تعاون بين القومي للإعاقة والقومي للطفولة لدعم الأطفال ذوي الإعاقة ورفع وعي المجتمع    شمال سيناء تدعم مبادرة «صحح مفاهيمك» كمشروع وطني شامل لتعزيز قيم الانتماء    التعليم تصدر توجيهات جديدة للاستعداد بمرحلة رياض الاطفال    صندوق التنمية الحضرية "500 ألف وحدة سكنية سيتم طرحها خلال المرحلة المقبلة"    أسعار الأدوات المدرسية فى أسيوط غدا الجمعة (تعرف عليها)    محافظ مطروح يستعرض بدء تطوير شرق كورنيش المدينة بالتنسيق مع الإسكان    مصر والإمارات توقعان خمس مذكرات تفاهم استراتيجية لتعزيز التعاون في قطاع الطيران المدني    بين «وَهْمِ الدولتين» وَوَهْمِ «إسرائيلَ الكبرى»..    أمريكا: كشف هوية المشتبه به في حادث مقتل 3 رجال الشرطة في بنسلفانيا    «صاحب الفضل على سلوت مدرب ليفربول» من هو لانجلير المدير الفني الجديد لقطاع الناشئين بالأهلي؟    انطلاق مباراة نيوكاسل أمام برشلونة في دوري أبطال أوروبا    رسميا.. المقاولون العرب يرفض استقالة محمد مكي    السيطرة على حريق مخلفات خلف سنترال رمسيس    النائبة هالة أبو السعد: لا تمييز بين طلاب البكالوريا والثانوية العامة    تأجيل أولى جلسات محاكمة الفنانة شيرين عبد الوهاب في اتهامها بسب وقذف مدير صفحاتها    عودة إلى الجذور    أشرف عبد الباقي: «ظلم ليا تشبيهي بالزعيم عادل إمام»    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم كل ما تحتاج معرفته    من أسرة واحدة.. إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة ملاكي بالإسماعيلية    أحلام الكلب وربيع اليمامة    الهولندي أرت لانجيلير مديرًا فنيًّا لقطاع الناشئين في الأهلي    إعلام غزة الحكومى: 44% من الشهداء فى مناطق يدعى الاحتلال أنها "إنسانية آمنة"    الرئيس الكازاخي لوفد أزهري: تجمعني علاقات ود وصداقة بالرئيس السيسي    ما حكم تبديل سلعة بسلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة أسيوط تجدد تعاونها مع الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية في المجالات الأكاديمية والبحثية    البورصة المصرية تربح 15.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    بالصور- ضبط مركز صحي غير مرخص تديره سيدة بمؤهل متوسط في بني سويف    سحب 961 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    الكابينة الفردي ب850 جنيهًا.. مواعيد وأسعار قطارات النوم اليوم الخميس    القنوات الناقلة مباشر مباراة مانشستر سيتي ونابولي في دوري أبطال أوروبا 2025- 2026    ليس صلاح.. كيليان مبابي يتوقع الفائز بجائزة الكرة الذهبية    ماستر كلاس للناقد السينمائي رامي عبد الرازق ضمن فعاليات مهرجان ميدفست مصر    قصة مدينة عملاقة تحت الأرض.. يبلغ عدد سكانها 20 ألف نسمة    بخسارة وزن ملحوظة.. شيماء سيف تخطف الأنظار برفقة إليسا    «هربانة منهم».. نساء هذه الأبراج الأكثر جنونًا    رغم الحرب والحصار.. فلسطين تطلق رؤيتها نحو المستقبل 2050    نائب محافظ الجيزة يلتقى مستثمرى المنطقة الصناعية لبحث المشاكل والتحديات    الإمام الأكبر يكرِّم الطلاب الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18-9-2025 في بني سويف    هل تواجد امرأة في بلكونة المسجد وقت العذر الشرعي يُعتبر جلوسا داخله؟.. أمين الفتوى يوضح    محافظ البحيرة: افتتاح 5 مشروعات طبية جديدة بتكلفة 84 مليون جنيه تزامنا مع العيد القومي للمحافظة    فيديو.. وزير الصحة: جامعة الجلالة أنشئت في وقت قياسي وبتكليف رئاسي مباشر    سرقتها أخصائية ترميم.. الداخلية