لماذا أسقط الشعب الإخوان؟ وكيف...؟ سؤالان نحاول الإجابة عليهما عبر هذا الملف. بالتأكيد الأسباب كثيرة .. ولكن الأهم أن الجماعات العقائدية المغلقة لا يمكن أن تقدم تصورا للحرية والعدالة والكرامة... بينما الثورة المصرية كانت من أجل هذه الأشياء.. الإخوان جماعة فاشية، طائفية مغلقة..المزاج المصري لا يحتمل أيه فاشية... الأسباب كثير، وهذا الملف يحاول أن يقدم بعضا منها. منذ الشتاء الماضي و نحن نعد لاحتفالية تليق بيوم مولدك السبعين. اقترح ابنك جمال عمر أن يكون عام 2013 بأكمله احتفالية بسبعينيتك فبدأنا بعدة ندوات في القاهرة و قنا و دمياط علي أن تكون الندوة الكبري في العاشر من يوليو بالقاهرة عن قراءة الشباب لفكرك،لكن الشعب المصري كان له رأي آخر إذ قرر أن يحتفل بسبعينيتك احتفالا يليق بالمناسبة. أولا من خلال اثبات صحة توقعاتك و ثانيا بمحاولة تحقيق حلمك. طوال العام المنصرم و أمام تغيرات الوضع في مصر كانت مقولاتك و مواقفك ماثلة امامي. و من أهم مقولاتك التي ظلت تتردد بشدة في أذني "رفع الوصاية عن الشعب" من قبل النخب الثقافية و السياسية و رجال الدين :" الشعب من حقه يسمع و يشوف و يختار. و لو كان الاختيار خطأ الشعب نفسه اللي حايصحح الخطأ" عندما تتردد مقولاتك في أذني أول ما يتبادر إلي ذهني مناداتك في السنوات الأخيرة بحق الإخوان المسلمين في انشاء حزب سياسي. قلت لك "احنا ناقصين" رديت " معلش خليهم يطلعوا في النور. خلي الناس تشوفهم و تسمعهم". ثم أعود إلي الوراء و أتذكر غضبك العارم عندما قام الجيش في الجزائر بالاطاحة بجبهة الإنقاذ التي كانت قد فازت بالانتخابات،و استنكارك لتأييد بعض الاصدقاء لهذه الخطوة مبررين هذا التأييد بأن وصول الاسلاميين للحكم يعني إلغاء الديموقراطية. أتذكر ردك الساخر:" هو فيه حزب واحد في العالم العربي كله مش حايلغي الديموقراطية اول ما يوصل للحكم علشان يخلد فيه؟!" لكن رؤيتك كانت أعمق من ذلك كما كنت تقول دائما :" كان نفسي شعوبنا تتذوق طعم الفاكهة المحرمة. تجرب حكم الاسلاميين علشان نخلص من الوهم ده بقي". أراك أمامي تطالع الصحف أثناء فترة حكم مبارك و تقرأ خبر القبض علي بعض قيادات الإخوان المسلمين بحجج واهية ثم تلتفت إلي و تقول:" هو كل ما شعبيتهم تنخفض عند الناس يقوموا يقبضوا عليهم علشان الناس ترجع تتعاطف معاهم؟ هي العالم دي (الحكومة و الإخوان) متفقين مع بعض؟! الناس دي مش فاهمة طبيعة الشعب المصري. أنا فلاح و عارف أن من قديم الأزل الناس بتتعاطف مع أي حد ضد الحكومة و كل ما الحكومة تضطهدهم بمناسبة و بدون مناسبة الناس بتعتبرهم ضحايا و شهداء" مرت بذهني أيضاً واقعة حدثت منذ عدة سنوات اثناء زيارتك لتونس عندما قال لك وزير التعليم آنذاك أنهم وضعوا كتبك في كل المكتبات المدرسية و الجامعية هناك. ثم أضاف:" و رفعنا كل كتب سيد قطب" لا أظن ان الرجل فهم سر غضبك العارم. ربما لم يفهم رفضك للإقصاء الفكري الذي كنت تعتبره وصاية علي الشعب و قصر المعرفة علي الخاصة دون العامة من جهة،و افضل طريق لدفع