تبدو حميمية التعانق مع المفردات الحياتية التي تشكل عالما قصصيا مكتشفا، يراهن علي وعي الكتابة بهذا الوجود الخاص واللافت، والمتنوع بين اعتماد الكاتبة لضمائر سردية لكل من: ذات ساردة، ومسرود عنها، ومخاطبة.. من خلال تلك الصور والمشاهدات والتجارب المادية والحسية التي تتري علي هذا الوعي الناهض في التشكل، والذي يصب في اعتمادها تقنية قصصية، قد تنحو في غالب الأحوال، نحو التشكيل الفني من خلال تشظي/ بعثرة عناصره وألوانه وخطوطه المرئية وغير المرئية، ومن ثم توزيعها علي فضاء المشهد القصصي، وربما تجسدت إلي حد كبير تلك السمة من حلال النص الافتتاحي لهذه المجموعة امن نافذة تطل علي الميدانب للقاصة هبة خميس، بما يمثل خطابا موجها إلي فئة/ شريحة من المجتمع هي فئة شابة ضالة لا تكاد تتلمس طريقها، وهو ما يشير إليه النص بقوة وكمفتتح يرمي إلي التوجه العام والأصيل لتلك الكتابة التي تتشكل من الوعي الذاتي والمعرفي بالواقع وظلاله الناشئة من حولها. ان خلال نص زأشياء غير مهمةس الذي تعتمد له الكاتبة ضمير المخاطب، تحاول تجسيد واقع داخلي مأزوم ومتأثر بالخارجي المتشظي والمنفصل عن تلك الذات، ليعبر عن تلك السمة: اتفتح عينيك علي صيحات تتقاذفها الألسنة في الخارج فلا تكترث، تسمع اسمك يتطاير وسط الصيحات، تفرك عينيك لتخلصهما من ثقل الكسل المحيط بهماس ص7 تبدو هنا أزمة الذات المخاطبة، بما يجلي تلك العلاقة غير السوية مع الواقع من خلال تلك المفردات، ومن خلال تلك العلاقة المتوترة والمتسقة انفعاليا مع عمليتي السمع والإبصار، والتي تعكس هذا الفراغ النفسي الذي تؤججه جلبة وضوضاء الخارج البعيد عن اتساق الذات مع ما يدور في فلكها، بانفراد الحس بعدم التواصل مع الآخرين، حيث يأتي لاحقا التوحد مع الهاتف/ وسيلة الاتصال الباردة، التي تنقصها الألفة والطمأنينة، بأي حال من الأحوال: زتحتضن الهاتف معلنا ضربك بكلام الجميع عرض الحائط أو طوله لا يهم، تكلم فلانا وفلانا آخر، البعض مشغول، والبعض لا يهتمس ص7 مع ما تتركه هذه المحاولات من أثر دال علي انعدام هذه الصلة أيضا، أو عملية إحكام الخناق علي الذات من خلال ما تشعر به من ملل ولا مبالاة مقترنة بتردد الشخصية وتوقها إلي كسر نمط هذه العزلة/ التوحد، كما يبدو أنها تاقت من قبل لكسر نمط التحكم القيمي/الأسري والتمرد عليه، كمقدمة/ جذر للتمرد علي المجتمع/ الواقع المحيط، ذلك مما تأتي به تداعيات تلك العلاقة المبتورة من أثر علي الذات في اعتياد نمط الحياة المتمردة تلك، الرافضة للنسق الأبوي بمعناها الأشمل للرعاية والكفالة، من خلال ما يتناثر بالنص من صور هذه العلاقات ودلالات/ مظاهر ارتباطها بالشخصية المهمشة نفسيا: االمقهي لعبة الاستيميشن التي لا تكتمل القميص أو التي شيرت المحشور في البنطلونب.. تلك الدلالات التي تصب في معادل اللامبالاة وعدم الاكتراث بما حول الشخصية: اتبدو لك كلمة ضائع مناسبة للفراغ، بين الأقواس تضعهاب ليختتم النص بنهابة تتلاقي لتتكامل مع بدايته