أكتب، وروحى وقلمى يتوزعان بين مشهدين رئيسين، وآخر ثالث بعيد اسمحوا لى أن أقحمكم فيه معى، المشهد الأول فى التحرير، حيث أتواجد به غدوة بين الملايين من أبنائنا ورواحا لمزاولة مهنة المتاعب، الثانى فى الاتحادية، حيث يتواجد ولدى منذ الدقائق الأولى لزحف الثوار، ولا أعلم حتى الآن عنه شيئا بعد أن تقطعت بيننا سبل الاتصال، والمشهدان يندمجان مع عشرات فرعية أخرى فى قلب الوطن لتتوحد فى كادر شعبى واحد، رفض استمرار حكم الإخوان بكل ما عليه وما عليه، فلم يكن له علينا من شيء، أما المشهد الثالث الخارجى فهو تجمهر الجنوب أفارقة أمام منزل زعيمهم التاريخى، ورئيسهم السابق موحدهم وحاميهم ومناضلهم نيلسون مانديلا وهو يصارع الأنفاس الأخيرة من الحياة وسط دموع شعبه الذى أحبه بحق وبعمق عن استحقاق، دموع ترجو الخالق أن يشفيه ليبقى بينهم ولو قليلا، فيتلاقح المشهد الجنوب إفريقى مع مشهدنا فى ذهنى، ليتنافر الاثنان على أرض الواقع، والملايين الغاضبة الهادرة المسالمة تخرج إلى ميادين مصر تطلب من الرئيس مطلبا وحيدا «الرحيل» طلبا لاستكمال ثورة اختطفها الإخوان وشوهوها، و«قصقصوا» ريشها لتكون هى ومصر على مقاسهم وحدهم. وحتى مثول أسطرى للطبع، تحمل كل دقيقة المتغيرات، ولا أعلم ما سيستقر عليه الوضع، لكنى واثقة من انتصار إرادة الشعب، هذا الشعب الذى لا يزال يبحث عن رئيس حقيقى يشعر به ويتحمل نحوهم المسئولية كاملة، رئيس يتمكن من فك شفرة هذا الشعب الرائع الفريد من نوعه، الشعب الذى لا ينكسر ولا يلين، ولا تهمد له إرادة، رئيس يفك شفرة الشعب حتى يمكنه التفاهم والتوافق معه فى عهد ما بعد الثورة، فلا مكان للديكتاتورية ولا القمع أو الاستبداد. وحتى ترسى صحوة استرداد الثورة سفنها، وتؤتى الثمار أكلها، أذكر الإخوان بالدروس المستفادة من 30 يونية، لعلها تنفع الذكرى، الدرس الأول، خسارتهم رهانهم على أن الشعب لن يخرج بهذه الإعداد فى 30 يونية، وإن أعدادا قليلة ستخرج ثم تعود لمنازلها بعد أن يصيبها السأم والملل، فهذه الملايين من الحشود كشفت القيمة الحقيقية لجماعة الإخوان لدى جموع الشعب بما فيها الفئات الفقيرة، تلك التى خرجت أيضا مطالبة برحيلهم، دون أن تقدم لهم حركة تمرد ولا أى من المعارضة زجاجة زيت او سكر كما قدمتم للبسطاء لتفوزا فى انتخابات الرئاسة والبرلمان الباطل المنحل، نعم خرج الشعب يا اخوان بدون طعم السكر، بل فى حلقه طعم المرارة، مما كان منكم على مدى عام وصار إليه الحال بعد ثورة دفع ثمنها دماء ابنائه الأبرار. الدرس الثانى، كان من الأولى توفير ملايينكم التى أنفقتموها فى حشد حشودكم وتحميل حافلاتكم الممولة من المحافظات إلى ميدان رابعة مع موائد الرحمن، وتوفير الملايين التى تكبدها الشعب العبقرى المسكين من جيوبه ليبقى الليالى فى الميادين ويعطل حياته وأعماله، كان من الأولى توفير كل ذلك وتوجيهه لتنمية وخدمة الشعب وتمويل مشروعات صغيرة