إن النص الروائي وبخاصة ذلك المخضوب بلغةٍ شاعرة ٍ تنهل لأعوام من روح وفكر كاتبها، سيظل بكرا حتي النهاية . و مهما قدم النقد الأدبي له من مهر، فلن تفك طلاسمه كاملة ولكنه يعطي انطباعا أوليا بجماله ، ثم يترك العقل يعمل بحثا عن مكمن الجمال لأيامٍ ثم يدرك أن النص بكامله وردةٌ لايبحث فيها عن مكمن الرحيق . فبعد خمس سنوات من روايتها (مس إيجبت ) تخرج علينا الروائية الدكتورة سهير المصادفة برواية أكثر من رائعة هي ( رحلة الضباع ) التي حاولت فيها إثبات تهمة تجني المجتمع الذكوري علي المرأة رغم ثبوت التهمة علي الرجل بصلفة وغروره والمرأة برغبتها أن تعيش كسيرة تحت ظل رجل . ولن أبحث عن مكمن الرحيق في هذا العمل الفارق ، ولكني ليقيني أن الرواية شرك الناقد سأتناول بعض جوانب العمل علي عجالة محيلا القاريء إلي قراءة النص للاستمتاع به كما أمتعني ولن اتحدث عن حجم العمل وعدد صفحاته وغير ذلك من عتبات النص رغم أهميتها البالغة ولكني أوجه التهنئة إلي مصمم الغلاف الذي فتح أمام عينيّ مسالك النص لأسير في دروبه بما وعت الحواس العاقلة من روعة التصميم ودلالاته ، ثم ننتقل لبعض ما يحتويه النص وقد يظن القاريء للوهلة الأولي أنه أمام نصين متفاوتين زمنا ، وهذه مغالطة كبري في حق النص لأنه بذلك يحول مايسمي (ببراعة الاستطراد) في البلاغة العربية وأعده البلاغيون حُسْنا إلي قبح . وبهذا هو لم يستطع قراءة نص عبقري كهذا بوعي يستحقه النص . ويقول بن المعتز في تفسير ذلك الاستطراد : الخروج من المعني إلي آخر بالإخبار أو التشبيه أو الشرط وكذلك قال الجاحظ وابن رشيق وزاد ابن رشيق أن من زيادة الجمال زيادة التمادي في المعني الأخر والاستطراد من أهم جماليات نص توفيق الحكيم المبدع الكبير ولقد استطردت الكاتبة استطرادا ضفر زمنين معا فاستكملت (نرمين وأحداثها بالسوداء بنت الرومي وأحداثها ) و(جمال زوج نرمين وسطوته وصلفه بعمر بن عدي وغطرسته الجاهلة ) وعندما تنظر إلي النص بعين فاحصة تجده زمنا مضفورا لإيضاح الحدث وأنتقل إلي نقطة ثانية من مقومات السرد وهي ألوصف رغم ظهور تيار الشعور أو مجري الوعي عند الروائية الإنكليزية (أديلين فرجنيا وولف )( 1828 1941) إلا أن سهير المصادفة لم تتأثر به كغيرها من الروائيين العرب واتجهت إلي تيار الوصف الخارجي بقلم ينحت الشخصيات نحتا دقيقا في ذاكرة القاريء ولك أن تقرأ وصفها ( للحبابة بنت أبيها ص109) ووصف صوتها ومالت بعد ذلك إلي مايسمي في الأدب ببراعة الاستهلال فدخلت من باب الإجمال ثم التفصيل كذكرها صفات الضباع إجمالا في صدر الفصول التي تحدثت فيها عن نرمين لتشير تفصيلا إليها بذكاء شديد داخل الفصل ذاته ولم تفعل ذلك في الفصول التي تناولت فيها السوداء لأن فصول السوداء وعمر بن عدي ذلك الوجه الآخر للعملة المكمل الضروري لوجودها ذكرني النص بنصوص الراحل الرائع يحي الطاهر عبد الله عندما كان نصة مزيجا بين الشعر والسرد والأسطورة والتاريخ والتصوف وهكذا جاء نص الروائية سهير المصادفة ولضيق المساحة ورغم عدم كتابتي عن النص كما أشعر به . وأنوه إلي خطأ وحيد بالرواية ( من أحب فعف فمات فهو شهيد ) ونسبته إلي الرسول وأعذر الكاتبة لوجوده في كتب التراث العربي وهو حديث موضوع ولاينسب إلي الرسول الكريم كما ورد بالرواية وعلي أية حال ٍ النص مكون سردي رائع ومكون خطابي بديع وشبكة علاقات كاملة ترتب الأحداث وتسلسل التحولات في براعة فائقة وإتقان .