الدالة إلي حد كبير: اتنسي الفكرة، وتنزل مسرعا إلي أصدقائك المنتظرين، تدلف معهم إلي حفلة منتصف الليل بانتشاء السيجارة التي ألقوها في راحة كفكب يبدو التساؤل الموجع في استهلال نص زمثل أي حلم آخرس الذي يأتي كنموذج لاعتماد الكاتبة لضمير الغائب/ السارد عن الأنثي التي يعتريها تناقض الواقع مع ما تحبل به مخيلتها وتؤرقها وتدفعها في دوامات الحس بكابوسية الحياة وواقع الألم فيها، علي نحو ما تقول: اأكان ذلك الحلم الذي هاجمها لليال طويلة هو ما أفزعها هكذا؟.. كعادتها لم تذكر منه شيئا سوي صرختها وانتفاضة جسدها الساكن فوق الفراشب يعبر الحلم/ الكابوس هنا عن حالة من حالات الانفصام عن الذات، أو الانفصال عن الواقع حيث تأتي عملية الاعتياد/ التكرار، للحلم علي أنقاض الشعور بالجرح المادي الذي يتماهي مع الجرح المعنوي الذي ينتقل إلي الواقع مع ذاك الشعور بالألم الذي يسيطر علي أجزاء النص/ الجسد، والذي يلقي بظلال الوحدة والوحشة: اامتدت أناملها لشعرها المهوش، وعقصته بمشبك كبير، سحبت سيجارة وأشعلتها، ألقت فيها ببقايا حلم ونفثت دخانها قسرا، أنهتها في عجالة وهي تلملم شظايا فزعها متجاهلة وحدتها وشباك غرفتها المفتوحب ليدخل النص ثانية في تفاصيل الحلم الذي يختلط بالواقع مرة أخري من خلال تداعيات تلك المشاهد التي تتري علي وعي الشخصية، ومن خلال عملية التخييل التي تأتي مغلفة بلغة تنحو نحو المجاز والتقطير الدال علي مستوي تحميل العبارة بشحنة معنوية عالية تختزل الحالة الطبيعية لتحولها إلي حالة لونية لتتشكل منها لغة القص: ابأناملها الطويلة أخذت تعابث القطرات، وتحاول مزجها بإصرار، اندهشت حين امتزجت القطرات باللون ال (بيج)، أصبحت لطخة طينية تحولت مع تقليب أناملها لدوامة صفراء، تتغير ألوانها كحرباء محترفةب وحيث تتكامل عملية الخلق باللون والقوام لتماثل عملية التكوين التي تبرز من خلال الإحالة باللون البيج/ لون الطين، لتختلط الحس التشكيلي بالحلم بالواقع، لتنتشر من خلال هذا الحيز الحلمي تلاوين الأشياء وإعادة تكوينها وتلويناتها الدالة علي الاختلاط والتماهي والتوهان، ومن خلال الاشتباك مع لغة الحلم كلغة تتشكل من وعي الذات ليعطي مدلولات ذات الاشتباك ومن ثم الدخول في مرحلة التوهان/ اللا لون، أو تلك التحولات اللونية التي تشي باختلاط ألوان الواقع وتميعها وتمثلها/ الحية بالحرباء من هذه الزاوية اللونية للتحول والتشكل، ومن ثم للدخول في مرحلة اللا حس بالوجود الخارجي بمعني افتقاده، إلي أن يأتي فض الاشتباك بين الواقعين لتبرز الحقيقة الجلية، بمعانقة الألم المادي وتجسيده: اتصحو.. تفتح عينيها علي الألم الشديد في عنقها المجروح، ويمناها متكومة بجوارها علي حافة فراشهاب لتشي دلالة الذراع (المادية) المتكومة بالجوار، إلي حالة العجز التي صاحبتها من قبل عملية الاستعاضة بالتخييل والارتداد إلي المنطقة الحلمية اليقظة التي تجسد الحالة العامة للذات التي وقعت صريعة أحلامها المعنوية، وآلامها المادية، والتي