رغم أن هذا الكتاب لا يتعرض لتجربة الإخوان المسلمين في الحكم بشكل مباشر، إلا أنه يقدم مراجعات واضحة لما نطلق عليه » الإسلام السياسي« ويؤكد » طبقا لإهداء المؤلف أن التاريخ وحده هو الذي يكشف لنا عن حقيقة تطور الأفكار، وحقيقة أي ادعاءات كاذبة. الكتاب بعنوان » دولة السلطان.. جذور التسلط والاستبداد في التجربة الإسلامية« للدكتور أحمد محمد سالم أستاذ الفلسفة بآداب طنطا. يوضح المؤلف أن »الاستبداد يشكل أحد المعوقات الأساسية لإحداث أي نهضة أو تنمية حقيقية في أي مشروع حضاري، وللاستبداد أشكال متعددة ومتباينة ومجالات مختلفة، ويظل أهم أشكال الاستبداد هو الاستبداد السياسي، وأي معالجة لقضية الاستبداد تظل منقوصة ما لم يتم البحث عن جذوره في تاريخنا القديم، فالاستبداد هو صناعة سياسية، ولكنها رسخت عبر التنظير الفكري والثقافي، وبالتالي فإذا أردنا نقد الممارسات الاستبدادية فلابد أن نمارس نقد صناعة الاستبداد عبر تاريخنا الثقافي، وهو ما يعني ضرورة العودة للتراث من أجل نقد جذور التسلط والاستبداد في هذا التراث«. يركز المؤلف علي ما يسمي ب »الآداب السلطانية« في تجربة الحكم، ويقصد بها تلك الآثار التي نتجت عن الكتبة والمؤلفين الذين التصقوا بالحكام وحرصوا علي أن يدونوا العديد من المؤلفات في مآثر السلاطين والحكام بدءا من الدولة الأموية وحتي حكم العثمانيين، وهي التجربة التي اعتمدوا فيها بشكل أساسي علي الثقافة الفارسية، لذا يقول برنارد لويس: » أنتج الكتبة أدبا وفيرا يحتوي علي التاريخ، والتاريخ الأدبي، وفي مجال السياسة، تحتوي كتاباتهم علي كتب كاملة أو فصول في موضوعات مخصصة للحديث عن فن الحكم، ويخاطب بها في الأغلب الحكام والوزراء أو كتاب الدولة، وبالتالي فإن الآداب السلطانية هي جنس أدبي«. ولعل قراءة هذا الكتاب تجعلنا نندهش من أن طريقة حكم د. محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، تكاد تتشابه بل تتطابق مع طريقة حكم بني أمية، الذين وظفوا الدين من أجل تبرير وجودهم السياسي، حيث وظف بنو أمية المفاهيم والمعتقدات الدينية من أجل تبرير وجودهم السياسي، ولهذا روجوا أن توليهم لأمور الحكم جاء وفقا لقضاء الله وقدره، وبالتالي فعلي المسلمين بشتي فرقهم ومذاهبهم قبول ذلك، وألا يخرجوا عليهم، ومن ثم خضعت عقائد الإسلام للتوظيف السياسي النفعي علي يد بني أمية، بالإضافة إلي أن الأمويين قاموا بتوظيف آلية التكفير لمعظم توجهات المعارضة السياسية لهم، وهذا ما وضح خلال العام الذي حكم فيه د. مرسي، فقد قسموا الشعب مع الشريعة أو ضدها، وحشدوا الأنصار تحت ستار الخطاب الديني، وهناك العديد من الشواهد علي ذلك، ومنها ما أطلق عليه »غزوة الصناديق« حينما حشدوا أنصارهم لقول نعم في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في مواجهة » لا« الذين وصفوهم بأنهم يعادون شرع الله. وإذا كان الأمويون والإخوان المسلمون كفَّروا معارضيهم، فإنهم أيضا- أستخدما سلاح » الغنيمة« لجزل العطايا للأهل والعشيرة ومن يدور في فلكهم فعلي ز مدار حكم بني أمية تم ترسيخ العطايا كإحدي الأدوات لاحتواء المناوئين لهم في الحكم«. وكما كان للقبيلة أثرها البارز في حكم بني أمية، نجد للأهل والعشيرة دورا بارزا في حكم محمد مرسي، وتصريحات من تولوا مقاليد الأمور في البلاد، ومنهم علي سبيل المثال الإخواني صلاح عبد المقصود وزير الإعلام السابق، الذي قال إنه لو كان يملك كوادر إخوانية لإدارة التليفزيون الرسمي لفعل ذلك، فهم الأكثر أمانة من غيرهم. ويتعرض د. أحمد