د. مينا بديع عبدالملك وُلد إبراهيم يوسف الجوهري في بلدة قليوب في بداية النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي. التحق بكُتاب البلدة، فتعلم الكتابة والحساب وأتقنهما، وأشتهر منذ حداثته بنسخ الكتب الكنسية وتقديمها إلي الكنائس علي نفقته الخاصة، كما كان يحرص علي تسليم ما نسخه من الكتب إلي البابا يؤانس 18 (1769 1796م) البطريرك 107. التحق في بدء أمره بوظيفة كاتب لأحد أمراء المماليك، ثم عمل كاتباً خاصاً للمُعلم رزق رئيس الكُتاب. استمر في هذه الوظيفة إلي آخر أيام علي بك الكبير الذي الحقه بخدمته. وعندما تولي محمد بك أبو الذهب مشيخة البلاد، اعتزل المُعلم رزق رئاسة الديوان وحل محله المُعلم إبراهيم الجوهري، فسطع نجمه وصار متميزاً. بعد وفاة أبو الذهب تولي إبراهيم بك مشيخة البلاد، فتولي المُعلم إبراهيم رئاسة كُتاب القطر المصري وهي اسمي الوظائف الحكومية في ذلك الوقت وتعادل حالياً درجة رئاسة الوزارة. لم تؤثر الوظائف الحكومية في أخلاقياته، بل زادته تواضعاً وكرماً وإحساناً، كما قدم الخير للكل دون تمييز بين مسلم ومسيحي، فوصل خبره إلي الوالي إبراهيم بك فعزز مركزه وأكرمه، واختصه بثقته. قال عنه الجبرتي: (.. كان من ساسة العالم ودهاتهم، لا يغرب عن ذهنه شئ من دقائق الأمور، ... يفعل ما يوجب انجذاب القلوب والمحبة إليه، وعند حلول شهر رمضان كان يُرسل إلي أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا. وعُمّرت في أيامه الكنائس والأديرة وأوقف عليها الأوقاف الجليلة والأطيان ..)، كما قال عنه الأنبا يوساب أسقف جرجا وأخميم: (كان محباً لكل الطوائف، يسالم الكل، ويحب الجميع، ويساعد علي توفير احتياجات الكافة دون تمييز أحد عن الآخر في إظهار الحق ..). حدث انقلاب في هيئة الحكام، فحضر إلي مصر حسن باشا قبطان من قِبل الباب العالي فقاتل إبراهيم بك ومراد بك واضطرا إلي الهروب إلي الصعيد ومعهما إبراهيم الجوهري وبعض الأمراء وكُتابهم. فنهب قبطان باشا قصور البكوات والأمراء والمشايخ، وقام بسلب ممتلكات المُعلم إبراهيم الجوهري وعائلته وكل ما قد أوقفه علي الكنائس والأديرة. اضطرت زوجته إلي الاختفاء في بيت حسن أغا كتخدا. استحضر الباشا أبنته دميانة لتخبره عن أموال أبيها، فطلبت بحكمة من الباشا مهلة، جمعت فيها بعض الفقراء وتوجهت بهم إلي الباشا وقالت له: (أن أموال أبي في بطون هؤلاء وعلي أجسامهم) .. تأثر الباشا بكلام الابنة فلم يُبطش بها. عاد إبراهيم بك ومراد بك ومعهما المُعلم إبراهيم الجوهري إلي القاهرة في 7 أغسطس 1791، ولعظم محبة السلطات والشعب له، أُطلق عليه اسم (سلطان القبط). خلال عمله الحكومي وصداقته مع المماليك، تمكن من استصدار موافقات بالسماح للأقباط بإعادة ما تهدم من الكنائس والأديرة، وأوقف الأملاك الكثيرة والأراضي والأموال لإصلاح ما خُرب منها وقد بلغت تلك الأملاك 238 حُجة مُسجلة ومحفوظة بالدار البطريركية. كان أول من سعي في إقامة الكنيسة المرقسية الكبري بالأزبكية إذ كان موفقاً في استصدار فرمان سلطاني من الأستانة بالترخيص ببناء كنيسة بالأزبكية، حيث كان يوجد محل سكنه، لكنه توفي قبل الشروع في بناء الكنيسة، فأتمها أخوه المُعلم جرجس الجوهري في سنة 1783م. اهتم ببناء السور البحري جميعه وحفر ساقية لدير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، وهذا السور مازال معروفا حالياً باسم (سور الجوهري). وفي 2 يونيو 1795انتقل رجل الأعمال الصالحة إلي الحياة الأخري، فحزن عليه أمير البلاد إبراهيم بك الذي كان يعزه جداً، وقد سار في جنازته، كما رثاه بطريرك الأقباط البابا يؤانس.