مازلت أتذكر قصة سمير وميكي وحكايات علاء الدين والفانوس السحري وحكاية علي بابا والأربعين حرامي وحكاية ألف ليلة وليلة وغيرها من روائع الأدب العربي الشعبي الذي ربما تجرعنا منه نحن أطفال السبعينيات جرعات ساهمت كثيرا في تكوين ملامح ثقافتنا وأفسحت أمامنا المجال نحو آفاق خصبة من الاطلاع والمعرفة.. أشعر بحسرة علي حال أطفالنا الذين وللأسف لم يحظوا بما حظينا به نحن أطفال السبعينيات.. أتذكر أنني تأثرت وأنا طفل بحياة الأديب الروسي الشهير تولستوي وكنت مغرما به وبحكاياته وتحولاته وولعه بالأدب الشعبي العربي وحرصه علي التنويه والالتفاف حول أدب الطفل الشرقي.. لقد تعلم تولستوي حكايات الأدب الشعبي وكان مغرما بها فكان يقرأ علاء الدين والفانوس السحري وعلي بابا والأربعين حرامي.. يقول تولستوي ان هذه الحكايات نافعة أكثر من مقالة "ماهي الليبرالية"!!.. ظهر تأثر تولستوي بالأدب الشعبي العربي عندما نشر في مجلته التربوية "باسنايا بوليانا" حكاية علي بابا والأربعين حرامي.. وأيضا يظهر تأثره في روايته "لحن كريستر" عندما أشار فيها الي حكاية ألف ليلة وليلة.. لقد آثرت أن أبرهن علي مدي أهمية الأدب الشعبي العربي بأن أربط أهميته بآراء فيلسوف القرن التاسع عشر تولستوي لأنه أحد أعظم الروائيين في العالم بل صنفه البضع بأنه أعظم الروائيين علي الإطلاق ومن ثم فإن رأيه وحرصه علي استبيان أهمية تراثنا الأدبي الشعبي والإشارة له في كتبه ورواياته هو خير دليل علي مدي خطورة هذا التراث الذي أوشك أن ينقرض بيننا وسط صخب الحياة وملامح التطور السريع الذي أذاب بيننا ودون أن نشعر جبالاً صلبة من التراث ورواسي ممتدة من الأدب الشعبي الذي قلما ما تجده سوي في بلاد الشرق وتاج الشرق مصر!!.. لم يكن الأدب الشعبي مجرد حواديت نرويها لأطفالنا قبل النوم وفي اوقات الفراغ بل كان له تأصيل وعمق وحوادث وتاريخ وشواهد امتزج فيها الواقع بالخيال والبلاغة بالمبالغة والحقيقة بالأساطير!!.. لقد فطن فيلسوف روسيا العظيم الي سحر الشرق متمثلا في آدابه وثقافته أكثر مما فطن نابليون الي سحر الشرق متمثلا في ثرواته وكنوزه وان كان نابليون هو أيضا قد تأثر أدبيا بثقافة الشرق وتاج الشرق مصر فكلف أدباء حملته بوضع كتابهم الشهير "وصف مصر".. إلي متي سنظل نفقد الهوية ونحن أصل هوية العالم!!.. أهيب بكل مصري وكل عربي أن يبدأ بنفسه وأن يعيد الهوية علي شاكلته وأنا علي يقين انه لن يخطيء ابداً.. أتمني أن نتلمس ملامح أدبنا الشعبي وان نهذب به عقول اطفالنا ونطرب به مسامعهم ونرقق به قلوبهم ونشد به أرز ولائهم ووطنيتهم.. هل من المعقول أن يري تولستوي مثل هذا الرأي منذ أكثر من مائة عام ونحن نغفله الآن وأكرر أنني عندما استشهد بتولستوي فأنا استشهد برأي مبدع القرن التاسع عشر وفيلسوفه وحكيمه فهو صاحب كتاب (مملكة الرب بداخلك) وهو العمل الأدبي الشهير الذي أثر علي مشاهير العالم في القرن العشرين وعلي رأسهم غاندي ومارتن لوثر كينج وغيرهما. وهو مؤلف (الحرب والسلام) أشهر عمل أدبي علي الإطلاق في العالم في ذلك الوقت وحتي الآن.. وهو صاح رواية "أنا كارنينا" ورواية "البعث" وغيرها من أشهر الأعمال الروائية في العالم.. رحم الله الكونت ليوتولستوي وأتمني ألا نترحم قريبا علي تراثنا من الأدب الشعبي.