تنعش الحالة الاقتصادية لو تنازلتم قليلا عن صلفكم واستبدادكم بالحكم وأشركتم الشعب فى الحكم بكل فصائله. الدرس الثالث معرفة البسطاء لحقيقتكم، حقيقة إتجاركم بالدين من أجل كراسى سلطة زائلة، فقد كفرتموهم وسممتم حياتهم، وأبحتوا دماءهم وعمقتم فقرهم واحتياجاتهم، فلم تعد تنطلى عليهم كلماتكم وخطبكم، ولا تهديداتكم ووعيدكم. الدرس الرابع عرف الشعب من هم الطرف الثالث، من هم الإرهابيون، بعد أن نطقت ألسنتكم بما تضمره قلوبكم من حقد وكراهية نفرت الناس من حولكم، ورأى الشعب تدريباتكم للميليشيات المسلحة، وقد نسيتم أن الإسلام دين السماحة والرحمة والحب، فانفض الناس من حولكم بسبب غلاظة قلوبكم بعد أن خالفتم أمر الله الناهى «لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، عرف الشعب من هم الإرهابيون بعض ضبطيات الشرطة للسيارات المحملة بأسلحتكم التى كنتم ستوجهونها إلى صدور المصريين.. أعدائكم، بعد أن تم الكشف عن متطرفين، جهاديين، حمساويين يستعدون فى أوكارهم المظلمة لمساندتكم بالسلاح ضد الشعب المسالم. الدرس الخامس، حملت مظاهرات استرداد الثورة بشرى المصالحة الحقيقية بين الشرطة والشعب، بعد سنوات من العداءات التى خلقتها أنظمة سابقة ثم نظامكم، فانضمت أعداد منهم فى صفوف الثوار، وقام آخرون بتأمين المظاهرات، وانتشر آخرون على مداخل المحافظات لضبط أسلحتكم قبل أن توجه للمتظاهرين السلميين. الدرس السادس، أرسى الجيش مجددا فصلا جديدا من وطنيته وانحيازه للشعب دون غيره، وحلقت طائراته تؤمن مصر والشعب. الدرس السابع، فقد حزب الحرية والعدالة الإخوانى مشروعيته قانونا مع تجييشه الميليشيات المسلحة، فلجأوا إلى حزب للتسليح أو حمل السلاح يؤدى إلى حله قانونا وفقا لقانون الأحزاب. الدرس الثامن، شعب مصر لن يحكم مجددا بالنار والحديد، فلا مكان للانفراد بالسلطة، ولا مكان للإقصاء والتهميش لأى من فصائل الشعب. الدرس التاسع، إنكم لم تستوعبوا الدرس مما حدث لمبارك وحزبه الوطنى، فسرتم على مساره من الهيمنة والتمكين، ولكن مع التمسح بالدين الإسلامى والتشدد به، وما شاد الدين أحدا إلا غلبه، سرتم على نهج مبارك وزمرته، فعاندتم الشعب، وراهنتم على صبره، فارتفع سقف المطالب، وكان الإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة مخرجا كريما وآمنا للرئيس ولكم، فرصة لتعيدوا تأهيل انفسكم سياسيا وتندمجوا وطنيا مع باقى الفصائل السياسية مع تنحية التمسح بالدين جانبا. الدرس العاشر والأخير الذى كان يجب أن تتعلموه ويتعلمه معكم أى رئيس آخر قادم لمصر، هو أن الشعب المصرى المارد خرج من القمقم مع ثورة 25 يناير ولن يتراجع أبدا.. لن تكبل إرادته أو تكمم أفواهه، وأنه يقود نفسه بنفسه، وشرعية أى رئيس مستمدة من الشعب، من الشارع.. من الميدان لا من فصيل بعينه. حفظ الله مصر شعبا وجيش.. ورحم نيلسون مانديلا وكل رئيس مثله، وفتح هاتف ولدى لأطمئن عليه..!