطريقة مغايرة بالنسبة لنموذجيهما. السلطة خلف السلطة الحكومة الحالية للولايات المتحدة ليست سوي الواجهة السياسية للمصالح الاقتصادية الواضحة. لم أكف عن التأكيد، ومنذ الانتخابات الغامضة لنوفمبر 2000، عن كون جماعة بوش-شيني تمثل علنا المصالح الاقتصادية المرتبطة بالصناعة النفطية. وأنذاك، ذكرت الدلائل. وأسجلها ثانية اليوم بشئ من القلق. تمتلك المملكة العربية السعودية، المنتج العالمي الأول للنفط، احتياطيا يقدر ب 212.000 مليون برميل من الذهب الأسود، يليها العراق ب 130.000 مليون برميل، وفي المرتبة الخامسة ايران ب 90.000 مليون برميل. يكفي حساب الجملة لفهم السيطرة علي منابع الطاقة في العراق، حتي تصبح الولاياتالمتحدة القوة النفطية الأولي في العالم، وتحويل روسيا وأوروبا واليابان الي دول-عملاء للولايات المتحدة. هو ذا، في الحقيقة، ما يتبدي خلف العجرفة المقلقة، النزعة الحمائية وتعظيم القيم الانسانية التي توجد في خطاب بوش بالكونغرس. يستطيع هذا الأخير والرأي العام الأميركي أن يرتضوا، لأسباب وطنية أو انتخابية، بالشكل الجديد للاستبداد الجمعي، اللا شخصي والمخاتل الذي أصبح القوة العظمي الوحيدة في العالم. "لا توجد حرب تنتهي في يوم من الأيام، كما كتبت سوزان سونتاغ بشجاعة، ولكن هناك تصريحات لبسط السلطة من قبل أمة تعتقد بكونها معصومة". كلمات هذه الكاتبة التقدمية الكبيرة تقودنا الي موضوعة الحريات العامة في داخل الولاياتالمتحدة، المتهمة من خلال الوشاية، الاعتقال بدون محاكمة ولا دفاع، والحرمان السري من الحرية الشخصية، التي أعلنت ادارة بوش عنها. في هذا الشأن أعتقد أن الشعب الأميركي المضلل، كما قال لنكولن، أحيانا وليس دائما، والبعض وليس الجميع، من الممكن أن يتخذ موقفا لكي يرد المعني الحقيقي للأسماء والكلمات. فهل يفعلها ؟ لقد دخلنا الي عصر جديد لا تستأهل فيه الحكومة الامبريالية ورءوسها أي صفات أسطورية، ولا قادة أسطوريين. بوش الدوتشي، شيني المقنع، أشكروفت الحارس، ليدي كوندوليزا دو بوتوماك، رامسفيلد رجل السهول المنعزلة، وباول، الأبله ؟ في الواقع، لا تنقصهم الصفات. أنها وفيرة. تمارس هذه الشخصيات السلطة ببروفيل قابل للتحول، متولد من طفرة جينية، بل وغائب. من الممكن أن أن نغيرها بدون لمس النظام. كان هتلر وستالين غير قابلين للتغير. بوش وشيني ليسا كذلك. وهنا يكمن الأمل. من الممكن أن نأمل في أن الجماعة التي تهيمن علي البيت الأبيض سترحل عنه في نوفمبر 2001 في الانتظار، ستقترف للأسف كل الشرور التي من الممكن أن تقترفها سلطة لا تعترف بأي حدود خارجية، ولكنها لحسن الحظ ستعمل ألف حساب وهذا علي خلاف السلطات الامبريالية الماضوية بالمقاومة الديمقراطية الداخلية الجدية. في الخارج، لا أحد قادر علي مواجهة حكومات الولاياتالمتحدة. في الداخل، الناخب، وسائط الاعلام، الكونغرس والسلطة القضائية، هذه العوامل تجعل من الولاياتالمتحدة القوة العظمي الوحيدة في العالم المعولم... ولكن أيضا الامبراطورية الموسومة بالوسائط القوية للضبط الداخلي. كيف نصف سلطة توسعية، مؤكدة ومتناقضة ؟ ما هو الاسم الممنوح لقادتها شبة المجهولين ؟ ما هو القدر الذي يمكن التنبؤ به للأمة الأميركية ؟ انتشار أو انفجار ؟ رمزي أو نقدي ؟ ما الذي يوجد في الاسم ؟ نعم، ما الذي يوجد في الاسم ؟ ما الذي يوجد في الاسم ؟ "اسمي يرن جيدا"، قالت بيلار، أخت فرانكو، لكي تبين مواهبها الصغيرة. ولكن الوردة تظل معطرة، وان غيرت اسمها، كما قال شكسبير. "والوردة وردة، وردة"، كما أكدت جرترود شتاين. وبعد كل شئ، "لا شئ مهم سوي الورود"، حسبما كارلوس بيليسييه. ما كتبته يفضي الي يقين. لا نحيا في ظل أفضل العوالم الممكنة. ولكن اذا لزم علينا أن نحيا في هذا العالم بدون أي اعتبارات سوي الوجود، من الواجب أن نقبض علي الابداع الشفهي الذي لا ينغلق أبدا علي اسم أو كلمة في معتقل سلطوي، ولكنه يمنح الكلام الخاصية الحرة، "الناقصة واللا نهائية"، التي تكلم اميليو يودو عنها لما كتب عن "دون كيخوته". نحن، أعضاء أبناء اللغة الاسبانية، يجب أن نرجع الي علي عتبة العالم الحالي ذ ذ - لكي نسترد مناخ الحرية الاسمية الذي سينزل الهزيمة بكل الدوغمائيات والاعتقادات المطلقة. ضيعة دو لا مانشا مشكوك فيها. اسم بطل الرواية واسم امرأته مشكوك فيهما. مؤلف الكتاب مشكوك فيه. ولكن حرية الشك في الاعتقادات السلطوية وبناء عالم يمكن تغييره بفضل حرية القول والتسمية أمر مؤكد. في الواقع، من الممكن أن يحدث صدام حضارات. ولكنه لن يكون صداما بين الاسلامن والغرب، ولا بين الشمال والجنوب، ولا بين الولاياتالمتحدة (النموذج الوحيد الحي للتقدم الانسانية" والدول الأخري. سيكون صداما بين السلطة الاستبدادية، الجاهلة، الاقصائية، للقوة الفظة، والسلطة الديمقراطية، الحكيمة، الجامعة، للابداع الانساني. هل سنقاوم ؟ هل سنختار ؟ الحرب ليست السلام. الحرية ليست العبودية. الجهل ليس القوة. ( Carlos Fuentes, Le pouvoir, le nom et les mots, revue Autodafé n ! 3)Éditions Denoël, mai 2003).