السبت المقبل.. بدء تسكين الطلاب بالمدن الجامعية ببنها    9 فرص عمل جديدة في الأردن (التخصصات ورابط التقديم)    صورة - الرئيس الكازاخي يكرم مفتي الجمهورية ويمنحه وسام الشرف    «يجب الاستفادة منها».. «مدبولي» يتابع موقف المقار الحكومية التي تم إخلائها بعد الانتقال للعاصمة الإدارية    وزير الخارجية: إسرائيل لن تستطيع اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه مهما واصلت عدوانها    رئيسة لجنة «تحقيق الأمم المتحدة»: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة ويجب التحرك لوقفها    عاجل.. استمرار تدفق المساعدات عبر معبر رفح وسط تصعيد عسكري غير مسبوق في غزة    أرتيتا يتفوق على فينجر بعد 25 مباراة في دوري أبطال أوروبا    جريندو يقود تشكيل غزل المحلة ضد المصري البورسعيدي في الدوري    إنزاجي يستقر على بديل كانسيلو أمام الأهلي السعودي    إيدي هاو: مواجهة برشلونة تاريخية.. وغياب يامال مؤسف    "بسبب إسرائيل".. إسبانيا تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026    بيان تحذيري عاجل من رئاسة مدينة جمصة بشأن نزول المصطافين البحر (تفاصيل)    "الأرصاد": أمطار غزيرة على منطقة نجران    مصرع شخص والبحث عن آخرين في ترعة بسوهاج    اتحاد كتاب مصر يوقع بروتوكول تعاون مع مكتبة الإسكندرية (تفاصيل)    حفيد الحصرى ل"الستات": جدى كان بشوشا ومتسامحا ويراضى الفقراء دون إحراجهم    حسام حبيب يحيي حفل العيد الوطني السعودي ال 95 بالقاهرة    احتجاجات واسعة في لندن ضد زيارة ترامب لبريطانيا    محافظ بورسعيد يفتتح حضانة ومسجد ويتفقد مركز شباب مدينة سلام مصر    إصابة شاب بإصابات خطيرة بعد أن صدمه قطار في أسوان    أيمن عبدالعزيز يعلن تمسكه بعدم العمل في الأهلي.. وسيد عبدالحفيظ يرد    تعيين نائب أكاديمي من جامعة كامبريدج بالجامعة البريطانية في مصر    مدارس «القليوبية» تستعد لاستقبال مليون و373 ألف طالب    حقيقة اختفاء 5 قطع أثرية من المتحف اليوناني في الإسكندرية    "الصحة" تُكمل المرحلة السادسة من تدريب العاملين على أجهزة إزالة الرجفان القلبي    فوائد السمسم، ملعقة واحدة لأبنائك صباحا تضمن لهم صحة جيدة    إحالة شكاوى مرضى في وحدة طب الأسرة بأسوان للتحقيق    بإطلالة أنيقة.. هيدي كرم تروّج ل "وتر حساس 2" قبل انطلاق عرضه على قناة ON    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    حكم ما يسمى بزواج النفحة وهل يصح بشروطه المحددة؟.. الإفتاء توضح    مظاهرات في لندن ضد زيارة ترامب إلى بريطانيا    80%ملكية أمريكية.. ملامح الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة والصين بشأن "تيك توك"    بعد نشر صورة مع جدها الفنان محمد رشدي.. من هي البلوجر فرح رشدي؟    البنك المركزي: القطاع الخاص يستحوذ على 43.3% من قروض البنوك بنهاية النصف الأول من 2025    مبابي يُفجّر المفاجأة ويُعلن دعمه لديمبيلي في سباق الكرة الذهبية    عاجل- رئيس الوزراء: مصر ثابتة على مواقفها السياسية والإصلاح الاقتصادي مستمر رغم التحديات الإقليمية    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    تحديث بيانات المستفيدين من منظومة دعم التموين.. التفاصيل    معاش للمغتربين.. التأمينات تدعو المصريين فى الخارج للاشتراك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    مفتى الجمهورية: ما يجرى فى غزة جريمة حرب ووصمة عار على جبين العالم    المستشار الألماني يطالب مواطنيه بالصبر على الإصلاحات وتحملها    «المشاط»: إنشاء وتطوير 21 قصر ثقافة في 11 محافظة خلال 2025-2026    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    وزارة الصحة تطلق أول مسار تدريبى لمكافحة ناقلات الأمراض    وزير التعليم يبحث مع وفد الشيوخ الفرنسي تعزيز التعاون المشترك    خطة الإنقاذ    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    التعليم تعلن تطبيق منهج "كونكت بلس" لرياض الأطفال والابتدائي    بن عطية يفتح جراح الماضي بعد ركلة جزاء مثيرة للجدل في برنابيو    "جمعية الخبراء" تقدم 6 مقترحات للحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية    اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    رانيا فريد شوقي تستعيد ذكريات طفولتها مع فؤاد المهندس: «كان أيقونة البهجة وتوأم الروح»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية وراء كل باب: قلبي علي ولدي انفطر
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 02 - 2013


كتبت - فاطمة الدسوقي:
محكمة.. قضت محكمة استئناف الإسكندرية للأحوال الشخصية بتمكين عجوز من رؤية أبنائها الكبار وأخذ تعهد علي الأبناء بزيارة أمهم التي بلغت من العمر أرذله.. رفعت الجلسة. في انحناءة العجز والجدب شقت العجوز ساحة المحكمة.. وثارت التساؤلات, وتباينت التخمينات, واعتقد البعض أنها جاءت تطلب نفقة, وظن آخرون أنها تنهي إجراءات إعلام وراثة, ولم يدر بخلد أحد أنها جاءت لتستعطف فلذات أكبادها, وتتوسل للمحكمة أن تقضي لها برؤيتهم, وأن يتوجهوا لزيارتها حتي وإن كان ذلك رغما عن أنفهم!!
