صبحى فحماوى لا شك أن الروائي البريطاني الشهير جورج أورويل يدهش قراءه بسخريته اللاذعة التي يكتب بها بطريقة غير معهودة، فنجدها تضحكنا، وتؤلمنا، وفي الوقت نفسه تفضح المستور، خاصة من الدبلوماسية البريطانية الدولية الباردة. وكان أورويل قد عمل عام ثلاثة وأربعين وتسعمائة وألف محرراً أدبياً لجريدة (تريبيون) العُمّالية الاشتراكية. وكان مقاله الساخر في الجريدة بعنوان: (كما أشاء أنا!). وصدرت له رواية في عام تسعة وأربعين وتسعمائة وألف بعنوان(1984)، متنبئة ما سيحصل في المستقبل، ولكن بطريقة غاية في السخرية، فأرجو أن تنتبه للأسلوب الساخر فيها وأنت تقرأ: إلي الأسفل كان بوستر يُظهر عبارة (الاشتراكية الإنجليزية) ومن المكان الذي وقف فيه (ونستون) تبين كتابة أنيقة، توضح الشعارات الثلاث للحزب: (الحرب سلام) ،(الحرية عبودية)، (الجهل قوة).. هذه البنايات هي مقرات؛ (وزارة السلام) وهي تختص بشؤون الحرب. ( وزارة الحب) وهي التي تصون القانون والنظام الأمني. (وزارة الوفرة) وهي المسؤولة عن الاقتصاد، وتوفير المواد الاستهلاكيةس لاحظ المفاهيم المعكوسة في النص. وفي صفحة 41 من الرواية يعلن الحزب شعاره: ( السيطرة علي الواقع، والإيمان المتناقض في الكلام)س ويفسر أورويل هذا الشعار بقوله: هي أن (تعلم، ولا تعلم)، في الوقت ذاته، وأن تكون مدركاً للمصداقية التامة فيما تعلن أكاذيباً منظمة بدقة..وأن تؤمن باعتقادين باطلين متناقضين في آن واحد معاً، وأن تستعمل المنطق ضد المنطق، وأن تتبرأ من الفضيلة، فيما تدّعي لنفسك حق المطالبة بها، وأن تعتقد أن (الديمقراطية مستحيلة) وأن الحزب هو حامي الديمقراطية، وأن تنسي كل ما يكون نسيانه ضرورياً، ثم تسترجعه ثانية إلي الذاكرة في اللحظة التي تحتاجه فيها، لتنساه مرة أخري دون إبطاء، وإن عدو المرحلة يصور دائماً علي أنه » الشر المطلق«. ونقرأ في الرواية: زوبهذا يصبح التاريخ عبارة عن لوح ممسوح، يعاد نقشه كلما كان ذلك ضرورياً ..كل شيء قد تلاشي في عالم مضلل، وحتي تأريخ السنة أصبح عرضة للشك.. وفي صفحة أخري ترعب القاريء: زهناك المستودعات الضخمة التي تُخزن فيها الوثائق المُعدّلة، والأفران المخيفة التي تتلف فيها النسخ الأصلية. وفي صفحة سبعة وخمسين يكتب عن تصرفاتهم المعكوسة، إذ يتحدث عن غارات الهليوكبتر علي قري العدو، والتي تشبه الطائرات القاتلة بدون طيار هذه الأيام، التي تقصف ثوار اليمن والباكستان وغيرها، ويكتب عن محاكمات واعترافات؛ زمجرمي التفكيرس وسحفلات الإعدامس في أقبية زوزارة الحبس...سكان شنقاً بارعاس..واصل سايم قوله: زلكنني أعتقد أنه أُفسد عندما ربطوا أرجلهم معاً، فأنا أحب أن أراهم وهم يرفسون. لاحظ مدي بشاعة الحب الذي تنفذه الوزارة المسماة (وزارة الحب) ومدي السخرية في كل ما تقرأ.. وفي صفحة أخري يعترض أورويل علي شعار الحزب؛ (الحرية عبودية) إذ يقول بكلام مذهل: زكيف يكون بمقدورك في عام ألفين وخمسين أن تحمل شعاراً مثل (الحرية عبودية) الذي لا يمكن قبوله، في وقت يكون فيه مفهوم (الحرية) نفسه قد ألغيس؟ لا تعليق علي تصوير هذا الروائي لتصرفات الاشتراكية الإنجليزية التي كشف سترها منذ منتصف القرن العشرين وحتي أيامنا الحالية، والتي قد نراها في تصرفات الاشتراكي البريطاني توني بلير في العراق وفلسطين وغيرها، وفي تصرفات الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي ما يزال يبث شروره الاستعمارية إلي مختلف أقطار الوطن العربي، وحتي في نظرية (كوندلينا رايس) زالفوضي الخلاقةس التي تُسوِّق لما نعيشه الآن من أحداث جسام، تقلب الحق باطلاً، والباطل حقاً، وتمارس الإعدام البشع في حفلات جماهيرية صاخبة، والذي قد يكون تطبيقاً عملياً لما أوضحته رواية أورويل الجريئة. روائي عربي من الأردن.