لورانس داريل الذي ولد من 100 عام، معروف برباعية الإسكندرية، التي هي دراسة عن الحب الحديث، مع حبكة ممتلئة بالمفاجآت، هناك صدمات حول كل ركن مترب. "رباعية الإسكندرية" للورانس داريل هي رباعية يتم الاحتفاء بها من الخمسينيات، ويعرّفها الكاتب بوصفها "بحثاً في الحب الحديث". ولكنها كثيرا ما يعتبرها قراؤها استعادة لذكريات المدينة صاحبة العنوان، الإسكندرية اليونانية العربية متعددة الأعراق. غالبا فتنويعات لا نهائية للحب يمكن استكشافها حقاً في صفحاتها الألف العجيبة، وحضور الإسكندرية بالتأكيد يتخلل العمل، ولكني أعتقد أن الإعجاب الأسطوري بالرباعية هو وجودي في جوهره. العمل نفسه أعظم من موضوعاته، وهو يلقي بسحره ليس فقط بشكل انفعالي صرف، أو طبوغرافي علي وجه الخصوص. الرواية لا تدور بالتحديد أو بشكل خاص حول شيء ما. هي رواية تجريبية في عصرها، ربما ترتبط بأعمال صديق داريل، هنري ميلر، ربما ليوليسيس. إنها تنطلق من افتراض أن الناس والأحداث يبدون مختلفين عندما تتم ملاحظتهم من زوايا وفترات مختلفة، وأنه من الأفضل أن تتم ملاحظتهم، كما فعل داريل نفسه، بشكل مجسم. تهتم المجلدات الأربعة بنفس الشخصيات، ولكن كلاً من الساردين العديدين يسردان قصص الرواية المعقدة من وجهة نظرهم، وهم يكتبون في فترات مختلفة. يزعم داريل أن هذه الحيلة تجلب مبدأ جديدا للواقع، تعكس أفكار فرويد وآينشتاين ولقاء الميتافيزيقا الشرقية مع الغربية. إن كان هذا يبدو مفرطا، فحسنا، الرباعية نفسها لا تخلو من الادعاء، في مبدأها كما في عرضها. كما هو معترف به عامة، إنها مزخرفة عادة، وفيها إفراط في الكتابة، إلي الحد الساخر أحيانا. يمكن للطموح الأعلي في مخططها أن يجعل سارديها وشخصياتها مرتبكة بشكل غير مفهوم، ومثقفها يستخدم كلمات مثل (الطهارة، الوعي، التنبؤ، العرافة) ولكن إن دققنا، فسنقرأ بدون تسرع، أن هناك العديد من الفقرات عظيمة الإلهام والوصول إليها يجعلك تشعر بالانطلاق من الأنهار الضئيلة نحو مياه البحر المتوسط الصافية الزرقاء الرائعة. صحيح أن مدينة الإسكندرية تلون العمل كله. عاش داريل وعمل في المدينة من 1942 حتي 1945، واعتقد بشكل قوي في تأثير المكان علي طابع الناس. طابع الإسكندرية المشرقي الغريب، كما كان موجودا في وقت داريل، موجود بشكل كبير في تلك الصفحات. استجاباته للمكان الذي تحدث عنه جزئيا إ. م فورستير، في عمله الرائع "الإسكندرية، التاريخ والمرشد" والذي نشر لأول مرة عام 1922، وبشكل أخص الشعراء السكندريين العظام كونستانتين كافافي، الذي مات عام 1933، ولكن وجوده المتكرر في كتبه غالبا ما يكون مثيرا كحضور المدينة نفسها. إنه كافافي الذي كتب عن الإسكندرية "لا توجد أرض جديدة، يا صديقي، لا/ أنهار جديدة، لأن المدينة ستلاحقك/ ونفس الشوارع ستمضي فيها للأبد..."