بعد أن أذابت كاميليا قلوب محبيها عشقا في فيلم قمر 14، جاءت النهاية السعيدة برضا الباشا عن زواجها. احتضنها عزالدين ذوالفقار. وقبل أن يقبّلها صرخت أمي في أذني.... -غمضي عينك.... كلما همّ بطل بتقبيل حبيبته. جاءني صوت أمي الآمر بإغلاق جفوني، حتي أصبح صراخها هو الموسيقي التصويرية، لكل القبلات السينمائية. أشاهد التليفزيون، وأنا خاضعة لمراقبتها الكاملة. وذلك لسبب بسيط...فالتليفزيون بحجرتها. المرة الأولي التي شاهدت فيلما دون أن تكون أمي بالجوار، كنت في بيت خالي. جلست مع أبنائه وجدي نتناول إفطارا متأخرا. عرضت القناة الثانية فيلم الثانية عشرة ظهرا. كان فريد شوقي يحاول غواية صباح، وخطفها من زوجها أنور وجدي. جاءت النهاية السعيدة، ومعها اللحظة المُحرّمة. اقترب أنور من فم صباح، لكنني أدرت رأسي بعيدا عن التليفزيون. كان رد فعلي لا إراديا ككلب مخلص ومُدّرب جيدا. عبرت القبلة، وانتهي الفيلم بينما جدي مازال يعاني في مضغ الخيار. لم يبدّل خالد نظرته البلهاء، التي ظن أنها تجعله وسيما ورومانسيا كأبطاله المفضلين. كنت الوحيدة التي لم تشاهد ما حدث. ارتبكت، و لم أدرك هل القبلة فعلا شيء عادي لا تؤثر علي ابن خالي وجدي؟ هل المشكلة في أمي التي تهول الأمور كعادتها؟ أم أن القبلة فعلا حرام؟ وبالتالي جميعهم مذنبون و خراف ضالة كما يقول الشيخ تركي إمام مسجدنا. لاحظ ابن خالي شرودي ووضع في طبقي المزيد من الزيتون الأسود الذي أحبه. كان منزلهم ريفياً من طابقين وحديقة صغيرة. أجاد جدي زراعتها والاعتناء بها فنبتت شجرة موز صغيرة، وتكعيبة عنب وشجيرات الفل وست الحسن التي تعطر مساءنا. جلست علي العتبة الرخامية أمام المنزل. ذكرني رخام العتبة البارد، بسلالم المستشفي التي كانت تنام بها أمي. كانت سلالم دائرية ومصنوعة من الرخام. وتردد فيها صدي صوت أبي. أخبرني أن أمي بخير وستخرج قريبا. شعرت حينها بالسعادة، فصحة أمي تتحسن. لكن صار عليّ أن أحسم أمري سريعا، وأشاهد القبلة قبل أن أعود إلي منزلنا. جلس خالد إلي جواري و سألني: - انتي ديرتي وشك ليه في اخر الفيلم - عشان عمتك بتقول إن البوس حرام -مش احنا اللي بوسنا صباح ده أنور وجدي - أنا مش عايزة أبوس صباح ...يع دي فكرة مقرفة جدا - انا عايز أبوس ياسمين عبد العزيز....عشان كده حاطلع ممثل كان خالد يصغرني بعامين، لكنه من يدير اليوم. كنا ننهمك جدا في حلمه. ونقلد المشاهد التي أعجبتنا. اخترنا مشهد هروب إسماعيل يس من مستشفي المجانين. كان اختيار المستشفي موفقا، حتي لا أنسي أمي المريضة. جهزنا كل شيء: السلم والمكنسة والفوطة. لاحظنا أدق التفاصيل، فقلبنا المكنسة. ووضعنا الفوطة علي زغبها المتسخ. صارت تشبه كاميرا أفلام الأبيض والأسود. أسندت السلم علي سور الحديقة، وصرخت... -أكشن. صعد خالد السلم كبطل حقيقي. لكن الأخرق بدلا من أن يسحب السلم، ويضعه علي الناحية الآخري من السور. قفز في لحظة غباء نادرة. فحتي إسماعيل يس المجنون أدرك تلك الحيلة البسيطة، بينما خالد صدم جسده بالأرض، وظل يتألم. سمعت تأوهاته القادمة من الشارع. كنت أرتدي بيجامة النوم الوردية، وشبشب المنزل علي شكل دبدوب. ومع ذلك خرجت، وأنا أتلفت خجلا من أن يراني أحد هكذا. كان خوفي الأكبر أن يسمعه أحد في المنزل، فيصبوا غضبهم علينا. وربما يمنعوننا من مشاهدة التليفزيون، أو من شراء اللوليتا وبسكويت بابمو. بدا لي سليما جدا دون دماء. لكنه تمادي في دور المريض. وقرر المضي به حتي النهاية. بدأ بسعال شادية وهي تقلد غادة الكاميليا. وانتهي بقلبي... قلبي التي تموت بعدها أمينة رزق. عندما مرضت أمي لم تفعل ذلك. دخلت المستشفي في هدوء، وتركتني هنا. ذهبت لأحضر صابونة معطرة من دولاب جدتي العامر حتي يفيق. صرخ في وجهي: انتي رايحة فين ؟ -أجيبلك حاجة تفوقك - في المشاهد دي المفروض تديني قبلة الحياة - بس انت نطيت من علي السور، ما كنتش بتغرق يا خالد، رجلك هي اللي بتوجعك مش بقك - عموما أنتي اقصر بكتير أوي من ياسمين عبد العزيز و شعرك مش ناعم زيها في صالة منزلهم كان رشدي أباظة يخدع سعاد حسني، ويخبرها أنه أبوها. عرفت أنه سيقبلها في نهاية الفيلم. وقررت ألا أدير وجهي هذه المرة لأحل اللغز. انشغل جدي في معركته الصباحية مع الخضراوات، التي لا يجيد مضغها. كان الجزر عصيا علي طقم أسنانه. بعد أن ضرب خالد أخته، لأنها غيّرت القناة، لتستمع إلي أغنية هشام عباس الجديدة " شوفي ". جلس ضاما ركبتيه إلي صدره، وهو يشاهد رشدي أباظة في فيلم الساحرة الصغيرة. كان خالد يحاول أن يقلد ضحكته العالية، التي يبتلع بها العالم في جوفه. شعرت أن الفيلم صار طويلا جدا، وبدون نهاية. لكن اللحظة الحاسمة جاءت. أعلنت مديحة يسري الحقيقة علي الملأ. وعرف الجميع أن سعاد هربت مع أبيها ليتزوجا. جاء موعد قبلة النهاية. ركبت سعاد السيارة إلي جوار رشدي. وقبل أن يقبلها، أغلقت عيني سريعا. وضاعت اللقطة، لأن خالد قال بصوت عال: -غمضي عينك.... وأغمضت.... ضحك جدي حتي كاد يختنق بالجزر، الذي بذل في مضغه رحلة طويلة. منذ أن كانت سعاد ابنة رشدي، وحتي صارت زوجته.