هذه هي بقية القصة التي بدأتها في مقالي الفائت.. وهي ليست قصة واقعية لكنها تحدث كثيرا بأشكال متنوعة والمشكلة فيها واحدة.. وهي مهداة لروح (أستاذة جامعية تنتحر لأنها بلغت سن الأربعين ولم تتزوج) هكذا كان عنوان الخبر، وهذه هي بقية القصة: ولما عدنا إلي المنزل وكنت منشغلة ببعض المهام المنزلية (المسلية) لم تبعد هي عن بالي.. وكنت أتساءل: ما الذي أدي إلي عزلتها الاختيارية هذه وهي فتاة ناجحة بكل المقاييس؟ ولماذا لم ترتبط وتتزوج؟ وهل أدي عدم ارتباطها إلي عزلتها؟ أم أن هذه العزلة هي التي أدت بها إلي البعد عن التعرف بالناس والتقرب منهم وهكذا لم تتزوج؟ وبينما كنت أحاول تحليل حالتها وأتردد بين شعور جارف وقوي يدفعني للشفقة علي حالها وفكرة أخري توسوس في أذني بأنها مسئولة عن ذلك.. وجدت زوجي - الذي لم ألحظ دخوله - قائلا (ماتعرفيش حد مناسب لأخت صاحبي اللي شوفتيها النهارده في النادي؟) فقطبت جبيني مستنكرة سؤاله وهو الذي يعلم جيدا أنني لا أؤمن بهذه الطريقة في الزواج، ولا أتدخل أساسا فيها.. وقبل أن أتكلم سارع هو بالرد علي: (لأ معلش! دي أصلها حالة إنسانية مش مسألة جواز وبس.. البنت كويسة جدا ومافيهاش عيب ومع كدة مفيش أي شاب اتقدملها.. وأخوها هيتجنن، وصعبانة عليه وكمان خايف عليها لأنها من حوالي سنة قالتله بصراحة: أنا طلعت الموضوع ده من دماغي وهاعمل لنفسي حياة تانية خالص من غير ناس.. وصاحبي بيقول إنها من ساعتها دخلت عالم النت وانعزلت تماما).. كما فهمت أيضا أنها تذهب إلي عملها وتعمل بطريقة عادية ولكنها تقتصر في علاقاتها مع الزملاء جميعا سيدات أم رجال علي العمل فقط.. وعلمت أنها كانت قبل ذلك شخصية إجتماعية ولها معارف وصديقات ولكنها ابتعدت عن الجميع ولم تعد تكلم أحدا أو تسمع أحدا. عاد شعور الشفقة يدفعني للوم نفسي وتأنيب ضميري والشعور بما تشعر هي به من عزة نفس تدفعها لقول ما قالته في النادي: (أنا كده وهافضل كده).. معها حق.. كل الحق.. فماذا تفعل؟ أتكتب إعلانا تشرح فيه حالتها وترجو أن يتزوجها أحد؟ أم تغير مظهرها ليصبح لافتا للأعين ويجذب أنظار الناس لتجد عريسا؟ أتستمر تتحدث مع الزملاء ببساطة حتي يظن أحدهم أنها تتقرب منه؟ لا بل تبتعد عن الجميع وتنأي بنفسها عن صداع القيل والقال وتهرب إلي حياة بديلة - حتي إذا كانت تعلم أنها مزيفة - تصنعها هي بيديها وتختار هي شخصياتها الوهمية وتنسج هي حواراتها الجوفاء وتعيش فيها عبر موجات النت وإذا ملّت منها تقوم ببساطة وتطفئ الكمبيوتر.. كنت قد بدأت أبحث في ذاكرتي عمن قد يكون مناسبا لها وأخذت علي عاتقي - علي عكس مبادئي - أن أحاول إيجاد شخص أو حل.. وجاء يوم الأحد وفي طريقي إلي عملي قابلتها والسماعات في أذنيها وكنا علي بعد أمتار قليلة من بعضنا البعض.. فتمهلت في مشيتي.. وكدت أتوقف لألقي عليها التحية.. ولكنها عبرت مسرعة بجانبي.. مثل كل يوم.. ولا أعرف - ولن أعرف - إن كانت قد تجاهلتني.. أم أنها فعلا لم تكن تراني.