تتمكن من ضبط مرتكبى واقعة سرقة أسورة ذهبية من المتحف المصرى    الكلاسيكو 147.. التاريخ يميل نحو الزمالك قبل مواجهة الإسماعيلي الليلة    300 مليون جنيه لاستكمال مشروع إحلال وتجديد مساكن المغتربين في نصر النوبة بأسوان    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    ملك إسبانيا في الأقصر.. ننشر جدول الزيارة الكامل    سرداب دشنا.. صور جديدة من مكان التنقيب عن الآثار داخل مكتب صحة بقنا    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    «أنتي بليوشن» تعتزم إنشاء مشروع لمعالجة المخلفات البحرية بإستثمارات 150 مليون دولار    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    مفوضية اللاجئين ترحب بخارطة طريق لحل أزمة السويداء وتؤكد دعم النازحين    الاحتلال الاسرائيلى يقتحم عدة مناطق فى محافظة بيت لحم    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    نائب وزير الصحة تتفقد وحدة طب الأسرة ومركز تنمية الأسرة بقرية بخانس بقنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحاول الوصول إلي روايات تاريخية مختلفة بدلا من تسييد سردية وحيدة
هالة حليم: كوزموبوليتانية الاسكندرية مجرد خطاب استعماري
نشر في أخبار الأدب يوم 31 - 05 - 2014

لماذ تعد الفترة ما بين 1860 وحتي نهاية خمسينات القرن العشرين هي الفترة الذهبية لمدينة الأسكندرية؟ الفترة التي كانت المدينة فيها تعيش عصرها الكوزموبوليتاني الشهير، لماذا لا تدخل تحت هذه المظلة الذهبية فترات أخري سابقة أو لاحقة علي هذا التاريخ؟
سؤال أساسي تطرحه هالة حليم الاستاذ المشارك للأدب المقارن ودراسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك في كتابها الأحدث "الكزموبوليتانية السكندرية" الصادر مؤخرا عن جامعة فورد هام في نيويورك
.ليست هذه المرة الأولي التي تصبح فيها الأسكندرية محورا لاهتمام هالة السكندرية الأصل، ولكن من قبل كانت أطروحتها لنيل درجة الماجستير في الأدب المقارن من الجامعة الأمريكية عن فكرة تأنيث الأسكندرية، في أعمال إدوار الخراط، لورانس داريل، وأناتول فرانس.
أيضا خلال عملها الصحفي بجريدة "الأهرام ويكلي" كانت الأسكندرية محورا للكثير من موضوعاتها الصحفية، بعدها سافرت هالة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، وكانت الأطروحة تدور أيضا حول "كوزموبوليتانية الأسكندرية" وعادت لمصر بعد إتمام أطروحة الدكتوراه، ومنحة ما بعد الدكتوراه، وبعدها بدأت التدريس في جامعة نيويورك.فرضيات أولية
دعينا نبدأ بفكرة كوزموبوليتانية المدينة..كيف ترينها؟
"كوزموبوليتانية الأسكندرية" عبارة عن خطاب استعماري عن المدينة، وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك علاقات جيرة وتعايش بين جنسيات مختلفة، ولكن ما أقصده هو أن الخطاب المطروح في الدراسات الأوروبية والإنجليزية تحديداعن كوزموبوليتانية المدينة هو خطاب امبريالي يقنن دور الاستعمار والنفوذ والهيمنة الأوروبية في المدينة، ومن وراء الأسكندرية مصر. وهذه الفكرة بمثابة الفرضية التي أناقشها علي طول الكتاب. فهناك ما يمكن أن نسميه سردا تاريخيا للأسكندرية، يعتمد الفترة الكوزموبوليتانية الممتدة تقريبا من 1860 إلي 1960، وتري تلك الفترة كما لو كانت إعادة انتاج للفترة الهيلنستية التي تظهر في هذا السرد كفترة المدينة الذهبية الأصلية وهي تقريبا فترة حكم البطالسة لمصر، وهي بالمناسبة فترة مطاطة أيضا إذ تمتد أحيانا لتشمل فترة الرومانية أيضا، ولكن المهم أنها تنتهي عند دخول العرب لمصر.
