استبد بآمال الحنق، فالسيد لا يقف بصندوقها، يحييها مبتسما ويمضي. آمال تعرف انه لا يملك ثمنا لبضاعتها، لكن المشكلة انه يبدو راغبا عنها وعن صندوقها. تجلس امال طول الوقت علي مقعد منخفض، فتبدو وكأنها جالسة القرفصاء، وبين ساقيها الصندوق الذي تعرض فيه بضاعتها، مغطي دائما بقطع من النسيج الذي تتفنن في اختيار الوانها الجذابة، ولا ترفع الغطاء إلا لمن يريد شيئا من بضاعتها، بشرط أن يكون لديه ما تريد.. في اول الأمر تجلت مهارة امال في استطاعتها ان تجد لصندوقها مكانا في السوق، فوجودها فيه احتاج لبذل الكثير، نساء كثيرات يبعن نفس البضاعة علي صناديقهن، لكن صندوق امال بغطائه الجذاب كان الفائز دائما. المشتري والبائع يدركان حقيقة اللعبة، فالمشتري يتظاهر بأنه معجب بجدها وطهارتها، مشجعا لها بالمضي قدما، بينما عيناه مثبتتان علي الصندوق، كذلك هي تشكر تظاهره بينما عيناها مثبتتان علي عينيه، بعد ان تكشف الغطاء ويأخذ ما يريد ويدفع الثمن لا يستطيع مبارحة آمال وصندوقها، اصبح حول امال وصندوقها رجال كثيرون، فلاسفة وشعراء، رهبان وشيوخ، عكاكيز وكراسي متحركة يدفعون دائما ثمن الصحبة، كلما اتسعت الحلقات حول امال وصندوقها ازدادت فرحتها وخيلائها، حتي اصبح لصندوقها مركز مرموق. اصبحت امال في الهامش والصندوق هو المتن. ارادت ذات مرة ان تغير الوضع، فلملمت كل ما ادخرته من مكاسب الصندوق، وافتتحت محلا لبيع الملابس الجاهزة، لم يمض اسابيع حتي اغلقته، فقد كانت عيون الرجال الذين يفدون علي المحل تبحث عن الصندوق بلهفة، بحث رجال انقاذ عن الصندوق الاسود، ثم يذهبون بدون شراء. رجعت امال إلي السوق بمقعدها وصندوقها المغطي. استوقفت السيد عندما كان مارا أمامها، فقد كان ينقصها ان يكون هناك رجل واحد ليس من مريدي الصندوق، لم تستطع آمال السيطرة علي نوازعها، وقفت في طريق السيد حاملة صندوقها بين يديها، عله لا يريد أن ينحني ليأخذ، زم السيد شفتيه ليمحو الابتسامة، طوح فجأة بغطاء الصندوق، لم تظهر الدهشة علي وجه السيد، وكأنه كان يعرف، لكن الدماء غاضت من وجه آمال، فقد كان الصندوق فارغاً.