لا أعرف إن كنت أنا الذي سأكتبك علي الورق أم أنك الذي سوف يكتب نفسه علي الفضة ِ والنوافذ العالية تعال إذن نتصالح أنت تسكن في مقبرة قرب قاسيون ويقال لها الصالحية !! وأنا أسكن في مزبلة من مزابل الحاكم بأمر الله تلك التي كانت فيما مضي دورة مياه عمومية لسمعان الخرّاز ومريم عاهرة النجار فوق جبل المقطم !! أنت تتحدث كثيراً عن الله الأكثر حكمة من كل شيء في هذا العالم وأنا أشبك الشمس في ذراعي وأناولها لأمي ككوابيس مؤجلة أو أسماكاً من خشب محروق في علبة صفيح وأنت تقطع السكك من فاس إلي مكناس ومن مكناس إلي طنجة الواطئة الحارة والشمال الإفريقي ذي المراوح لكي تصل إلي القدس مدينة الرب المقدسة وتتكلم مع الكلاب والقطط في البلدة القديمة لإبراهيم وساراي إلي أن تصل إلي مَكاك المكرمةِ وأنا أجلس فوق صخرة مبللة فوق هضبة المقطم لأرعي الفراغ والكلاب الضالة والمكانس الإلهية وأكتب عن الألم الذي ينزَّ من عروقي ويتنطط علي الأرض مثل فأرٍ مذبوح لا أشبك في جلابيبي سوي خراء القطط والميكانيزمات ولا أعرف شيئاً عن فتنة البحر الذي أخذ يغرق في اليم عطشاً أنت يا سمكة الله الملتاثة كنت تعرف الطريق جيداً إلي حيث تسكن اللغة قرب ينبع وتقدم لها الفطائر والحلوي لكي تتريث قليلاً أمام عصا موسي وعجل هارون الذهبي والخضر الذي يحرك المحاريث وفي آخر الليل تنام إلي جوارك مثل قطٍ أعمي وتحت ثيابك البردانة تقضقض النوارج التي تصعد وتهبط من السماء إلي الأرض أو من الأرض إلي السماء أنت أيتها المشكاة المعلقة في فوانيس العتمة والمعطلة علي الأرصفة ألم أقل لك أنني أفتش عن جلباب أمي القديم الذي أكلته العتة أو سرقته ملائكة الرب الرنانة ذات فجر من دولاب أبي المخلع فظل فاقداً للذاكرة إلي أن مات هناك علي رصيف محطة قطار بفردة حذاء واحدة أمي التي ظلت معلقة في رقبتي مثل جرس إنذار القروية الطيبة التي لا تعرف شيئاً عن فتنة الرب أو يوم الدينونة أو حتي كلمة الخلاص بالزيت أمي التي تركتني أنا الآخر علي الرصيف الخالي من المارة في ليلة باردة ورحلت رحلت إلي أين لا أعرف قالوا لي إنها ماتت وهي الآن تسكن في السماوات البعيدة عند الرب الجالس وحيداً في تلك المنطقة التي لم يدخلها أحد قط ولم يخرج منها أحد خالص من صرَّ الماء في صرة ؟! من ذهب إلي القبر وعاد ؟! من صعد إلي السماء ونزل ؟! ومن يومها والعالم أجوف أرجوك يا صديقي !! لا تحدثني كثيراً عن ترجمان الأشواق ولا عن فتنة الذات بالذات أو الفتوحات المكية فحبيبتك جمان قد رحلت هي الأخري عن هذا العالم وتركت علي الطريق العام للحياة بقعتي دم وشفة مكسورة من القبلات وخلخالها النحاسي الذي لا يصلح حتي لبائع سجائر سرِّيح !! لا ولا تكلمني كذلك عن فصوص الحكم ونصائح شيخ الطريقة بالذات فأنا رجل الله بلا منازع وإلا فقل لي من أين أتيت وإلي أين أذهب في نهاية المطاف أنا الخرقة البالية والصرصار الأعمي في جوال من النفايات والعظم صحيح أنني ضرير ولا أعرف الطريق إلي حيث يسكن النور أسير في السكك المغطاة بالحسك والشوك ولا أحمل معي غير عصاي التي أتوكأ عليها والتي صنعتها لي أمي من الأساطير والحكايات لأهش بها علي القطط والكلاب وفي بقجتي الفارغة لا أحمل سوي الألم والآلاف من الذكريات الميتة وقالت لي إذهب بها واضرب في الأرض ألم يكن موسي النبي هو الآخر يحمل عصاه في يده ويفلق بها الحجر حتي انبجست منه اثنتا عشرة عينا ومن يومها وأنا أضرب في الأرض من مشرقها إلي مغربها وأنا أبحث عن الله في السكك والشوارع إلي أن كلت قدماي من الوطء فلم أعثر علي أي شئ سوي حشيشة ناشفة ٍ وزبل أغنام !! وها هي عصاي التي أحملها علي كتفي مثل عليقة ملطومة ٍ ومعي كتاب الأرض المفتوح أقرأ الشمس علي الجدران ومداخل البيوت وأناول القمر أوجاعي وبعض أرغفتي المحمصة وأسهر طول الليل ألي أن تغرق آخر نجمة في المحيط أقرأ القصص والحكايات عن أرض سدوم وعمورة ولا أعرف أي شيء عن حكمة الحياة والموت ولاما هي حقيقة العالم الآخر بالضبط فلماذا يداك تمتحناني وقلبك يشرد بعيداً عني في السكك كتلميذ يكره شجر الأضاليا وحبات الكركم والفجل ويكره كذلك دروس الحساب والنحو لا لشيء إلا لأنه يكره العجل المقدس مدرس الفصل العجوز الأصم تعبت من السؤال والشك أنا الباحث عن الحقيقة بين خرائب الإنسانية الملوثة وبقرة الرب المبجلة عندئذ أرخيت سراويلي المبقعة علي الأرض وجلست لكي أبول علي الميتافيزيقا أيها العجوز الأخرق مثل جبل بترسانات ماذا يهمني أنا إن كان المسيح قد صلب أم لا وهل قام بعد ثلاثة أيام أم تلك أكذوبة من أكاذيب التاريخ والاثنولوجيا وماذا عن حراس الهيكل وعبدة الطاغوت والجبت وماذا يهمني أنا إنا كان موسي قد رأي العليقة حقيقة فوق جبل سيناء أم تلك خدعة المرايا جبل سيناء جبل الرب !! الذي راح ضحيته الآلاف من القتلي ناهيك عن الجرحي والمصابين كل ذلك من أجل عجل الرب المقدس ووعوده المدمرة ؟ ! ماذا يهمني أنا إن كان الرب رب الجنود أم رب إبراهام ويعقوب قد كلم موسي من فوق جبل سيناء أم تجلي علي الجبل فجعله دكاً وخر موسي صعقا ؟ ! أنا ماكنت حاضراً هناك لأسمع وأري وأدون ولا أنت كذلك ألم تقل لي ذات ليلة من ليالي الصيف الرنان