صبحى فحماوى أقف الآن في عمّان، صباحاً- أراقب الأولاد والبنات من جيراننا، الواقفين منتظرين قدوم الحافلة الصفراء التي تقلهم إلي مدارسهم.. الولد وهو طالب يبدو أنه بين العاشرة أو الثانية عشرة من عمره، يبدو أنه يريد أن يتسلي ليمرر وقت الانتظار، فلا يجد أمامه إلا أن ينقضّ بسرعة علي أخته الطالبة، الواقفة إلي جواره أمام باب البيت، ويفقعها كفّاً يُطير الشرر من عينيها..تصرخ الأخت الواقفة، بينما يعود الأخ مسرعاً وهو يضحك، شاعراً أنه حقق ما يريد من رزالة ! انتهت القصة. ستقول لي: زبايخةس! أنا أعرف ذلك. وللاطلاع علي علاقة الذكور بالإناث في أوروبا عموماً، وليس في البلاد العربية التي يدّعون أنها ذكورية وحدها، نأخذ رواية(العاشقات) للروائية (إلفريدة يلينيك) الحاصلة علي جائزة نوبل للآداب، إذ تصور فيها علاقات الرجل والمرأة لمجتمعها النمساوي بقول الساردة: »فالذكور متهمون بأنهم مصمِّمون علي الهيمنة علي الإناث، والإناث يُعاب عليهن أنهن يُسهِّلن للذكور هذه الهيمنة، والطبيعة متهمة بأنها تلعب دورها في تحقيق التذلل في جانب الأنثي، والهيمنة في جانب الذكر. وعلاقة المرأة بالرجل كلها خدمة في خدمة..فعندما كان أبي حياً، تعبت كل التعب في خدمته، وعندما تزوجت، تعبت كل التعب في خدمة زوجي، والآن أتعب كل التعب في خدمة ولدي جيرالد. وأجدني أكرر له: حذار أن تزعج بابا عندما ينام نومة الظهر..س إذن هي الطبيعة متهمة بأنها تلعب دورها في تحقيق الهيمنة من جانب الرجل، وفرض التذلل في جانب الأنثي، التي لا تستطيع مثلاً الارتباط بالرجل الذي تريد، فلو كانت ذكية وفاعلة في مجتمعها، وليست جميلة الشكل، فإن نصيبها من الرجال سيكون ضعيفاً..فما ذنبها إذا كانت خلقتها هكذا؟ وتواصل يلينيك في روايتها المدهشة(العاشقات) علي لسان الساردة قولها: زوهذه باولا في محنتها تبحث عن الرجل الذي قررت أن ترتبط به ، فإذا به سكير معتوه ، يعتبره زملاؤه حيواناً من الدرك الأسفل، وكذلك تدرك باولا أن البنت شيء كالفواكه والخضروات التي يبيعونها في السوق بثمن تحدده درجة الجودة...س وليست هذه الفوقية الذكورية في أوروبا وحدها، وحسب رأي الدكتور مصطفي ماهر مترجم هذه الرواية، فإن التقاليد العربية البالية تقبل هيمنة الرجل علي المرأة، إلي الحد الذي يجعل الضرب المبرح شيئاً مألوفاً، ويجعل المرأة الحامل تتمني أن يكون المولود ذكراً وليس أنثي ليحميها الذكر زولدهاس من غيبيات الزمن، خاصة إذا ما قسي عليها الزوج. وإن مجتمع القرية، سواء العربية أو الأوروبية كما تصفه إلفريدة يلينيك يكيل بمكيالين، فهو يتصنع التمسك بأخلاق وشرف الفتاة، ولكن بعض الشباب المطالبين بالزواج من فتاة شريفة عفيفة نظيفة، تجد أن بعضهم غارقون في الفساد والسكر والاغتصاب والعنف والانتصار للفاسدين الظالمين من الرجال. وتضيف يلينيك في روايتها : زلو خُيِّر إيريش بين باولا وبين الموتوسيكل لاختار الموتورسيكل..إيريشسشيءس مثل والد باولا، أو أخ باولا، أو زوج أخت باولا ، شيءس يوزع الضربات المبرحة، ويعب الكحول حتي السُّكْر.س الرجل هنا مجرد زشيءس وكأنه رجل آلي يوزع الضربات المبرحة! لا نعرف ما إذا كان هذا الشعور صحيحا؟ ولهذا سنوضح في العدد القادم رأي رواية يلينيك (العاشقات) في كسل المرأة ، وعدم ممانعتها في تقبُّل الضرب، مادام هذا العنف مرتبطاً بتوفير البيت والسيارة والحياة المستقرة، غير المتعِبة لها.