كيف تتغلب علي إكليشهات العامية، وأنت تستخدمها؟ علي صوتياتها،علي ايقاعها التفعيلي الذي صار "منطا" لعاطلين عن العمل وفاشلين في الدراسة والحياة أقصي طموحهم أن يفوزوا بجائزة طلعت حرب التي لا تتخطي 500 جنيه؟. في خلطة مؤمن المحمدي في ديوانه "تخاريف الخريف" ينجح حينا ويخفق حينا، يتغلب بالخفة، بالبهجة التي يمنحها لنصوصه، بالمفارقة التي تستغل خفة دم الزجل، وقدرة الشعر علي الالتقاط وخلق الدلالة. لمن لا يعرف مؤمن، مؤمن رجل بدين، يمشي بصعوبة علي الأسفلت، وهو يمضي نحو الأربعين، لا يكف عن الحكاية، إطلاق النكات"الجديدة" علي نفسه وعلي الآخرين، يوزع "البهجة" ويخبيء "الألم " ويشرب "النارجيلة" بثبات، مستودع محبة وهزائم وخيبات وحكمة، يحب "شكوكو" ويؤمن بملحمية حياة محمد فوزي، ومثقف لايدعي إنه "شوارعي" وشوارعي لا يدعي إنه "مثقف". يبدأ ديوانه بموال للفقير "ما يعرف الحزن إلا اللي حزن وحده ده مهده وسريره ولا ده لحده"، أحبطتني البداية الكلاسيكية، لكنه يتقلب سريعا بين أشكال، يبدو إنها لا تؤمن بمبدأ الزمن تتطور فجأة وترتد فجأة، ينجح حينا فيكتب الفرق المدهش قائلا "بس بكايا غير بكاهم.. زي الفرق بين الصريخ في الجنازة ودوشة القهوة"، ثم يرتد في سذاجة "والله بهواكي ..والله بهواكي..والله بهواكي". بعيدا عن هذا التقلب، ينجو مؤمن بصوته الخاص ، من الفخ الذي سقط في شراكه أغلب شعراء العامية، الخلطة ربما تكمن في إن ايقاعه لا يقدس الخليل ابن احمد وانما يخلص أكثر لمؤمن، أذن موسيقية، ربما، تكتب الزجل العمودي والتفعيلة التي تغاير أوزانها في نفس القصيدة، والنثر الخالص، لكن في أحيان أخري ينسي شاعر العامية الطموح، ليكتب إكليشيه الشاعر المثقف "مخنوق بيتنفس هزيمة"، الشفقة علي الذات، الابتزاز العاطفي ، النحيب علي اللبن المسكوب ، تبدو كقاسم مشترك بين شعراء العامية. الصورة عند مؤمن، تشترط "الحياة"، فالبنت التي بروعة الأحلام ونكهة الفوضي" عندما يكون معها يشعر معها كأنه "بيتفرج علي ماتش نتيجته لصالحي"، فالكره يشبه "كرهي المشركين في فيلم ماجدة" وعندما يغوي الحبيبة بالاحتضان يقول "ونستخبي جوه بعض زي العساكر في الميدان، وتصبح علاقته بالبشر "محطة أتوبيس بتجمع ناس ما يعرفوش بعض، بيجولها بلهفة أكبر، وبلهفة أكبر بيسيبوها". كما إنها تشترط إيقاع الناس، اصوات الباعة، رنين قواشيط الطاولة، الجرس، العود. تنجح خلطة مؤمن حين تصف الوحدة "إلي مؤمن لا شريك لي للأسف" فهي تكتبها عن طريقة مفارقة التعالي عليها، فالوحدة تصنع إلها، يتنازل عن ألوهيته ببساطة إذا وجد من يستحق مشاركته الونس، وحين يقول ببساطة "هي الحقيقة إيه ..غير كدبة بنحبها" ويفشل عندما يصرخ بمباشرة "عملوا إيه فيكي ولاد الكلب وأنا غايب؟".