وهنا يجب أن نطرح سؤالا نقديا حول لماذا تعد هذه الفترة من 1860- 1960 هي الفترة الذهبية وهي التي تبدأ تقريبا مع تغول النفوذ الأجنبي في مصر؟ ولماذ تنتهي هذه الفترة مع 1956 أي مع بداية الصعود المصري مرة أخري؟ فلماذا تعد هذه الفترة التي تحاكي فترة سابقة كان السيطرة فيها للعنصر الأوروبي هي أكثر الفترات جمالا في تاريخ المدينة. ولماذا الأسكندرية التي أسسها الاسكندر - هي التي تمتع بمثل هذا التاريخ، وليست القاهرة التي أسسها الفاطمبيون مثلا؟

بجانب هذا الطرح الأساسي تتناول هالة تفريعات أخري لها علاقة مثلا بدراسة الأثار السكندرية وكيف تدعم طرق دراستها هذا السرد، فلماذا يوجد متحف يوناني روماني بالأسكندرية، ولم يوجد متحف لأثارها الأسلامية العربية التي في2003؟ ولماذا تم طرح الجالية اليونانية بالاسكندرية في كتابات نقاد وأدباء ومؤرخين علي أنها همزة الوصل الاساسية بين تاريخ الأسكندرية الذهبي وحاضرها،
نقطة أخري التي تطرحها هالة في مقدمة كتابها، هي كيف يعيد النقاد الأدبيين من خلال تخصصهم وبأستخدام أدواتهم النقدية انتاج هذا السرد ويضيفون عليه كذلك، بشكل أساسي عبر خلق ثلاثي أدبي هو المعبر عن تلك الأسكندرية، وهم قسطنطين كفافي، إ م فورستر، ولورانس داريل. ويبقي أهمهم في هذا الطرح هو كفافي، اليوناني السكندري الحديث الذي نظر للأمجاد الهيلنستية وحاول أعادة انتاجها عبر أشعاره، وبالتالي يمكنه تجسيد تلك الوصلة بين حاضر المدينة وماضيها. ثم قراءة لوجهة النظر تلك، ومحاولة إظهار كيف ترسخ هذه الرؤية للاستعلاء الأوروبي، بطريقة تساعد هذا الوجود الاستعماري. وتنتقد استعمال موتيفات ضمن هذا الخطاب مثل استعمال المصريين كبرابرة، وكيف أصبح عام 1956 عام وصول البرابرة، وأن الحضارة التي كانت تتمتع بها المدينة أنهارت علي أيدي المصريين / البرابرة التي استولوا علي المدينة.

تبدو الأسماء الثلاثة متشابهة في الولع بالمدينة؟
بشكل ما يطرح هذا السرد التاريخي الكتاب الثلاثة كأنهم متشابهون، لكنهم في الحقيقة غير متشابهين، فظروف تعامل كل منهم مع المدينة تختلف عن ظروف الأخر، فكفافي ولد بالاسكندرية، وفورستر جاءها زائرا في الحرب العالمية الأولي، وداريل جاءها بالحرب العالمية الثانية، كما أن خطابهم عن المدينة يختلف من واحد للأخر. وحتي داخل أعمال كل كاتب ستجد رؤي مختلفة للمدينة أحيانا تصل لحد التناقض. وهذه هي النقطة الثالثة التي أتناولها في المقدمة في محاولة لقراءة هذه الثلاثي المكرس (كفافي فورستر - داريل).

انطلاقا من هذه الفرضيات يتحرك باقي الكتاب في أربعة فصول عن كفافي، فورستر، داريل، والفصل الرابع عن كاتب غير معروف قدمت عنه هالة أسمه "برنار دي زغيب"..."شامي سكندري، توفي في 1999، وكان رساما وكاتبا للاوبريتات الكوميدية بعضها عن الأسكندرية، وكان يكتبها بلغة إيطالية مهجنة، فلم يكن يجيد الإيطالية ولم يكن يهتم بإجادتها ولكنه يستعمل تلك اللغة المختلطة من الإيطالية واليونانية والفرنسية والانجليز ية والعربية. وكان يكتب الكلمات بنفسه ويستقي موسيقاه من الموسيقات الشعبية العادية، ويغني أعماله لأصحابه ويقوم بأداء الأدوار المختلفة، ولم تنشر له سوي أوبرا عن الأخوات برونتي، وعرضت له أوبرا أخري عن "الأجازة في باريس" بفضل الشاعر الأمريكي جيمس ماريل وهو شاعر غني كانت لديه مؤسسة تدعم الكتاب الشباب وبالفعل عرضت الأوبرا في نيويورك وكانت اوبرا بالعرائس، كما نفذوا له ايضا أوبرا "فيدرا".