الخصم الفكري الي التطرف من جهة اخري, بالاضافة الي تحويله الي ضحية في نظر الناس. كانت مسألة مبدأ لديك و هو أنه لا يجب علي المثقف ان يفرح عندما يقوم نظام سياسي بإقصاء خصمه الفكري لأن الأيام دوارة كما علمنا التاريخ و ذات يوم يأتي نظام سياسي آخر يقوم بأقصاء فكره هو. لكني أعرف أيضاً ان المصالحة بالنسبة لك لها شروط. في أحد المؤتمرات بسويسرا سألك احد الاوروبيين لماذا لا يبادر الفلسطينيون بمصالحة مع اسرائيل أسوة بما فعله نلسون مانديلا في جنوب افريقيا. كان ردك انه لا يمكن ان نطلب من المجني عليه ان يقوم بمصالحة قبل ان يسترد حقوقه و تتم محاسبة الجاني, و أن نلسون مانديلا لم يقم بالمصالحة و هو حبيس السجن بل عندما خرج و أسترد حقوقه و انتهي نظام التفرقة العنصرية،و قامت عملية مصارحة حيث استمع الجناة للضحايا و أقروا بما ارتكبوا من جرائم في حقهم. لذلك عندما وصلت جماعة الإخوان المسلمين للحكم كنت علي يقين أنها المرة الأولي و الأخيرة و انهم لن يبقوا اكثر من عام أو أقل. اعرف أنك كنت تضحك عندما كنت تسمعني اقول ذلك لبعض الاصدقاء،انت المتفائل الابدي و أنا المتشائمة دائما. لكن الامر لم يكن له علاقة بالتفاؤل و التشاؤم انما بدراسة التاريخ و رصد الواقع المبني علي توقعاتك. تابعت عن كثب موقف البسطاء في الاحياء الشعبية و القري حيث اتعامل بشكل يومي مع الكثير منهم،و إليك أحد النماذج التي تجسد صحة توقعاتك. في الانتخابات قام هذا الشخص بالتصويت "للناس بتوع ربنا" ثم بعد أقل من شهرين قال لي:" دول مش بتوع ربنا. لا يهمهم الدين و لا الناس الغلابة. كل اللي يهمهم الكرسي. بلا حرية و عدالة بلا نور. مش عايزين العالم دي تاني". قلت له :" هل لو كنت حاولت اقناعك بعدم التصويت لهم كنت ستصدقني؟" رد:" بصراحة لا. بس احنا ماكناش نعرف و ادينا عرفنا. لازم يمشوا". و أصبح بعد ذلك من أنشط الذين يجمعون التوقيعات لحركة تمرد،هكذا كان حال اكثر من ثلاثين مليون نزلوا في الثلاثين من يونيو. مستحيل ان ينتمي كل هذا العدد إلي النخب. أنه الشعب الذي اختارهم و تذوق حكمهم و قرر اسقاطهم كما توقعت . لذلك رددت مع ابنك جمال عمر:" مدد يا أبوزيد مدد"اعرف انك كنت تتمني الا يتدخل الجيش و أن يكون اسقاطهم علي يد الشعب وحده. لكنك تعرف أن الوضع هنا يختلف عن الجزائر. هناك تم اجهاض التجربة قبل أن تبدأ. أما هنا اتيحت لهم الفرصة و لفظهم الشعب بعد ان مر بالتجربة. اعرف ماذا تريد ان تقول لنا:" ارجوكم لا شتائم و لا سباب و لا شماتة. اناشدكم ألا تحولوهم الي ضحايا و شهداء إنقاذا ًللمستقبل. لا نريد أن يتعاطف معهم الناس بعد عشرين او خمسين سنة و نعود مرة اخري الي نقطة الصفر" . و أخيراً عندما ذهبت الي قحافة منذ ايام لاحياء ذكري رحيلك وجدت نصر حامد أبو زيد الصغير و الذي لم يكمل عامه الثالث بعد، لا يكف عن ترديد تلك العبارة التي سمعها و رددها عندما ذهب مع والديه امام مقر المحافظة منذ 30 يونيو:" الشعب...اسقاط ..نظام" هل هي إشارة؟ بشارة؟ استشراف للمستقبل؟ بركاتك يا نصر. سلام