سالم في مؤلفه المهم لكيفية ترسيخ الآداب السلطانية لتصور أن السلطان أو الحاكم هو ظل الله علي الأرض ، وأنه لولا السلطان لكان الناس في فوضي، ولأكل بعضهم بعضا، فالسلطان ظل الله في أرضه، والحاكم في حدود دينه وفرضه، قد حصنه الله بإحسانه، وأشركه في سلطانه، وندبه لرعاية خلقه، ومن ثم تسعي الآداب السلطانية لأن تبرر من الناحية الدينية السلطات المطلقة للملك كحاكم فرد، وذلك ليتحول بسبب دعواتهم إلي إله في الأرض واحد قهار يفعل ما يريد دون قيد أو شرط. وقد كانت بالفعل مثل هذه الأفكار هي الحاكمة لقرارات د. مرسي، فعندما أصدر إعلانه الدستوري الأول، أعطي لنفسه كل الصلاحيات، سالبا كل الحقوق، التي من أبسطها حق المراقبة القضائية لقراراته، إلا أنه تعامل بأنه الذي هو الذي يملك ويعطي، وعلي الجميع السمع والطاعة. ويؤكد المؤلف في مجمل تحليله للحكم الإسلامي من خلال نصوص الآداب السلطانية، أن هذه الآداب عنيت ببناء صورة للملك تصوره فيها علي أنه ظل الله علي الأرض، أو أنه الواسطة بين الله وخلقه، وقد وظفت في ذلك كل النصوص الدينية من الكتاب والسنة لتكريس ذلك التصور، رغم أن الفكرة بالأساس هي فكرة فارسية خالصة، تم إلباسها الثياب الإسلامي، وأن الإسلام كدين لايضفي أي طابع للقداسة علي الحكام، ولكن الفرس عندما دخلوا الإسلام نقلوا موروثاتهم الثقافية قبل الإسلام معهم إلي الإسلام، وأنه علي الرغم من التنافر الواضح بين تعاليم الإسلام كدين يدعو للمساواة وتدبير الآداب السلطانية التي تقيم بناء تراتبي هرمي للمجتمع، فإن هذه الآداب ظلت هي المسيطرة علي فن تدبير الحكم في الإسلام علي مدار معظم فترات تاريخه، وقد يفسر ذلك بعدم وجود نظرية سياسية في الإسلام، رغم وجود كليات ومبادئ عامة، جاء بها الإسلام عن الشوري والمساواة والعدالة. كما يتوقف المؤلف عند جوهر تجربة حكم التيار الإسلام السياسي، حينما يشير إلي أنه يسعي إلي ترسيخ فكرة خوف الرعية من السلطان، حيث ترسم الكتابات المختلفة للحكم الإسلامي، صورة الملك علي أنه قادر علي البطش بأي أحد وفي أي وقت ودون أي قانون أو شريعة، وأعتقد لقد تجلي هذا المفهوم في الخطاب قبل الأخير للدكتور مرسي، عندما تعرض لأشخاص بالاسم، لاصقا تهم التزوير لبعضهم ومعاداة الثورة للبعض الآخر، دون أن يقدم الأدلة التي تثبت صحة كلامه، يأتي ذلك رغم أن العدل هو القيمة المركزية الكبري في الإسلام، ولكن للأسف ظل تطبيق العدل في دولة السلطان مرهونا بوجود إرادة خيرة للملك، وليس هناك أي ضابط أو قانون يحد من ظلم الحاكم. ويلخص د. أحمد سالم التجربة الإسلامية في الحكم من أنه رغم أن الإسلام جاء بالعديد من القيم الإيجابية عن العدل والمساواة علي المستوي النظري، فإن الممارسة السياسية للدولة الإسلامية علي مدار معظم تاريخها لم تخرج عن روح الاستبداد الشرقي، واستطاع المسلمون من أصول فارسية أن يدخلوا في جسم الدولة التدبير السياسي القديم لفارس، مما أسهم في إضعاف روح القيم الإيجابية الفعالة التي جاء بها الإسلام، واستطاع هذا التدبير أن يكرس الاستبداد في الحياة السياسية الإسلامية، لذا ما زلنا حتي اليوم نعيش في طي مفردات الآداب السلطانية في تصورها عن الرعية والعوام والدهماء، ولم تنجح حتي اليوم في تأصيل المفاهيم الحديثة للدولة والحديث عن الشعب والمواطنة والمساواة، فمازالت المفاهيم السياسية للأدب السلطاني تشكل الوعي الجمعي الحديث، ومازلنا عاجزين عن تأسيس الدولة العصرية الحديثة، رغم أن معرفتنا بمفاهيم الدولة الحديثة قد اقترب من قرنين من الزمن.