الوطنية للانتخابات تنعى زوجة رئيس الهيئة المستشار حازم بدوي    انزل ..شارك.. اختار    شُعبة حراسة المنشآت ونقل الأموال تناقش قانون العمل الجديد    وزير السياحة يشارك في فعاليات الدورة 26 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة بالسعودية    باستثناء فئة واحدة.. ترامب يعتزم دفع 2000 دولار لكل أمريكي    "يديعوت أحرنوت": إلغاء جلسة محاكمة نتنياهو غدا بناء على طلبه    زيلينسكي يفرض عقوبات ضد مسئولين روس بينهم رئيس صندوق الإستثمار المباشر    أحمد رمضان بيكهام يدخل بدلاً من بن شرقي    رئيس جامعة بني سويف يتفقد مصابي حريق المستشفى العسكري ومعدية أشمنت    التصريح بدفن جثمان معلم أزهري لقي مصرعه أثناء أداء صلاته بقنا    تأجيل محاكمة 78 متهمًا في خلية "التجمع الأول" إلى 28 ديسمبر    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    بعد استضافة (The Grand Ball)..خبير سياحي: مصر يمكنها منافسة أوروبا في تنظيم أكبر الفعاليات    عمرو سعد وعصام السقا يقدمان واجب العزاء في والد محمد رمضان    غدًا.. وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لقاء خاص على القاهرة الإخبارية    منة فضالي تقدم واجب العزاء لوالد محمد رمضان بمسجد الشرطة    بعد تصريح الجزائر..ياسر جلال: "محدش يزايد على حُبي لبلدي أو وطنيتي"    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    حفاظا على صحتك، تجنب الإفراط في تناول الخبز والسكريات ومنتجات الألبان    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى شبرا العام ويوجه بإصلاح الأجهزة خلال أسبوعين    شريف عامر: لا بد من التطور والتكيف ولكن بطريقه احترافية    افتتاح قمة الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية وسط قلق بسبب التحركات العسكرية الأمريكية    رئيس قطاع الأخبار بالمتحدة: مهمتنا تلبية احتياجات الجمهور وتقديم أفضل محتوى    بيحبوا يثيروا الجدل.. 4 أبراج جريئة بطبعها    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    رئيس الوزراء يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لمشروع مدينة «رأس الحكمة»    رسميًا.. بدء إجراء المقابلات الشخصية للمتقدمين للعمل بمساجد النذور ل«أوقاف الإسكندرية»    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    الشروط الجديدة لحذف غير المستحقين من بطاقات التموين 2025 وتحديث البيانات    راحة 4 أيام للاعبي الاتحاد السعودي بعد خسارة ديربي جدة    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    الخزانة الأمريكية ترفع العقوبات عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب    المستشارة أمل عمار تدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات مجلس النواب 2025    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    استلام 790 شجرة تمهيداً لزراعتها بمختلف مراكز ومدن الشرقية    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    نهائي السوبر وقمة الدوري الإنجليزي.. تعرف على أهم مباريات اليوم    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    هل يفاجئ توروب الزمالك؟.. تشكيل الأهلي المتوقع في نهائي السوبر المصري    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية وراء كل باب: قلبي علي ولدي انفطر
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 02 - 2013


كتبت - فاطمة الدسوقي:
محكمة.. قضت محكمة استئناف الإسكندرية للأحوال الشخصية بتمكين عجوز من رؤية أبنائها الكبار وأخذ تعهد علي الأبناء بزيارة أمهم التي بلغت من العمر أرذله.. رفعت الجلسة. في انحناءة العجز والجدب شقت العجوز ساحة المحكمة.. وثارت التساؤلات, وتباينت التخمينات, واعتقد البعض أنها جاءت تطلب نفقة, وظن آخرون أنها تنهي إجراءات إعلام وراثة, ولم يدر بخلد أحد أنها جاءت لتستعطف فلذات أكبادها, وتتوسل للمحكمة أن تقضي لها برؤيتهم, وأن يتوجهوا لزيارتها حتي وإن كان ذلك رغما عن أنفهم!!