تشكلت من خلال الوعيين اللغوي والتشكيلي، إضافة إلي الوعي النفسي بمدلول تلك الحالات. كما يأتي تشكيل هذا الوعي، من خلال الطبيعي والمتاح والواقعي الداخل في نطاق اليومي المختلط بالمكان والمتعانق معه، حيث المكان دال علي تاريخ/ ذكري/ ارتباط نفسي ووجداني، أو مطبوع بالذات، من خلال العلاقة بين رجل وامرأة يجمعهما فضاء ضيق هو فضاء البيت الذي أغلق عليهما، كما يأتي في نص ادوائرب الذي يأتي الرجل علي خلفية حدثه كمخاطب من خلال اعتماد النص لضمير المتكلم/ الأنثي، الموجه في ذات الوقت إلي هذا المخاطب/ الرجل البعيد عن فضاء المكان، ولكنه يقترب حثيثا من فضاء النفس التي ربما تفتقده أو تناجيه، ومن خلال المكان ذاته: اأخبرتني يوما أن الذي بيننا اخترقه جبل، صار بيننا تقريبا مثل حائط كبير، جبل أوجدته أنتب حيث يستعين النص هنا بمدلول مفردة الجبل، دون معناها المتجسد من ناحية الحجم، لينتقل من فضاء الصحراء الواسع بالمعني المادي، إلي فضاء البيت/ فضاء العلاقة النفسية المغلق، لتمثل هنا جمالية من جماليات التشكيل بالمجموعة، وبما يشي بقدرة الكاتبة علي استحضار القيمة اللغوية والمعنوية. كما يقفز السؤال أو بالأحري التساؤل؛ ليميط اللثام عن عملية الترقب والاشتياق واللهفة التي تقابل العلاقة الباردة الفاترة بين الطرفين، التي ربما واجهت بها الساردة ذاتها: الماذا لا أنتقي من ذاكرتي سواك الآن؟ أخرج صورك كلها، أعابث بعضها، أفقأ عينيك التي لم ترني، أقطع ذراعك التي أفتت يدي بجفاء.ب تأتي هنا عملية التنفيث النفسية كاستعاضة وكأنسنة لمفردات الجماد المتمثل في صورة الرجل الجامدة،علي المستويين أيضا النفسي والمادي، ومحاولة استنطاقها ومحاكمتها وربما استعطافها، ومن ثم الخروج منها بتشكيل جديد للعلاقة المنبتة بين الطرفين لمحاولة إعادة إحيائها واستعادتها ولو علي مستوي المجاز الذي يحرك العلاقة هنا من خلال عملية التخييل أو التهيئة النفسية.. اتستدير لصوتي وتنظر الكرسي ولا تراني توجهك عيناك إلي صورتي المؤطرة بزهور البنفسج البلاستيكية وتصمت، تستدير لتعود أدراجك، ترمي نظراتك للكرسي ثانية، ولا تراني.ب وهكذا تكتمل عملية التخييل والانغلاق والفقد بالوقوع في أسر هذه الدوائر التخييلية التي تؤطر هذه العلاقة من خلال الصور والرموز والإحالات التي تمثلها هنا زهور البنفسج (الدالة علي الحزن)، والبلاستيكية (الدالة علي التحجر والجماد)، ليتحول كل ما هو حسي في صورة العواطف والأحاسيس الجياشة إلي قيمة أخري هي قيمة الجمود والخلو من الحياة، وهو مما لا شك فيه من عناصر التشكيل الجمالي لذاك الوعي القصصي الذي يمتح من الحياة ومن المكان ومن الذات وتشعبات النفس ليكون نسقا للكتابة التي تبحث عن وجودها من خلال نماذج وقوالب قد لا تشيع أحدا أو تحاول الخروج من عنق زجاجة التقليد والتقرير، وربما هربا من الواقع إلي واقع فني بديل تظاهره الرغبة في تشكيل الوعي بالكتابة، وبالقصة كوعاء إبداعي قادر علي امتصاص كل جماليات الفن والوعي به..