كيف تتفوق الشخصية الروائية علي مبدعها بقلم: فاضل السباعي سألتني إحدي الإعلاميات لم لم ينجح الكاتب في الوطن العربي بخلق شخصيات رواية أو قصصية أو مسرحية تحقق شهرة واسعة تجاري اسم العمل أو اسم الكاتب، في حين أن الكاتب الغربي نجح عبر نصوصه الأدبية في خلق شخصيات حققت شهرة فاقت في بعض الأحيان شهرة اسم العمل أو اسم الكاتب ؟ خطرت لي، لحظة تلقّيت هذا السؤال، شخصية الشيخ في رواية همنغواي " الشيخ والبحر "، و" إيما " في رواية غوستاف فلوبير " مدام بوفاري "، و " الإخوة كرامازوف " عند دوستويفسكي... ولم تخطر في بالي شخصية موازية مما قرأت، أو قرأنا في أدبنا العربي المعاصر... ومن هنا كان هذا السؤال وجيها. ولكن أليس مردّ تلك الشهرة إلي الانتشار وذيوع الصيت والعالمية التي يحظي بها الأدب الروائي الغربي، ومن ثمّ إلي قدمه وعراقته، ومن ناحية ثانية إلي حداثة ما نحن فيه من أدب الرواية في شكله الغربي المستحدث منذ قرن وبعضه، وإن كنّا سبقنا إلي الحكاية الأخّاذة المفعمة بالحب والإبداع في كتابنا الخالد " ألف ليلة وليلة " ؟ هناك قليل من الشخصيات الروائية العربية التي حققت شهرة أو معرفة عند القرّاء، وأشير هنا إلي شخصية "عبد الجواد" في ثلاثية نجيب محفوظ، ولكن يمكن القول أيضا بأنّ شهرة هذه الشخصية ترجع إلي أنّ هذا العمل الروائي قد قدّم تمثيليّا بأشكال عدّة ممّا أكسبه تلك الشهرة، ودعوني أستطرد فأقول إنّ ما لم أستسغه عند محفوظ، عند رسمه شخصية " نفيسة "في" بداية ونهاية "، قد حفّزني إلي أن أكتب مقالة نقدية بعنوان" مأساة نفيسة كامل علي في بداية ونهاية " ظهرت في إحدي المجلاّت العربية في العام 1956 قبل أن يضمّها أخيرا كتاب صدر بدمشق بعنوان "نجيب محفوظ بعيون سورية" فكان إلقائي الضوء علي هذه الشخصية أشبه بنقطة ماء تسقط علي سطح بركة. مما لاشكّ فيه أن تراثنا العربي الإسلامي غنيّ بشخصياته وشعرائه ومؤلفيه، الذين طبّقت شهرتهم الآفاق في الغرب أحيانا قبل " وصولها " أعني "الشهرة " إلينا: الشاعر عمر الخيّام المكتشف في لندن وكتاب أبن حزم الأندلسي "طوق الحمام" المكتشف في ليدن (هولندا) وشخصية " جلال الدين الرومي " صاحب الكتاب الشهير "مثنوي" الشاعر الصوفي الذي أشاع الحب بين الناس لا الكراهية، والذي أعلنت منظمة اليونسكو العالمية عن أن هذا العام (2007) هو " عام الرومي " لمرور ثمانمئة سنة علي وفاته، والاتفاق جار علي إنتاج فيلم عنه بالتعاون بين دولة الإمارات وإيطاليا ؛ ولن ننسي شخصية علي بابا والأربعين حرامي، وكذالك حكاية سندباد التي ضمها المستشرق الفرنسي أنطوان غالان إلي نص "ألف ليلة وليلة" بالفرنسية ولم تكن هي منه ؛ تلك الترجمة العتيدة التي حظيت بإعجاب الألماني "جوته" وألهمته شخصيات مما ألف من أعمال، وأعني إعجابه بالشخصيتين اللتين دارت عليهما " حكاية علي بن بكار وشمس النهار "، فإن ما أذهل الفيلسوف الألماني في هذه الحكاية أن العاشقين العربيين النبيلين وقد بعّدت بينهما الأقدار، ماتا بفعل " القوة القاهرة للعواطف الحزينة "، ماتا من العشق ذلك ما حدثتنا به الألمانية " كاترينامومسن " في كتابها " غوته وألف ليلة وليلة " وعادت إلي حديث قريب منه الألمانية الأخري " زيغريد هونكه " في كتابها " شمس العرب تسطع علي الغرب ". لقد تساءلت قلوب الغرب القاسية: كيف يمكن أن يموت إنسان عشقا ؟ كان هذا مني استطرادا يغفره لي القراء، قادني إليه شديد إعجابي بالتراث الذي أنجزته أمتي وبقدرة المبتدعين فيها والمبتدعين بفتح الدال علي ألتأثير في ذوي القلوب النزيهة في كل مكان في العالم وأما ذيوع الشخصيات الروائية في أدبنا الحديث إلي حد الطغيان علي أسماء مبدعيها " فذلك يتطلب زمنا، وان تتكوّن في الأدب العربي العاصر، قبل ذلك حركة نقدية يكون أول سماتها: الوعي والنزاهة فلنصبر ولنتصبّر.