وقد قمت بتجميع نصوصه الأخري تقريبا عشرة أوبرتيات ولا أظن ان هناك اعمالا أخري له وتسجيل صوتي له يقوم بأداء أوبرا عن كفافي، يظهر فيها إ م فورستر".

والجزء الأخير في "الكوزموبوليتانية السكندرية" حمل عنوان "خاتمة وفاتحة" حيث يعد خاتمة للكتاب الأول، وفاتحة للجزء الثاني الذي تعكف هالة الأن علي العمل عليه، حيث تقدم في الخاتمة/الفاتحة نظرة عامة لهذا التراث وترصد أصداءه اليوم التي تظهر في اكثر من اتجاه، منها مذكرات السكندريين أصحاب الأصول الأوربية أو المختلطة - اللذين هاجروا من مصر.
"أنتقد هؤلاء انتقادا لكونهم استعملوا هذا الخطاب الاستعماري بل وضخموه مرات عديدة، إذ يحاولون التغلب علي حزن مقيم ينبعث من فقدانهم لمدينة طفولتهم وكذلك ترسيخ وجودهم في أماكنهم الجديدة عبر النظر بتعال لأسكندرية ما بعد 1956، وأرصد تيمات معينة مثل العودة، والبحث عن أماكن بعينها مثل المدارس التي درسوا فيها، المقابر التي فيها ذوويهم. تيمة أخري وهي استخدامهم الكولونيالي للثلاثي الأدبي المكرس (كفافي فورستر داريل) عبر ابراز سطور ومقاطع بعينها في سياقات تحاول التقليل من شأن المصريين.
وأيضا ارصد أصداء هذا الثلاثي في مصر، عبر الترجمة سواء أكانت الترجمات المتعددة لكفافي، أو ترجمة داريل الكاملة التي قام بها فخري لبيب، أو غير الكاملة لسلمي الخضراء الجيوسي، وترجمة كتاب فورستر "الأسكندرية تاريخ ودليل" لمحمد بيومي.
ثم أتابع تلك الأصداء في السينما عبر فيلم "المدينة" ليسري نصرالله، و"إيثاكا" لإبراهيم البطوط، وفي الأدب من خلال رواية "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس" لطارق إمام. وأتناول قليلا الأدباء المصريين الذين كتبوا عن الأسكندرية مثل إدوار الخراط، وإبراهيم عبد المجيد وأيضا نجيب محفوظ، وهذا هو الموضوع الأساسي للجزء الثاني، لذا كان الفصل الأخير خاتمة وفاتحة للعمل الجديد".
كفافي.. كأمبريالي متناقض
"لفظي "كوزموبوليتانية" و"البرابرة" كلمات يونانية قديمة، الأولي تعني مواطن عالمي وبذلك توحي بقبول الأخر والتسامح، والثانية تعني الآخر الأدني، الذي يقع خارج الحضارة اليونانية وهذا هو التناقض الفاضح الذي أواجه به هذا الخطاب النقدي بين الكوزموليتانية التي يبكون عليها، والبرابرة التي ترفض هذا الآخر وتلفظه.
وأتساءل هل هذا التناقض موجود بالفعل عند كفافي؟
وأستند في هذا التساؤل علي أعمال دارسين سابقين للكلاسيدكيات اليونانية حيث يظهر ان فكرة "البرابرة" لم تكن فكرة
ثابتة، ولكنها متغيرة معني ودلالة حسب استخدام الكلمة لنعت اثنية معينة فأحيانا البرابرة هم الفرس وأحيانا هم المصريون، وهكذا.
وثانيا عند كفافي قصائد قليلة يظهر فيها هذا التناقض بين اليوناني / البربري، والمسألة الأخري أن قاموس كفافي الشعري نفسه الذي تم اختزاله في قصائد بعينها - بها كلمات لابد أن نسأل أنفسنا عن وضعها داخل انتاجه الشعري مثل "الفلهلين" أي محبي الأشياء اليونانية، و"الهلينوفون" وهم الناطقون باليونانية ول ليسوا يونانيي الأصل. و"الايجبتوتس" وهي كلمة يقال انها اشتقاق كفافي نفسه ويقصد بها اليونانيين المصريين.
