في رباعية من جواهره، دعا "صلاح جاهين" الثورَ إلي أن يزيل عن عينيه الغمامة، ويتوقف عن الدوران، ويبصق علي الساقية وربما علي من ربطه إليها، لكن الثور، في ظل عماه القسري، يرفض النصيحة، ويقول لناصحه إن الأمر لا يعدو خطوة أخري، بعدها ينتهي الطريق أو تجف البئر. حيوان! هذا حيوان! وما يجعله حيوانا، ومثيرا حتي لشفقة أمثالنا، ليس سوي ذلك الشي الذي نعرفه بال »أمل«. وماذا عن البغل؟ وماذا عن الجزرة؟ البغل في الحقيقة مشكلته أعوص من مشكلة الثور. فالثور فيما هو واضح يتعلق بأمل مجرد، فيه مسحة فلسفية بعض الشيء: أن ينتهي الطريق أو تجف البئر. أما البغل فتسوقه الغريزة، هناك جزرة يا كفرة معلقة بين السماء والأرض، ليس بينه وبينها غير خطوة لا يتوقف عن أن يخطوها، ولا جدوي. في مثل وضع البغل هذا بالضبط توجد أسطورة، أي شيء في منتهي الأهمية، عن تنتالوس، المحبوس واقفا في بحيرة عاقبته الآلهة بأن جعلت ماءها يعلو حتي إذا قارب شفتيه فانحني يريد أن يروي ظمأه انحسر الماء. لا الماء يتوقف عن الانحسار ولا البغل يتوقف عن الانحناء. وهناك أسطورة أخري عن ثمار تتدلي لجائع ثم ترتفع فلا تطالها يده. كل هذه حيوانات مسكينة تفضي بنا إلي الغاية القصوي من كل هذا: أنا. أنا سألت نفسي قبل أيام: كيف أعلم أدهم، ابني، ألا يبكي عند فشله، أو نجاحي، في تجميع صف من أربع قطع متجاورة في لعبة كونيكت فور؟ أربع قطع متجاورة، نهاية الطريق، الجزرة، رشفة الماء، جفاف البئر. ولم يكن سؤالي هذا سؤال الجاهل، حاشاي. لقد كنت أعرف الطريقة المثلي، ولكنها بدت لي غير ملائمة من الناحية ال لا مؤاخذة في الكلمة تربوية: أدهم، عليك ألا ترغب أصلا في أن تفوز. العب للمتعة، للتنغيص علي المنافس. تخل تماما ونهائيا عن الاعتقاد بأن هناك انتصارا يمكن تحقيقه. بهذه الطريقة المثلي لا أعتقد أنه سيبكي لفشله، أو لنجاحي، أو لموتي حتي في آخر الزمان علي ما أرجو. ولكن هذه النصيحة إن هو اتخذها بإذن الله نبراسا هاديا في حياته، ستخلق منه إنسانا عدميا، لا مباليا، وبالتالي سيكون مواطنا رديئا، معطوبا، علي المجتمع والدولة والإنسانية أن تعزله عنها. ولو أنني أستبعد هذا. أستبعد أن تحقق الإنسانية هذا الانتصار عليه. لماذا؟ لأني إذا علمته الدرس الأول، فعليّ أن أعلمه الثاني، أن أنتقل به خطوة أخري إلي أعلي، أن أرتقي به من مجرد عدم الرغبة في الفوز، إلي عدم المشاركة في اللعبة من الأساس. لأنك في الحقيقة لا تستطيع أن تهزم شخصا ما لم يقبل الدخول في المعركة، ما لم يقابل التحدي بتحد. ليس سهلا، وجربوا، أن تعزلوا شخصا هو من الأساس معزول. هذه ببساطة هي الخطوات التي ينبغي أن يخطوها كل من لا يريد أن يكون بغلا: 1 لا ترغب في الفوز، إن لعبت، والأحسن: 2 لا تشارك في اللعبة، واعلم 3 أن المنتصر يشقي ليحافظ علي انتصاره، وأن المهزوم يشقي استعدادا للثأر. ولكن هل سيجلس الولد هكذا ويكتفي بالفرجة، مكتوما كتمة رئيس مؤقت، أو مسعورا سعار رئيس لم يعد يستطيع أن يتكلم من دون ميكروفون؟ الإجابة علي هذا السؤال موجودة في قصيدة قديمة لي، ومن المنتظر أن يقرأها أدهم، ولو من باب بر الوالدين: أنت أستاذ كل الذين يجلسون في ركن. اجلس. اجلس ودخن