ياسيدي.. صدق المثل القائل: قلبي علي ولدي انفطر.. وقلب ولدي علي حجر.. هؤلاء البهوات الذين يقفون أمامكم أزهقوا روحي وطردوني من الحياة.. هؤلاء قوقعوا حدودي.. وثنوا ذيل الأيام فوق وجودي.. تلك الوجوه التي أحببتها.. تلك العيون التي سهرت من أجلها.. تلك الأحضان التي احتويتها بهم.. عرفت العذاب والقهر والانكسار والغدر المدمر.
ياسيدي.. هؤلاء توجتهم ثلاثا فوق رأسي.. ومن أجلهم نسيت أنني امرأة وارتديت ملابس الرجال حتي لا تنهش كلاب السكك جسدي.. وكنت الأم والأب في آن واحد.. واشتغلت وكافحت ورسمت معهم كل خطوط العمر باللون الأبيض.. وفجرت بداخلهم منابع الحب,, وما بين القلب والمنبع تشققت قنوات الفرح والأمان.
أجل ياسيدي.. كانوا دائما فوق القمة.. وكنت أري كل واحد منهم سي السيد.. وأنا أمهم.. أسلمتهم بيدي صكوك عبوديتي.. كنت لهم مثل الخادمة.. أخرج للعمل لجلب المال وأعود كي أغسل وأطبخ وأجلس بجوارهم وهم يذاكرون دروسهم.. ثم آخذهم بين أحضاني لأستدفئ بأنفاسهم ساعات الليل الطويل.
ياسيدي.. لا أدري من أين أبدأ سرد حكايتي.. فقبل أن أفتح عيني علي نور الحياة والأحزان ترافقني.. وخرجت من عنق رحم أمي وأنا أصرخ.. وكان صراخي علي فراق أمي التي رحلت في أثناء ولادتي.. وكتب لي القدر أن أحمل لقب يتيمة قبل خروجي للحياة.. وتربيت في كنف زوجة أب جرعتني كل كئوس المرارة والألم.. وكي أهرب من جحيمها تزوجت وأنا في الخامسة عشرة من عمري.. ولم يدر بخلدي أن جحيما أشد قسوة وأكثر عذابا ينتظرني.. فكان زوجي رحمه الله من فقراء الله.. يعمل في حقول الأثرياء من أهالي بلدتنا بمحافظة البحير.. وبرغم عدم قدرته علي توفير كسرة خبز لنا أثقل كاهلي بالأبناء.. ورزقنا الله بأربعة من البنين.. ولأن مسلسل أحزاني كانت به حلقات ناقصة.. والهموم لا تأتي فرادي.. فقد طرق المرض باب زوجي واختطفه الموت وهو في الثلاثين من عمره.. وترك لي تركة ثقيلة تعجز عن عملها الجبال الراسيات.
