د. مصطفى الضبع نخطئ كثيرا حين يسود بيننا الاعتقاد بأن التعليم ينحصر فقط في المؤسسة التعليمية ( المدرسة الجامعة ) وهو ما يعني أمرين: أولهما : إذا كان دفتر أحوال التعليم المصري (راجع المقالات السابقة ) علي الصورة الراهنة فإن القول بوجود تعليم في مصر لهو ضرب من المستحيل . ثانيهما : إغفال دور مؤسسات أخري لاتقل أهمية عن المؤسسات التعليمية أو هي بالأساس توسيع للمؤسسة التعليمية وفي مقدمتها المؤسسة الإعلامية لما لوسائلها العصرية من التأثير الأقوي دون منافس (راجع الفارق الكبير بين تأثير التلفزيون مثلا وتاثير المدرسة أو تاثير مسلسل تلفزيوني وتأثير حصة دراسية ) ففي العصر الحديث انفتح مجال التعلم ليجعل من الحياة اليومية بكل أنشطتها مجالا للتعلم ، فالمؤسسة التعليمية تضع القوانين المنظمة للعملية التعليمية وتأتي المؤسسة الإعلامية لتكون تطبيقا فاعلا لهذه القوانين ومن المنطقي أن القاعدة اللغوية التي تعلمها الطفل في المدرسة تجد تطبيقا صحيحا لها علي لسان المذيع ، (راجع أحوال ضياع اللغة العربية علي ألسنة الأطفال ومن قبلهم علي ألسنة المتعلمين والمعلمين بالأساس وراجع علاقة كثير من المذيعين باللغة العربية ). وكما أن المؤسسة الإعلامية شريك في تطوير التعليم ورقيه عبر عدة عوامل فإنها شريك أساسي الآن في تدهور التعليم مرة بكونها عامل جذب وإلهاء بما تمتلك من قدرات تشويقية ومرة بكونها فقدت المؤسسة الإعلامية القدرة علي القيام بدورها حين تراجعت عن تطوير أدائها ولم تستثمر إمكانياتها العصرية في تقديم منتج تعليمي كما استثمرت الإمكانيات نفسها في تقديم منتج ترفيهي لم يرق في كثير من الأحيان إلي مستوي تقديم رسالة فكرية تخاطب العقل ولا تكتفي بمخاطبة الحواس . إن دور المؤسسة الإعلامية يقوم علي عمادين أساسيين :تقديم مادة تعليمية بشكل مباشر والتطبيق علي المادة التعليمية ، تتجلي الأولي فيما تقدمه القنوات المختلفة من برامج تعليمية تقوم بالأساس علي الاختلاف في الطريقة المدرسية فالطالب الذي يترك مدرسا تقليديا في المدرسة يعود ليجد مدرسا تقليديا آخر في القناة التعليمية (ولا يغرنكم أن الثاني يضع أمامه جهاز كمبيوتر ) فقد هبط مستوي الأداء بمدرس التليفزيون كما هبط مستوي مدرس الفصل ولم تجهد القنوات التعليمية نفسها في التوصل إلي المدرس الأكفأ وإنما اعتمدت الطريقة المصرية في الاختيار تلك الطريقة القائمة علي مبدأ أهل الثقة أو منفعة ذوي القربي أو أبناء القبيلة ، وإلا كيف تفسر وجود مدرس لغة عربية لا يجيد قراءة الشعر ولا يحسن تقديم نص أدبي ولا تستبين طريقة قويمة لنطقه ولا تتبين له أسلوبا مميزا في تقديم دروسه ( تصادف في إحدي المرات أن تابعت درسين أولهما لمدرس أحياء كانت لغته العربية من أجمل مايمكن ، وثانيهما لمدرس لغة عربية بدا واضحا أنه ابن المؤسسة التلقينية بكل مساوئها حيث تحولت اللغة العربية علي لسانه إلي لغة صينية ) ، وفي الجانب الآخر ، أعني التطبيق علي المادة التعليمية بشكل غير مباشر يتجلي فيما تقدمه بقية البرامج التي تعد بمثابة النموذج التطبيقي علي قوانين العلم ومبادئه فالمذيع والضيوف والمادة الدرامية وغيرها تجسيد للعملية التعليمية ، ومن المنطقي أن تجد مذيعا مثقفا يجيد استخدام لغته العربية علي سبيل المثال ولكن من غير المنطقي أن يكون المذيع وضيوفه أبعد مايكونون عن حتمية التعلم في أبسط قواعدها وفي ظل تقدم المنظومة الإعلامية العالمية اعتمد العالم المتحضر منظومة تستثمر كل الطاقات التعليمية فلغة المذيع تطبيق واضح ونتاج جاد لتعليم يخرج أكفاء ولا يقدم للمجتمع مجرد أفراد تضعهم قوانين الوساطة ( وما أدراك مافعلته الوساطة والكوسة في المجتمع المصري علي مر التاريخ ؟) تضعهم في أماكن لا يحسنون أبسط مبادئ العمل فيها ولا يملكون أبسط قواعد العمل علي تطويرها . وللحديث بقية.