( 1 ) هي أيْلةُ التاريخِ وهي الآنَ ، إيلاتُ ، التي جاءتْ بها الكبَواتُ واللهجاتُ وهي ، بنُطْقِنا ، وغماغمِ استقتالِنا : العقَبةْ تشِفُّ ، كذرّةِ البلَّورِ أحيانَ اضطرابِ النبضِ أرضَ مَقاتلٍ لصحابةٍ ومجاهدينَ وواحةً مسكينةً للسِّدْرِ درباً نحوَ مؤتةَ والشآمِ ونحوَ أن تنداحَ موجةُ ذلكَ الرملِ المؤجَّجِ ذِروةً أو وردةً من وقْدةِ الصحراءِ تندفعانِ أعلي ثمَّ أعلي في الهباءِ تُدَوِّمانِ لترفعا مدُناً وألويةً وعشراً من قِلاعٍ حيثُ تستهدي كراديسٌ مدجّجةٌ نجومَ النقْعِ والصلَواتِ .................. .................. .................. سوفَ يئنُّ لورانسُ المهشَّمُ عندَ إحداها . ليس في القلعةِ أحدٌ / ليس ثمّتَ حارسُ آثارٍ / البحرُ وحده / والصيّادون تركوا زوارقَهم إلي المقهي / الشمسُ تغرُبُ في إيلات / والقلعةُ العثمانيّةُ تسهرُ مرتديةً أسمالَها الفاخرةَ / لا قذائفَ من مدافعَ قديمةٍ / لا آثارَ رصاصٍ / الأسوارُ الخفيضةُ تنهدمُ باستمرارٍ / وقريباً سوف يعلو السورُ المرمَّمُ صقيلَ الحَجر / المئذنةُ صُبَّتْ كاملةً بالإسمنت / والمهندسُ لم يحفظْ حتي لآجرّةٍ واحدةٍ حقّهاَ في هواءِ التاريخِ والبحرِ /سوف تكون المنارةُ أنيقةً في كامراتِ السياحِ الذين لا يأتون / الهلالُ الجديدُ ليس من الإسمنت / إنه من نحاسٍ سريعِ الصدأِ برطوبةِ الشاطيء / القلاعُ لا تولَد مرّتَين ... لنهبطْ ، إذاً ، إلي القاعِ . الفرسانُ المسيحيّون ، ثبّتوا خطوتَهم الأولي إلي ما لن يبلغوه إلي الأبد : مكّةَ وشِعابِها. المغيْرون المسلمون ثبّتوا في هذه القلعةِ الملتبسةِ ، خطوتَهم الأولي إلي ما لن يتركوه أبداً : بلادِ الشامِ وأشجارها . الضبّاطُ العثمانيّون كان لهم هنا مفصلُ البحرِ والصحراءِ ، والمدافعُ الأولي التي تدْفعُ عن طريقِ مكّةَ الطويلِ ، ما قد يقذفُ به البحرُ ، المشهدُ واضحٌ ، واضحٌ كالسينما الوثائقيةِ ، وجارحٌ إذاً ، لنهبطْ إلي القاعِ ... لنضع الأقنعةَ والزعانفَ وحزامَ الرصاص لنحملْ ، مثل جملَينِ ، غذاءَ رئتَينا ولْننقذفْ في الأمواهِ العميقةِ حيثُ الزُّرقةُ ساحلٌ . منظر نصفُ تفّاحةٍ يختفي هادئاً في الجبال تاركاً في الخليجِ عموداً من النورِ لا موجَ في البحرِ لكنّ كلَّ السماءِ المحيطةِ بي تنشرُ الآنَ قمصانَها الأرجوان نصفُ تفّاحتي غابَ لكنني مثل خيّاطةِ الحيِّ ما زلتُ أطوي علي ساعدَيَّ السماءَ وقمصانَها الأرجوان . (2 ) لا بحرَ بينَ هواءِ مصرَ وبحرِها لا بحرَ بين هواءِ جَدّةَ في الجنوبِ وبحرِها إنّا تَوحَّدْنا ببازِلْتِ البراكينِ التي اندفعتْ لتفصلَ قارّتَينِ فوحّدتْنا ثم دارتْ في مفاصلنا ، لننساها .................. .................. .................. ستُحْكِمُ شوكةُ الصحراءِ وخزتَها لتبتعدَ البراكينُ التي برَأتْ من البازلتِ آلهةً وماءً دافقاً ومرارةً فيها تذوبُ الروحُ ... تُحْكمُ شوكةُ الصحراءِ وخْزتَها وتدفعُ سُمَّها فينا فننسي كلَّ ما في الكونِ ، كلَّ علامةٍ في الكونِ إلاّها ... دهب/ شرم الشيخ/نويبع / الغردقة /الدرّة/ عِيذاب / الأسماءُ تتخاطَفُ مثل أسماكِ البحرِ الأحمر / تتخاطَفُ حتي تبْلغَ هَرَر ومُكَلأ حضرموت / تتخاطفُ حتي تتمادي ... إلي صَحار ومضيقِ هرمُز وبلادِ التاميل / تتخاطفُ حتي لَتتركُنا مدوَّخين / أسماءُ وكواسجُ ودلافينُ / وحوريّات بحّارةٍ ثملِينَ بالخطرِ والعواصفِ /سيأتي حجيجُ مصرَ / ومن هنا ستحملُ الجِمالُ المُرَفّلةُ كسوةَ الكعبةِ التي كانت تُنسَجُ بأناةٍ غيرِ مصريّةٍ في متاهة القاهرة المُعِزّيّة / " نحن مليئون بالسُّمّ " يقولُ رامبو الفتي / مليئون بتاريخِ الأسَلِ والسيوف وهذه الجبالُ التي ترهِقُ أكتافَنا منذ ملايين السنين / هذه الجبالُ السودُ / الجبالُ الورْدُ / الجبالُ الرملُ / الجبالُ الجبالُ / من العقبة إلي عدن / أيّانَ تهبطُ عليها ، كما في المطر ، قطرةُ ماءٍ ؟ / ما نحن بسكاري / نحن مدوَّخونَ بتاريخٍ لن يقرأه أبناؤنا / مدوَّخون ببحرٍ هو جحيمُ البحّارةِ منذ قرونٍ / سكّةُ الحديدِ اقتلَعَها البدوُ المُسَيّسون/ كما يقتلعون ضرساً مسوَّساً / والجِمالُ اشتراها متعهِّدو العساكر / نحن لا نركبُ البحر / ماذا نفعلُ ، إذاً ؟ ماذا تفعلين ، أيتها البدويّةُ ، بجَمالِكِ ؟ بالخِمارِ المُقَصّبِ ومِشْيةِ الهُوَيني ؟ وشفتيكِ المُسْوَدّتينِ المحمرّتينِ من لِحاءِ الجوزِ ؟ وثيابِكِ المضوّعةِ ليلاً كاملاً بالبخور ؟ أنّي أذهبُ بكِ ؟ وأيّانَ الساعةُ التي سيدقُّ فيها قلبانا مثل مهراسِ البُنّ ؟ سأرسُمُكِ أيتها البدويّةُ " المزركشةُ كشجرةِ الميلاد " ... سأرسُمُكِ ماثلةً علي ناقةٍ أو كثيبٍ ، سأرسُمُ صورتَكِ الفريدةَ ألفَ مرّةٍ ... لأبيعَها إلي سوّاحٍ موهومين . منظر الفنارُ القديمْ مُطفأٌ لم يَعُدْ في صخورِ المواضعِ بحّارةٌ وحدهُ الموجُ يلمُسُ ، كالقطِّ ، كرسيَّ مقهي ، دخانٌ من الضفةِ الثانيةْ والسفينةُ تُقْلِعُ . من زورقٍ يتخطّي الفنارَ القديمَ شِباكٌ تدلّتْ ... (3) سنُوقِرُ سمعَنا عمّا يقولُ البحرُ سوف نُشِيحُ عن شمسِ الغروبِ وملعبِ الأمواجِ ... سوف نكونُ أتْباعاً لهذا أو لهذا نكتفي من كل قافلةٍ بخُبْزةِ مَلّةٍ وبتمرتَينِ ... وسوف ننسي كيف نرسُمُ بالنجومِ فُجاءةَ الصحراءِ والطُّرُقِ التي لا تنتهي ... لا بحرَ يغسلُ منتهي أحلامنا بالملحِ والمرجانِ والأسماكِ لا صحراءَ تُنْبِتُ وردةَ المجهولِ ... صرنا بينَ مصطفِقَينِ ينطبقانِ باعاً بعدَ باعٍ ، كيف نُفْلِتُ ؟ كيفَ نُبْعِدُ أن تَعُدَّ عِضادتانِ دقائقَ الرملِ الذي سيكونُ مثوانا الأخير َوعُشَّةََ العششِ ؟ ................... ................... ................... اختفي المرجانُ واندفعَتْ سراطينُ الشواطيءِ نحو مأواها .
لا جمَلَ لدينا ولا سفينة/ لا خيمةَ ولا منزل / لكن لنا أن نسألَ عن المأوي/ والعقبةُ خاليةٌ علي عروشِها / العشيرةُ أمسَتْ شيخاً / والشيخُ في الحاضرةِ البعيدةِ / كلُ شيء مؤجَّلٌ مثل ديونِ الجنودِ / العقبةُ مؤجَّلةٌ / الحروبُ في الكتُب / والسلامُ في الدفاترِ / ونحنُ : لا رَكْبٌ ولا بَحّارةٌ / نحنُ في العقبةِ حسبُ / علينا ، إذاً ، أن نختلقَ المأوي / ليكُنْ لَبِناً وصفيحاً / ليكنْ ألواحاً ممّا ألقت السفنُ / ليكنْ حبالاً وأنسجةً مموّهةً / ليكن العراء ... هكذا بنَينا ، نحن اليتامي ، العقبةَ الفقيرةَ ، مأوي ذا دروبٍ مُتْرِبةٍ ودكاكينِ فولٍ وفلافل / لنا أيضاً مقاهينا / حيث الشاي ذو القروشِ العشرةِ / وورقُ اللعِبِ المهتريء / سائقو الشاحنات والمهربون بين مرافيء البحر الأحمر يسكنون أفئدَتَنا وحجُراتِنا العارية / أين سنذهبُ هذا المساءَ ؟ بار روميرو مفتوحٌ عند البحر / حانةُ إلكازار أيضاً / وناصيةُ علي بابا / ثمّتَ مشاربُ سرّيّةٌ وفتياتٌ إن شئتَ / أنت تفضِّلُ الشاي بالنعناع / نادي الغوصِ الملكيّ ( سوف يُباعُ ) أغلقَ أبوابَه في الرابعة / لماذا تنظرُ إليّ بالنظرِ الشزْرِ ؟ أتقولُ إني لا أعرفُ كيف أقودُكَ ؟ / فلْنذهبْ إلي إيلات ... الصباحُ في العقبةِ باكرٌ دائماً / ثمّتَ طراوةٌ وشجرٌ مبتلٌّ برطوبةِ الليل / والتلاميذُ في الشارع الضيّق / يحملون أرغفةً ساخنةً فيها حبّاتُ فلافل / المَسْمكةُ تُعَلِّقُ ( مثل الخراف ) أسماكَ التونة / والحلاّقون ينفضون عن كراسيّهم ما تبَقّي من شَعرِ البارحة / فلاّحو العقبة ( مصريّون ) جاؤوا إلي السوقِ / بالفجلِ الأحمرِ والنعناعِ والكزبرةِ / شارعُ الحمّامات لم يفتحْ مقاهيه بَعدُ . الحيُّ القديمُ يضِجُّ الآنَ في حُمّي الهاجرةِ . السلامُ عليكَ يا ابنَ عبدِ الله ... منظر الجبالُ رماديّةٌ غيرَ أنّ الرماديّ ينكشفُ الآنَ أبيضَ / أزرقَ مثلَ الضّباب ... النُّخَيلاتُ مزْرَقّةٌ هي أيضاً وفي البُعْدِ في أوّلِ الكونِ يبدو السحاب ...