فأين نضع هذه الفئات في الخطاب الذي يحصر كفافي فقط في ثنائية (البربري/ المصري)؟
وطرحي أنه بالنظر لانتاج كفافي كله الشعر والنثري نجد أن هذه الازدواجية تتراجع أهميتها ويبرز اتجاه لتبادل الأدوار فاليوناني يتحول إلي مصري، والمتمصر يتحول إلي يوناني.
بل أن كفافي له كتابات في أواخر حياته يدعو فيها النقاد لرصد التأثيرات التي صنعتها الحياة المصرية علي كتابات اليونانيين في مصر، وأنه يجب علي اليونانيين المصريين أن يلعبوا دورا في تقديم الأدب المصري لليونان. وهذا يختلف تماما عن صورة كفافي في الخطاب النقدي الإنجليزي تحديدا".
فورستر.. حكايات للجنود المصابين
من المأخذ علي النقد الأدبي الامريكي والانجليزي التي تنم عن انحيازه لتكريس الخطاب الكولونيالي حول الاسكندرية هو استعمال نص واحد لفورستر هو "الأسكندرية تاريخ ودليل" بدون مناقشة مستفيضة لعلاقته بنصوصه الأخري، وأيضا يتم التعامل مع ما كتبه فورستر علي أنه التاريخ الوحيد للمدينة بدون أي مساءلة نقدية أو تاريخية له، فالأن النظريات التاريخية الحديثة تظهر أن كتابات المؤرخين هي في النهاية روايات وليس حقائق، وأن الكتابة التاريخية تخضع لظروف وأنماط كثيرة للرواية، وأيضا يبدو من البديهي أن نتشكك قليلا ونحن نتعامل مع انتاج شخص روائي بالأساس مثل فورستر.
كتاب فورستر بالأساس كان مجموعة من المحاضرات التي يلقيها علي الجنود المصابين في الحرب، ولما كان المتلقي يطبع بشكل ما السرد بصورته، فنجد أن فورستر عند حديثه عام 1882 يتحدث عن عام "اضطربات" وليس عن احتلال، وعندما يتحدث عن عرابي يتحدث من وجهة نظر إنجليزية ف"جنودنا كانوا يواجهون الأعداء".
فورستر في "تاريخ ودليل" يعتمد نفس الخطاب القائل أن الفترة الحديثة تعيد أمجاد العصر الذهبي للأسكندرية الهلينستية، ويعطي فورستر في سرده لهذه الفترة لمحات جمالية واستشراقية ذكية، وأيضا تعكس جزءاً من شخصية فورستر نفسه حيث إنه علماني متردد، فالفترة الذهبية للأسكندرية بالنسبة له ليست الفترة البطلسية فحسب ولكنها الفترة التي نشطت فيها التساؤلات والجدل والمدارس الفلسفية بالمدينة عن علاقة الالهي والإنساني وهي تمتد من العصر الهلينستي وحتي الحقبة الأولي للعصر المسيحي، وهذه الرؤية هي انعكاس لتذبذب فورستر الشخصي.
بعد ذلك تأتي فترة المسيحية، التي لا يحبها فورستر، ثم الفترة الأكثر ظلاما بالنسبة لفورستر وهي الفترة العربية حيث أن الإسلام بالنسبة له لا يعرف هذه العلاقة الفلسفية بين الأرض والسماء.
وعندما ننظر إلي الدليل فسنجد أنه تناوله لمنطقة جوامع أبو العباس المرسي، والبوصيري، وياقوت العرش، ينقصه السياقات الثقافية الخاصة بها. رغم أثرية تلك المنطقة، وأيضا أسقط البوصيري نفسه وقصائده التي تعبر عن علاقة مختلفة بين الأرض والسماء التي لم يحاول فورستر أن يراها بعد عصره الذهبي للمدينة. وبالتالي أسقط فورستر مدارس الأفلاطونية الجديدة وكيف أنتقلت من الأسكندرية لبغداد العباسية. فالمسألة ليست في أن المدينة أظلمت مع مجيء العرب، ولكن كيف تروي التاريخ".
فورستر.. جانب خفي
"هناك شخصية مهمة في حياة فورستر لا يتم الالتفات لها كثيرا وهي شخصية محمد العدل، وهو كمساري مصري شاب كان علي علاقة مثلية بفورستر الذي تعرف عليه عندما كان العدل في التاسعة عشرة وكان مغرما به، ولكن مات العدل الذي كان مصابا بالسل في الثانية والعشرين أو الثالثة والعشرين علي أقصي تقدير، بعد أن تم حبسه لفترة أثرت علي صحته وتوفي علي أثرها.
