يصعب علي الباحثين والكتاب المرور بحياة كامو، دون الاصطدام بعلاقته الشائكة التناقضية : " كامو- سارتر" وهي التي تثير أحياناً مثيلاتها التاريخية: "راسين- كورناي" و"فولتير- روسو" . حيث احتل الكاتبان، في أعقاب الحرب العالمية الثانية ساحة الجدل الفكري، واهتم كل المتابعين بالحلقات المتوالية بين الكاتبين.في الأصل كانت الصداقة هي التي تجمعهما، ولكن سريعاً ما غيرت المنافسة بينهما طبيعة العلاقة. وفي نهاية سنوات الأربعينيات اتسعت المسافة بينهما، وكان كل منهما يعلن إنتماءه لليسار، مع احتفاظ كل منهما بمفهوم مختلف عن الأدب الملتزم. ثم كتب كامو الانسان المتمرد (1951 ) ، بما يتضمنه من نقد شديد للماركسية والإشتراكية. هنا بدأت القطيعة، علي إثر مقال عنيف كتبه فرانسي جانسون بناءً علي طلب من سارتر رئيس تحرير مجلة " لو تومب مودرن" التي نشر فيها هذا المقال، والذي رد عليه كامو وفنّده نقطة بنقطة. ولا يفوتنا الإشارة إلي أن كامو قد وجه رده إلي سارتر وليس إلي كاتب المقال، علماً منه بأن سارتر هو من يقف وراء مقال كهذا، وبالطبع هو من جذب سارتر نحو حلبة الصراع العلني، فوجد سارتر نفسه مجبراً علي الرد مرة أخري بمقال يحمل اسمه، استهله بعبارة: "عزيزي كامو"، كما فعل جانسون الشيء ذاته، متهمين كامو بعدم كفاءته الفلسفية، وإفراغه التاريخ من محتواه، وتصدير فكرة إستحالة الثورة. فيما حاول آخرون أمثال جورج باتاي تفهم توجه كامو ومسيرته الفكرية حول الثورة الروسية والإشتراكية. كتب كامو الرد تحت عنوان: رسالة إلي رئيس التحرير، واستهله بكلمات رسمية: " سيدي رئيس التحرير" ثم أضاف: " لقد انتهزت فرصة مقال، عنوان ساخر، نشر في مجلتكم ، لأوضح للقراء بعض الملحوظات التي تتعلق بفكر وسلوك هذا المقال. السلوك، الذي لا ترفضه أنت بالطبع، وأنا علي يقين من ذلك، بل، كنت داعم له، ولكن ما يذهلني في الواقع هو الضعف الواضح في مستوي المقال". مستمراً في إضافة عباراته القوية المباشرة، التي لا تحمل أي مواربة. فيما رد سارتر، تحت عنوان" رداً علي كامو" : " عزيزي كامو... علي الرغم من أن صداقتنا لم تكن سهلة إلا أنني أتحسر عليها كثيراً. وإذا كنت تقطع صداقتنا اليوم، فلابد لها أن تنتهي. لقد جمعتنا أشياء كثيرة، وفرقتنا أشياء قليلة. ولكن هذا القليل هو كثير في حد ذاته: فالصداقة، هي الأخري، قد تكون شمولية." مسهباً ومستخدماً ألعابه اللفظية، وعباراته اللاذعة في توجيه أقسي الإتهامات إلي كامو. " والمنافسة بين سارتر وكامو لم تتوقف علي الإنتاج الأدبي، بل امتدت إلي الصعيد الإنساني والعاطفي، أي منافسة الرجل للرجل، وليس المفكر والمفكر فحسب. فقد كتب سارتر، في رسائل إلي كاستور : لا أطيق رؤية هذا " المتشرد الجزائري" ، الذي يجذب ويغوي كل امرأة تقابله في طريقه! " إذن المنافس] أيضاً امتدت لمجال وارد بين الرجال عامة، ولا يستثني منه الكتاب والمفكرون. وإلي جانب المعلن، كان بينهما الكثير من " المسكوت عنه" سياسياً. ولكن بعد مرور السنوات، وجد العديد من أنصار سارتر، يعترفون أنه ربما كان كامو علي حق، وربما كان هو الأكثر رؤية للحقيقة، والأكثر بصيرة. وبعد ذاك اليوم، الإثنين 4 يناير 1960، بعده بثلاثة أيام، نعي سارتر صاحبه، في "لانوفال اوبسرفاتوار" داعياً المجتمع الثقافي إلي عدم اعتبار منجزه الأدبي منجزا "غير مكتمل"، بل اعتباره "مجملاً". فاستهل مقاله قائلاً: " منذ ستة أشهر كنا نتساءل فيما بيننا، ماذا عساه سيفعل؟ كان ممزقاً بين متناقضات، توجب عليه إحترامها، فاختار الصمت. ولكنه كان من اولئك الرجال النادرين، الذين نستطيع إنتظارهم، لأنهم يختارون علي مهل، ويظلون أوفياء لاختياراتهم."