( فورستر) 1 أتذكر أنني توقفتُ طويلًا أمام وصف الإسكندرية ب (مدينة كوزموبوليتانية) وقبل أن أهتم بالمعني، أخذت أدرب نفسي علي تجاوز بعض الحروف لإمكانية التفاخر بنطقها، دون أن يظهر علي وجهي معالم الشلل النصفي، وعندما فشلت المرآة في تحمل تدريباتي اليومية، اكتفيتُ بأن أناديها باكوزمو» علي سبيل الدلع الاضطراري! وحتي لا أعلن هزيمتي السريعة، قررت بأن أبحث عن معني تلك الكلمة التي تلتصق بالإسكندرية أكثر من وصفها بالمارية وترابها الزعفران. وبعد البحث في ترجمة جوجل وغيرها من الترجمات، كان المعني الأكثر شيوعًا هو: «مدينة عالمية»، والشخص «الكوزمو» هو: شخص يعتبر العالم كله وطنًا له، شخص متحرر من الأحقاد القومية أو المحلية. 2 عندما تطاوع قدميك وتسير في شوارع الإسكندرية، تدرك بأنها مدينة التناقضات؛ فالشوارع تحمل رائحة الماضي بقوة حضوره، فتتبع فيها خطي السابقين. الإسكندرية لا تريد من يقرؤها، بل من يعيشها؛ فما تقرأه أو تشاهده عنها لا يمت للواقع بصلة، فكل واحد يكتب سكندريته، وأنت عليك أن تكتبها.. تعيشها؛ فإن كنت تحب الشعر وتقرأ كفافيس، ستقودك قدمك إلي مقهي إيليت، وستسقط كل أبيات الشعر من يديك حين تجده قد تحول إلي مسخ بديكور باهظ، بلا أي مراعاة لأرواح لاتزال تسكنه، وإن كنت تفتخر بعظمة مول سان استيفانو وتعتبره من المزارات السياحية، ليس عليك سوي ان تبحث عن صور لأطلال الفندق قبل تبديله بهذا المسخ الخرساني الذي أتي علي الاخضر والأزرق واليابس، فكن حريصا وأنت تقرأ في كتب السابقين، أو تشاهد ما التقطته عدساتهم.. من ان يصيبك هذا الحنين لماضٍ فاتنا أن نحياه، فهذا ماتبقي لنا من ذكري الإسكندرية. 3 هل تؤمن بنظرية المؤامرة؟ أنت لا تؤمن بها وتظنها كلمة جوفاء، إذن لا تحاول السيطرة علي والدتك لمعرفة لماذا نصيبك في الطعام أقل من إخوتك، وفسِّر لي كيف تري الاغتصاب العلني جهارًا نهارًا للإسكندرية؛ ففي فصل الصيف تري المعتدين تتساقط منهم المياه والرمال في خليط طيني علي رءوسنا، وفي الشتاء تنخلع أرصفة البحر وعواميد النور وتغرق الإسكندرية في ماسورة صرف صحي بحثًا عن سباك؛ وكأن الشتاء يفاجئهم كل عام بغير موعده، ولتذهب نظرية المؤامرة إلي الجحيم، لكن بعد أن تخبرني عن السرِّ في عدم تحويل شارع بحجم النبي دانيال لما يشبه شارع المعز القاهري؟ ولماذا نستيقظ كل يوم علي صراخ التاريخ بعد هدم الأبنية والفيلات الأثرية، وعجز القانون أمام ثغراته ( فهل نحن أمام مبني أثري، أم تراثي) فلكل نوع قانون يحميه، أو هكذا نظن، وبجرة قلم تحذف من مجلد التراث ملامح مدينة مزجت كل الحضارات التي مرت بها حتي تحصل علي طابعها الخاص.. فتحولنا من كوزمو لدول العالم، لكوزمو تشوهات الحداثة، وتصير الجملة الشائع سماعها حين نطالب بأبسط حقوقنا: ااشرب من البحر!».