\r\n لقد كانت واشنطن مصممة على الدوام على ضرورة قتل صدام حسين, لكنها ارادت لهذا القتل ان يكون بيد ابناء قومه بدلا من ان يكون على يد الامريكيين, ويعيد موقف جورج بوش الى الاذهان موقف بيلاطيس الذي سلم السيد المسيح الى اليهود واعلن غسل يديه من تلك القضية وبهذا يكون الرئيس الامريكي قد حقق النتيجة المستحيلة وهي اثارة التعاطف مع صدام خصوصا في المجتمعات الاسلامية. \r\n \r\n ان النظام القضائي العراقي غير قادر على ادارة محاكمة مقبولة, وبناء على ذلك فقد لجأ الى ترتيب عرض مسرحي تغير فيه القضاة, وقتل فيه محامو الدفاع, وسادته الاستطرادات الخطابية من جانب المتهمين والادعاء, وربما كان على بوش ان يطلب مشورة بعض السوفييت القدامى في كيفية ادارة المحاكم الصورية. \r\n \r\n كان الخطأ الامريكي الاكبر هو القبض على صدام حسين. في عام 1944 سأل النواب البريطانيون وزير الخارجية حينذاك انطوني ايدن عن طبيعة التعليمات التي تلقاها الجنود البريطانيون في حالة مواجهتهم لهتلر. فما كان من ايدن الا ان اجاب وسط ضحك النواب: »انا مقتنع بترك القرار للجندي البريطاني الذي سيصادف ذلك الموقف«. \r\n \r\n وكان ستالين الوحيد بين زعماء الحلفاء الذي اراد القبض على هتلر حيا بهدف الاستمتاع بشنقه, اما الآخرون فقد كانوا ينفرون من المضاعفات التي يمكن ان يجلبها الاقدام على شنق رئيس دولة. \r\n \r\n وقد جاء انتحار هتلر انقاذا لهم من ذلك المأزق. \r\n \r\n في محاكمات نورمبرع التي شملت مساعدي هتلر, كان الجميع غير مرتاحين الى كونهم يمارسون ما يعرف ب ̄»عدالة المنتصر« الا ان جلسات المحاكمات اثبتت فائدتها في تسجيل وقائع البعض من الجرائم النازية النكراء وتوثيقها للاجيال القادمة وقد تمتع قضاة نورمبرغ في حينها بمزية مهمة وهي ان قلة من الناس فقط كانت تشك بتفوقهم الاخلاقي على النازيين. \r\n \r\n بالمقابل, نجد ان السلطة الاخلاقية لقوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة قد نسفت منذ شن الحرب على العراق عام ,2003 وقد تمثل »انجاز« الرئيس بوش في تحويل مكانة امريكا المنيعة بعد احداث الحادي عشر من ايلول الى حالة تشكو من الضرر الخطير في الوقت الراهن, ومن المعتقد الان ان عدد العراقيين الذين لاقوا مصرعهم منذ الغزو الامريكي يفوق عدد الذين قتلهم صدام حسين, صحيح ان معظمهم سقطوا ضحايا نيران مواطنيهم لا نيران الامريكيين, لكن هذه الحقيقة لا اهمية لها ما دامت واشنطن قد اختارت الاضطلاع بمسؤولية البلاد, فالذين قضوا يكونون في هذه الحالة قد قضوا اثناء نوبة بوش وعلى مرأى ومسمع منه. \r\n \r\n مهما بلغت درجة سخط الكثيرين منا على جورج بوش وتوني بلير, فان ذلك السخط لا يبرر الخضوع لرغبة انانية في رؤية سياسة التحالف تفشل لا لشيء الا لاذلال الرئيس الامريكي ورئيس الوزراء البريطاني, في واشنطن, تقول بطانة بوش: »ان سياستنا هي تمكين الشعب العراقي من تعزيز مستقبله بنفسه, والسماح لمحكمة عراقية بمحاكمة صدام, ولجلاد عراقي باعدامه يعتبران خطوة مهمة باتجاه تحقيق ذلك الهدف«. \r\n \r\n لكن الامر لا يبدو بهذه الدرجة من البساطة في عيون الكثيرين منا, فالسلطة الحقيقية في عراق اليوم هي في ايدي الامريكيين او اتباعهم من الفصائل المحلية, وما يدعى بالحكومة الوطنية ومؤسساتها عاجزة تماما. \r\n \r\n قد يكون الحكم على صدم حسين عادلا, لكن رائحة النتانة تنبعث من كامل العملية التي ادت اليه ومن المحتمل ان ينفذ الحكم فيه قبل الشروع بمحاكمة ابن عمه علي حسن المجيد المعروف ب ̄»علي كيماوي« ويتوقع المراقبون على نطاق واسع التعجيل بتنفيذ الحكم للحيلولة دون تقديم صدام حسين لافادته في محاكمة المجيد حول التواطؤ الذي كان قائما بين واشنطن والحكم الديكتاتوري في بغداد وهي الافادة التي من شأنها ان تسبب احراجا كبيرا للولايات المتحدة. \r\n \r\n ومرة ثانية, فان صحة هذه القناعة او عدمها لا تشكل امرا مهما ازاء الاعداد الغفيرة من الذين يؤمنون بها حول العالم, ومن المفزع ان يضطر المرء الى الاقرار بان الامريكيين والبريطانيين والبعثيين ورجال الميليشيات وممثلي الحكومة العراقية ومنفذي التفجيرات الانتحارية في العراق باتوا اليوم يقفون على نفس الارضية الاخلاقية. \r\n \r\n يقول بوش وبلير انهما يريدان الخير للعراق ممثلا في الديمقراطية والحرية الشخصية. لكن تطبيقهما لسياستهما على الارض بلغ حدا من العجز جعل الزعيمين الامريكي والبريطاني لا يملكان من مصداقية التفويض اكثر مما يملكه اي مرتكب للقتل الجماعي في العراق. \r\n \r\n بغرض تبرير الاقدام على شنق صدام حسين يحتاج بوش وبلير الى سلطة اخلاقية سبق لهما ان اضاعاها. وفي غياب تلك السلطة الاخلاقية فان اعدامه سيكون مجرد فعلة قذرة اخرى في سلسلة الافعال القذرة التي توالت على العراق لحماية حرابهما منذ عام .2003 \r\n \r\n فالرئيس الامريكي سيكون مسؤولا عن عملية الاعدام مسؤولية لا تقل عن مسؤولية الجلاد الذي سيسحب الحبل, والى جانبه في المسؤولية يقف بلير الذي سينفذ الاعمال التكميلية مثل وضع الكيس في رأس الضحية وشد عقدة الحبل وغيرها من الاعمال التي تجعل منه طرفا مفيدا لبوش قد لا يعتبر هذا الفعل امرا خطيرا في تكساس لكن البريطانيين تركوا هذه الممارسة منذ زمن وربما يجد بلير نفسه في حاجة الى شيء من التدريب. \r\n \r\n من اللافت للنظر ان الحزبين السياسيين الرئيسيين في دولة الغت عقوبة الاعدام منذ اربعين عاما قد اعربا عن ارتياحهما لعملية اعدام ينفذها الاتباع فكيف, يا ترى, تمتنع دولة مثل بريطانيا عن شنق قاتليها في وقت تبدي فيه كل هذا الحرص على شنق قاتلي الآخرين? \r\n \r\n ان اعدام صدام حسين سيبدو في نظر الاغلبية عملا فاقدا للشرعية, ولن يكون للتأييد البريطاني اثر كبير الا انه, في جميع الاحوال سيجعل بريطانيا شريكة في المسؤولية. \r\n