وقد كتب فورستر نصا سياسيا عن مصر بعنوان "ملاحظات عن مصر" عن الأوضاع في مصر حاول من خلاله أن ينصف حبيبه المصري، يكاد هذا النص أن يكون علي العكس تماما من الرؤية المقدمة في الدليل، حيث يدافع عن الاسلام، وعن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وأن الثورة ثورة 1919 ثورة شعبية وليست حركة نخبة.
ولم يتم ترجمة هذا النص كاملا ربما ترجم منه بيومي في ترجمته لتاريخ ودليل بعض مقاطع وهذا يظهر سمة أخري أننا نترجم ما يراه الغرب جيدا، ولا نلتفت لما لا يلتفت إليه الغرب".
داريل... الاستعماري القح
"هو الكولونيالي بلا قناع، معظم شخصياته رجالية، مرتبطة بشكل ما بالأمبراطورية الإنجليزية.. سفراء، موظفون بالسفارات، مدرسين يقومون بأعمال لخدمة القوي الكبيرة، وعادة ما يغرمون بالمدينة أو أنثي ترمز إلي المدينة وفجأة تنقلب علاقتهم بها، حيث يشعرون بغدر المدينة / الأنثي، لتتحول العلاقة السابقة إلي كراهية ويغادرون بعدها بلا رجعة، والشخصيات التي ترمز إلي المدينة هي شخصيات هجين متعددة الأصول، وأكثر من يمثلهم هما شخصيتي جوستين ونسيم، اللذبن يقومان في أخر الرواية بتهريب السلاح للعصابات اليهودية في فلسطين، لمساعدة الصهيونية الوليدة، وهنا يبدو داريل كما لو كان خائفا من ضياع النفوذ الأمبريالي القديم وهو كان يكتب في الخمسينيات ليسقط هذا الخوف علي أزمنة سابقة زمن الرواية كأنما يأمل في المشروع الأستيطاني الجديد كوريث للمشروع الأوربي الأمبريالي.
إذا كان هناك شكل كوزموبوليتاني في رباعية داريل يمكن الاستفادة منه فهو ما يحدث عند قلب الرواية رأسا علي عقب لنقرأ كيف يلعب الاستعمار علي هذه الشخصيات الهجينية التي تستخدم أوراقاً مثل الأقليات من أجل فتح مساحات جديدة للاستعمار".
برنار دي زغيب... الليفانتين
واحدة من الموتيفات الكولونيالية في خطاب الكوزموبوليتانية أن الاسكندرية ليست أوربية تماما وإنما "ليفانتينية" وهي كلمة تعني الشرق المتوسطي، ولكنها تعدت الوصف الجغرافي وأصبحت تدل علي نمط أخلاقي معين شبه شامي مهجن بأوروي، والسمة الغالبة فيه هي السمسرة والنصب، نصاب وفهلوي ولكنه أوربي بعض الشيء. وداريل مثلا يستعمل الكلمة والمفهوم كثيرا. "برنار دي زغيب" الشامي الناطق بلغات أوربية، وغير المتمصر، وتفكيره مطبوع بفكرة الليفانتين، ولكنه غير منسحق أمام الفكرة، بل فخور بهذا الخليط الذي يتكون منه، ويقلب هذا النعت السيد ليصبح أمرا حسنا.
وهذه الليفانتينية تتجاوب مع مثلية زغيب، حيث تصبح هذه الهوية المتحركة وغير الثابتة، متناسبة مع مسألة المثلية غير المستقرة هوياتيا. لا ينسحق زغيب أمام هذه الهوية، ولا تقلقه، ولا تجعله يعلي من شأن جزء لصالح جزء آخر، لكنها تمنحه أفقا أكثر رحابة، وأكثر خفة.

تختتم هالة حديثها قائلة: "في هذا الكتاب لا أبحث عن نظرية للكوزموبوليتانية خاصة بي، فأنا بالأساس ضد النظريات المطلقة، إنما أحاول البحث عن سردية مختلفة عن السردية الكولونيالية الشهيرة، عبر البحث في تاريخ الأسكندرية ذاته للوصول إلي روايات أخري لنفس التاريخ من ناحية، ومن ناحية أخري إلقاء الضوء علي فترات تاريخية أخري أسقطها هذا السرد الاستعماري".
والتي تعني القبول بالآخر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.