، وواحد من ساردي العمل يضيف أيضا، أعتقد نسيم في "جوستين": "المرء هو مجرد امتداد لروح المكان". الساردون المتعددون في "الرباعية" مستعبدون تماما لروح الإسكندرية، والقراء غالبا متورطون أيضا، لأن العمل الغامض جدا في السياقات الأخري، يكون واضحا بما يكفي عندما يتعامل مع المدينة. نتعلم سريعا جغرافيا المكان، من شارع فؤاد الجميل، إلي شوارع العرب الخلفية، من فندقي لوتيل وسيسيل إلي مقاهي الحشيش بالأحياء الفقيرة، أو المناطق الرملية بالصحراء الغربية. نحن نجد بداخل المنازل كوزموبوليتانيين ودبلوماسيين أغنياء، ونزور الغرف العالية الخانقة، والمواخير وبيوت الدعارة بجانب البحر. هذه حقائق أكثر من كل شيء، أسس داريل الكثير من سرده علي خبرته الشخصية، الذكريات والنميمة، التي أعطت للرباعية، بالنسبة لمعاصريه، شيئا به سحر الروايات الواقعية الفرنسية، ليس فقط في إحالاتها الجنسية. في الحقيقة فالحس عموما هو أكثر طابع سكندري في الرباعية، ولكنه يظهر نفسه أيضا، بشكل تمثيلات ضبابية للجنس الفردي "الحب الحديث" كما قال داريل. "أمواج إيروس الزرقاء القاتمة" بعيدة عن أن تكون بورنوجرافية. في بعض الأحيان نحن لا نكون متأكدين في الحقيقة من يحب من، وفي لحظة أو أخري نجد تنويعات من المثلية الجنسية أو التشبه بملابس الجنس الآخر، ولكن غالبا فعناصر الحب مباشرة ومثيرة للانفعال، وهي تسيطر حقا كما يشير داريل علي الاستمرار المراوغ للحبكة. الرباعية ممتلئة بالمفاجآت، يمكني أن أقول بعضها فرويدي أو آينشتاني في أصلها، أو متعددة الثقافات ميتافيزيقيا، ولكنها تبدو لي تقلبات لكاتب إثارة محترف، أقرب للو كار (كاتب جاسوسية بريطاني) منها لجيمس جويس، وأحيانا متورطة في الميلودراما "وحل الحبكة والحبكة المضادة" كما تعرفها إحدي شخصيات داريل، وهذه الكتب ممتلئة بالذري الجيدة، ولكن داريل أيضا سارد قصة جيد، ماهر في تقنية الإثارة والخدع. أيها القارئ احذر الصدمات التي تأتي دوما من الأركان المتربة. ظهرت الكتب الأربعة أولا بشكل منفصل جوستين في 1957، بالتزار وماونت اوليف في 1958، كليا في 1960. عرفت فوراً علي أنها أعمال فن متميزة، ولكن الحكم علي العمل ككل، رغم أنه جدير بالاحترام، كان مختلطاً. النقاد الفرنسيون أحبوه. الأمريكان انبهروا به. النقاد الإنجليز لم يكونوا متأكدين جدا. داريل المغترب جل حياته، لم يكن معجبا بالثقافة الإنجليزية ونثره المفصل لم يكن جاذبا جدا لرجال الأدب المتزمتين كأجنوس ويلسون الذي وصفها ب"المبتذلة والمبهرجة". تظاهرها تم تقليده، شطحاتها الطليعية تم اقتباسها، وعلي الرغم من أن الكتب حصلت علي نجاح تجاري، إلا أن داريل لم يكتب شيئا ناجحا تجاريا بعدها. ولكن العمل كله نفسه، البناء الخيالي العظيم، واجه اختبارات الزمن والذائقة، ولم تتوقف طباعته وربما لن تتوقف. لنصف قرن بعد اكتماله، بدا هذه الابتذال المزخزف والتظاهر الحداثي، أنه لم يعد مصادفة بالنسبة لطعمه الفريد، الذي يظل في الذهن لمدة أطول من الحبكات المربكة (لأن الآلاف موجودة، ومربكة) والتي نسيت.