ياسيدي.. صدق المثل القائل: قلبي علي ولدي انفطر.. وقلب ولدي علي حجر.. هؤلاء البهوات الذين يقفون أمامكم أزهقوا روحي وطردوني من الحياة.. هؤلاء قوقعوا حدودي.. وثنوا ذيل الأيام فوق وجودي.. تلك الوجوه التي أحببتها.. تلك العيون التي سهرت من أجلها.. تلك الأحضان التي احتويتها بهم.. عرفت العذاب والقهر والانكسار والغدر المدمر.
ياسيدي.. هؤلاء توجتهم ثلاثا فوق رأسي.. ومن أجلهم نسيت أنني امرأة وارتديت ملابس الرجال حتي لا تنهش كلاب السكك جسدي.. وكنت الأم والأب في آن واحد.. واشتغلت وكافحت ورسمت معهم كل خطوط العمر باللون الأبيض.. وفجرت بداخلهم منابع الحب,, وما بين القلب والمنبع تشققت قنوات الفرح والأمان.
أجل ياسيدي.. كانوا دائما فوق القمة.. وكنت أري كل واحد منهم سي السيد.. وأنا أمهم.. أسلمتهم بيدي صكوك عبوديتي.. كنت لهم مثل الخادمة.. أخرج للعمل لجلب المال وأعود كي أغسل وأطبخ وأجلس بجوارهم وهم يذاكرون دروسهم.. ثم آخذهم بين أحضاني لأستدفئ بأنفاسهم ساعات الليل الطويل.
ياسيدي.. لا أدري من أين أبدأ سرد حكايتي.. فقبل أن أفتح عيني علي نور الحياة والأحزان ترافقني.. وخرجت من عنق رحم أمي وأنا أصرخ.. وكان صراخي علي فراق أمي التي رحلت في أثناء ولادتي.. وكتب لي القدر أن أحمل لقب يتيمة قبل خروجي للحياة.. وتربيت في كنف زوجة أب جرعتني كل كئوس المرارة والألم.. وكي أهرب من جحيمها تزوجت وأنا في الخامسة عشرة من عمري.. ولم يدر بخلدي أن جحيما أشد قسوة وأكثر عذابا ينتظرني.. فكان زوجي رحمه الله من فقراء الله.. يعمل في حقول الأثرياء من أهالي بلدتنا بمحافظة البحير.. وبرغم عدم قدرته علي توفير كسرة خبز لنا أثقل كاهلي بالأبناء.. ورزقنا الله بأربعة من البنين.. ولأن مسلسل أحزاني كانت به حلقات ناقصة.. والهموم لا تأتي فرادي.. فقد طرق المرض باب زوجي واختطفه الموت وهو في الثلاثين من عمره.. وترك لي تركة ثقيلة تعجز عن عملها الجبال الراسيات.
خشيت علي أبنائي من الموت جوعا.. أعمامهم الفقر يلاحقهم.. وزوجة أ بي يستحيل عليها أن تعطيني رغيف عيش.. وماذا أعمل في قرية تفوح منها رائحة الفقر.. فلم أجد أمام سبيلا سوي شد الرحال بأبنائي إلي مدينة الإسكندرية.. منهم من أحمله علي كتفي.. وآخر يمسك في ذيل جلبابي.. وثالث يمسك بيد أخيه.. ورابع يحمل حقيبة بداخلها ملابسنا المهلهلة ويسير أمامنا.. فهو كبيرنا ورب العائلة الذي لم يتجاوز عمره ست سنوات.. وتثاقلت خطواتي.. إلي أين أذهب؟ ومن يطيق أربعة أطفال؟ وهداني تفكيري إلي العمل كحارس عقار, ولكن كيف وأنا امرأة ومن خلفي طابور من الأبناء يحتاج إلي الرعاية.. لكن كان لا مفر.. طرقت أبواب عمارات مدينة الإسكندرية.. وكلما أنهكني التعب افترشت الرصيف.. ثم أعود لرحلة البحث عن الشفاء.. حتي ابتسم لي القدر ورق صاحب عقار لحالي وأعطاني غرفة في بدروم العقار لكي تأويني وصغاري.. ولأني كنت صغيرة السن وعلي تبدو علامات الصبا والجمال.. حلقت شعر رأسي وارتديت ملابس الرجال.. وتركت شاربي ينمو كالرجال حتي لا تنهشني الكلاب الضالة.. وكنت أسير وفي يدي عصا غليظة.. وتمكنت من زرع الثقة في نفوس السكان.. وكنت لهم مثل أشد وأعظم الرجال.. وكنت أنظف الشقق للهوانم من سكان العمارة.. واشتهرت بالأمانة ودماثة الخلق بين السكان.. وكل واحدة تجلب لي صديقتها وأقاربها.. وبدأت أجمع المال وأدخره.. وكل همي هو توفير شقة لأبنائي.. ووقف صاحب العقار الذي أعمل فيه بجانبي واشتريت منه شقة في منطقة شعبية بالإسكندرية.. ولأنه كان يريد ثواب كالة اليتيم فقد باع لي شقة بتراب الفلوس.. وانتقلت للعيش فيها والتحق أبنائي بالمدرسة.. وكنت أعمل خادمة في الشقق صباحا.. وأقوم بأعمال الحياكة مساء.. وأعد الأطعمة الجاهزة للسيدات الموظفات.. وأبنائي من حولي يذاكرون دروسهم. تحاملت علي نفسي حتي كبر صغاري والتحقوا بالجامعة وأنا أعمل وأشقي من أجلهم.. ورفضت أن يخرجوا للعمل في أثناء دراستهم.. فكنت أخشي عليهم من لفح أنفاسي.. وتحديت الصعاب حتي وصلت بهم إلي بر الأمان وخرجوا في الجامعة وتزوجوا.. وبعدها طرق المرض بابي وعدت لا أقوي علي العمل.. وتمكنت بمساعدة مخدومتي من الحصول علي معاش الضمان الاجتماعي.. واكتفيت بذلك المبلغ الضئيل وحمدت الله أنني أكملت رسالتي علي أكمل وجه. ياسيدي. التحق أبنائي بالوظائف.. وتفتحت لهم أبواب الرزق.. وركبوا السيارات الفارهة.. وسكنوا الشقق الفاخرة.. وتزوجوا وأنجبوا وأخذتهم زحمة الحياة.. ونسوا من وقفت بجوارهم حتي أصبحوا من عظماء القوم.. وامتنع الأربعة عن زيارتي لأني لم أعد أليق بمقامهم الرفيع.. وغيروا أرقام تليفونات منازلهم.. وطفت جميع شوارع الإسكندرية أحملق في كل الوجوه.. أبحث عن فلذات أكبادي.. أخرج صباحا وأعود مساء وقلبي يتلهف لرؤية واحد منهم.. تورمت قدماي.. وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم.. زاد شوقي إليهم وكان حلمي أن أراهم مرة واحدة وبعدها يأخذ ملك الموت روحي.
ياسيدي.. هداني تفكيري إلي نشر استغاثة لأبنائي في الصحف لأتوسل إليهم أن يسهموا لي في رؤيتهم ولو ثانية واحدة.. لكن جيراني قالوا لي: إن ذلك سيتكلف أموالا كثيرة.. ونصحني جاري المحامي بإقامة دعوي رؤية وسوف تطلب المحكمة من المباحث التوصل إلي عناوينهم.. وها أنا أقف أمامكم سيدي وأتأسف لفلذات الأكباد.. ومستعدة أن أنكفئ علي أقدامهم لأقبلها لأني أوقفتهم أمام عدالتكم.. وأتوسل إليهم سيدي أن يعفوا عني ويسامحوني لأني لم أفعل ذلك إلا لأن قلبي كان ينفطر شوقا إليهم.. وأستحلفكم سيدي ألا يخرج منكم قولا يجرح مشاعرهم.. فهم الدماء التي تسري في عروقي.. والهواء الذي أتنسمه.
وقفت هيئة المحكمة في حيرة أمام توسلات العجوز.. وطلبت في رفق وهدوء برئاسة المستشار محمود خليل من الأبناء أن يزوروا من وضعت الجنة تحت أقدامها.. ولو مرة واحدة في الشهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.