خشيت علي أبنائي من الموت جوعا.. أعمامهم الفقر يلاحقهم.. وزوجة أ بي يستحيل عليها أن تعطيني رغيف عيش.. وماذا أعمل في قرية تفوح منها رائحة الفقر.. فلم أجد أمام سبيلا سوي شد الرحال بأبنائي إلي مدينة الإسكندرية.. منهم من أحمله علي كتفي.. وآخر يمسك في ذيل جلبابي.. وثالث يمسك بيد أخيه.. ورابع يحمل حقيبة بداخلها ملابسنا المهلهلة ويسير أمامنا.. فهو كبيرنا ورب العائلة الذي لم يتجاوز عمره ست سنوات.. وتثاقلت خطواتي.. إلي أين أذهب؟ ومن يطيق أربعة أطفال؟ وهداني تفكيري إلي العمل كحارس عقار, ولكن كيف وأنا امرأة ومن خلفي طابور من الأبناء يحتاج إلي الرعاية.. لكن كان لا مفر.. طرقت أبواب عمارات مدينة الإسكندرية.. وكلما أنهكني التعب افترشت الرصيف.. ثم أعود لرحلة البحث عن الشفاء.. حتي ابتسم لي القدر ورق صاحب عقار لحالي وأعطاني غرفة في بدروم العقار لكي تأويني وصغاري.. ولأني كنت صغيرة السن وعلي تبدو علامات الصبا والجمال.. حلقت شعر رأسي وارتديت ملابس الرجال.. وتركت شاربي ينمو كالرجال حتي لا تنهشني الكلاب الضالة.. وكنت أسير وفي يدي عصا غليظة.. وتمكنت من زرع الثقة في نفوس السكان.. وكنت لهم مثل أشد وأعظم الرجال.. وكنت أنظف الشقق للهوانم من سكان العمارة.. واشتهرت بالأمانة ودماثة الخلق بين السكان.. وكل واحدة تجلب لي صديقتها وأقاربها.. وبدأت أجمع المال وأدخره.. وكل همي هو توفير شقة لأبنائي.. ووقف صاحب العقار الذي أعمل فيه بجانبي واشتريت منه شقة في منطقة شعبية بالإسكندرية.. ولأنه كان يريد ثواب كالة اليتيم فقد باع لي شقة بتراب الفلوس.. وانتقلت للعيش فيها والتحق أبنائي بالمدرسة.. وكنت أعمل خادمة في الشقق صباحا.. وأقوم بأعمال الحياكة مساء.. وأعد الأطعمة الجاهزة للسيدات الموظفات.. وأبنائي من حولي يذاكرون دروسهم. تحاملت علي نفسي حتي كبر صغاري والتحقوا بالجامعة وأنا أعمل وأشقي من أجلهم.. ورفضت أن يخرجوا للعمل في أثناء دراستهم.. فكنت أخشي عليهم من لفح أنفاسي.. وتحديت الصعاب حتي وصلت بهم إلي بر الأمان وخرجوا في الجامعة وتزوجوا.. وبعدها طرق المرض بابي وعدت لا أقوي علي العمل.. وتمكنت بمساعدة مخدومتي من الحصول علي معاش الضمان الاجتماعي.. واكتفيت بذلك المبلغ الضئيل وحمدت الله أنني أكملت رسالتي علي أكمل وجه. ياسيدي. التحق أبنائي بالوظائف.. وتفتحت لهم أبواب الرزق.. وركبوا السيارات الفارهة.. وسكنوا الشقق الفاخرة.. وتزوجوا وأنجبوا وأخذتهم زحمة الحياة.. ونسوا من وقفت بجوارهم حتي أصبحوا من عظماء القوم.. وامتنع الأربعة عن زيارتي لأني لم أعد أليق بمقامهم الرفيع.. وغيروا أرقام تليفونات منازلهم.. وطفت جميع شوارع الإسكندرية أحملق في كل الوجوه.. أبحث عن فلذات أكبادي.. أخرج صباحا وأعود مساء وقلبي يتلهف لرؤية واحد منهم.. تورمت قدماي.. وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم.. زاد شوقي إليهم وكان حلمي أن أراهم مرة واحدة وبعدها يأخذ ملك الموت روحي.
ياسيدي.. هداني تفكيري إلي نشر استغاثة لأبنائي في الصحف لأتوسل إليهم أن يسهموا لي في رؤيتهم ولو ثانية واحدة.. لكن جيراني قالوا لي: إن ذلك سيتكلف أموالا كثيرة.. ونصحني جاري المحامي بإقامة دعوي رؤية وسوف تطلب المحكمة من المباحث التوصل إلي عناوينهم.. وها أنا أقف أمامكم سيدي وأتأسف لفلذات الأكباد.. ومستعدة أن أنكفئ علي أقدامهم لأقبلها لأني أوقفتهم أمام عدالتكم.. وأتوسل إليهم سيدي أن يعفوا عني ويسامحوني لأني لم أفعل ذلك إلا لأن قلبي كان ينفطر شوقا إليهم.. وأستحلفكم سيدي ألا يخرج منكم قولا يجرح مشاعرهم.. فهم الدماء التي تسري في عروقي.. والهواء الذي أتنسمه.
وقفت هيئة المحكمة في حيرة أمام توسلات العجوز.. وطلبت في رفق وهدوء برئاسة المستشار محمود خليل من الأبناء أن يزوروا من وضعت الجنة تحت أقدامها.. ولو مرة واحدة في الشهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.